المعلمون وحقوقهم (الأستاذ المرحوم سعدالدين المجالي والاستاذ عبدالوهاب المجالي حفظه الله )

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي 

عندما كنت صغيرا وكان والدي هو المختار للعشيرة وهو الوكيل بالجيش الذي أصيب بحرب ال ٤٨ وتم اسئصال كليته من جراء الإصابة، وقد مات بمرض السرطان الذي قد أتى على كل أعضاء جسمه باستثناء كليته التي كان دائما متخوفا منها و عليها من الفشل الكلوي،   لقد كان والدي عليه رحمة الله تاجرا  ومزارعا حراثا وحصادا،  كان يربينا نحن أولاده العشرة وشقيقته  وشقيقيه ، فكان عددنا مع الوالدة خمسة عشر فردا . كان والدي يؤمن إيمانا عميقا بقدسية المعلم وأنه صادقا حتى لو كذب ، وانه محقا حتى لو أخطأ، وهو الذي تعلم على يدي خالي عبدالعزيز الضابط المتخرج من كلية  الشرطة والذي علمه  كيفية القراءة والكتابة فقط، وكان والدي دائما ينظر لخالي نظرة الإحترام والوقار ليس لكونه ابن عمه ونسيبه فقط وانما لكونه كان معلمه الأول بالقراءة والكتابة ،  ولهذا أراد والدي أن يعوضنا نحن أولاده واشقاءه بالنقص الذي شعر به هو من عدم إكماله التعليم ،ولهذا كان حازما ومصرا على تعليمنا. 

كانت مدرستنا هي مدرسة الربه الإعدادية آنذاك وكان مديرها العم والأستاذ سعدالدين المجالي(ابوعمرو) عليه رحمة الله ،وكان أيضا  العم الأستاذ عبدالوهاب ابوزعل أيضأ استاذا بالمدرسة ، كنت اكرهم واحقد عليهم وانا صغيرا  لكونهما  يحرصان على أن يعلماننا وبكل الوسائل الترغيبية والترهيبية المتوفرة لديهم  لكي تفتح لنا آفاق و أبواب المستقبل ،كانا  قاسيان  علينا بالعقاب داخل أسوار المدرسة وحتى  خارجها وبالإحياء او بالشوارع ،  كانتا هيبتهما تصل إلى منازلنا وحاراتنا ، لم نستطيع يوما أن نشكوهما او نتذمر منهما أمام والدي الذي كان يراهما من أصحاب القدسية والعصمة. 
الأستاذ سعدالدين رحمه الله الذي كان لم يكمل التوجيهي وقد عين استاذا ثم مديرا للمدرسة ، ولكنه كان علامة وموسوعة بالعلم والثقافة والإدارة ،والأستاذ عبدالوهاب الذي أكمل التوجيهي ودخل كلية تأهيل المعلمين فقط، لقد كانا يدرساننا العربي والعلوم والتاريخ والاجتماعيات والزراعة . كان الأستاذ عبدالوهاب مؤازرا لأفكار حزب البعث العربي  ومؤازرا  أيضأ لبعض من أفكار الحزب الشيوعي ،حتى أنه علمنا كيفية اداء تحية العلم على الطريقة النازية والروسية بمد الذراع باستقامتها وفتح اليد وضم الأصابع  . 
تخرجنا نحن الإخوة العشرة من تحت أيادي الأستاذان سعدالدين وعبدالوهاب فكان مننا المهندس والطبيب والحقوقي والممرض والضابط، مع المدرسة كانت قديمة وصفوفها  مصطفة ولا يوجد بها كريدورات مغطية او خدمات كما هي حال المدارس في أيامنا  الآن ،ولكنها كانت نظيفة صحيا وتعليميا واجتماعيا وثقافيا، كان الأستاذان هم نموذجا لكل الأساتذة وكأنهم مصطرة واحدة  ،فكان اذا دخلا المدرسة كانت هناك  الجدية بالتعليم والتوجيه والإرشاد  ،وكان هناك الخوف من العقاب لمن يتجاوز او يهمل بواجباته الوظيفية ،وكان من أول المعاقبين اذا اخطؤوا او قصروا أبنائهم وأمام طابور المدرسة كاملا. 
كان كل واحد منهما عالما بالثقافة والإدارة والاجتماع  نظريا وعمليا ، رغم أنهم لم يكملوا دراساتهما  الحامعية أوحتى الثانوية ،ولكن كانت المدرسة مضبوطة أخلاقيا وتعليميا وسلوكيا. 
رحم الله والدي الذي علمنا ان المعلم مقدسا ورحم الله الأستاذ سعدالدين  كريم المجالي وادعوا الله واسأله بأن يديم الصحة والعافية على العم الأستاذ عبدالوهاب إسماعيل المجالي...

وهنا يأتي ما أود قوله بعد هذا المقال عن والدي والأستاذ الجليلان عرفت معنى ان الأستاذ الذي يأخذ حقوقه واحترامه  يستطيع أن ينشأ أجيالا متعلمة مثقفة تبني أوطان ومجتمعات ..فإن اعطيتموهم حقوقهم فإنكم سوف تلاقونها باولادكم وبناتكم وأن حرمتموهم  فإنكم سوف تخسرون أبنائكم وتحرمون الوطن من جيل بنٌاء ولسوف يخسر الوطن والمجتمع إذا لم نحترمهم نحن الآباء والدولة.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences