تفاصيل خطة مصر لاستعادة النفوذ في ليبيا
في الوقت الذي هدأت فيه الأوضاع في ليبيا عسكرياً في ظل حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي الجديدين، تشتعل الأجواء السياسية والتحركات الاستخباراتية هناك في محاولة لإعادة ترتيب المشهد في المستقبل القريب.
فقد كشفت مصادر خاصة لـ"عربي بوست" تفاصيل الخطة المصرية لاستعادة الهيمنة على المشهد في ليبيا، ليس فقط في الشرق، بل حتى في مناطق غرب ليبيا، وذلك تحت إشراف اللواء خليفة حفتر.
وباتت الرؤية المصرية واضحة الأهداف والمعالم فيما يخص الاستحقاق الانتخابي القادم في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021، بالإضافة إلى سعيها الحالي للهيمنة واستعادة النفوذ الذي فقد في السنوات القليلة الماضية.
حفتر رئيساً والناظوري رئيساً للأركان
كشف مصدر مقرب من القيادة العامة التابعة للواء خليفة حفتر، عزم القاهرة دعم حفتر للترشح للانتخابات الليبية المقبلة، وتعيين رئيس الأركان التابع لبرلمان طبرق الفريق عبد الرزاق الناظوري حاكماً عسكرياً بديلاً عنه.
وأوضح المصدر أن الرئاسة المصرية تضغط على الأطراف الليبية لتحقيق استحقاق الانتخابات في موعدها 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، على أن تكون انتخابات رئاسية وليست برلمانية، لمنح التصويت بشكل مباشر على حفتر.
وأشار إلى أن المخابرات الحربية المصرية نجحت في حل الخلاف السابق بين رئيس الأركان العامة التابع لبرلمان طبرق الفريق عبدالرازق الناظوري وخليفة حفتر.
وكان خلاف حاد نشب بين الرجلين الشهر الماضي، كاد يصل لحد المواجهات المسلحة بينهما، بسبب ورود معلومات للناظوري عن نية حفتر التخلص منه وتصفيته كونه البديل المحتمل له في المرحلة المقبلة.
وتابع المصدر أن المخابرات المصرية كشفت عن رؤيتها للمشهد العسكري والسياسي الليبي خلال المرحلة المقبلة لكل من خليفة حفتر ورئيس أركانه خلال اجتماعهم بروسيا في 15 أبريل/نيسان 2021، وذلك بعد تسمية رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة عن رئيس الأركان التابع له الفريق أول محمد الحداد.
حفتر يوسع نفوذه للجنوب
ومن أجل التمهيد لحصد الأصوات في الانتخابات، يعمل خليفة حفتر على توسيع مناطق نفوذه من المنطقة الشرقية إلى الجنوبية، بحسب ما أوضح مصدر عسكري ضمن قوات حفتر.
إذ أرسل حفتر قوات عسكرية محلية مدعومة بالطيران الحربي تابعة له، بعد صدور قرار من رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي باتخاذ الإجراءات الفورية لتأمين الحدود الجنوبية الليبية في 21 أبريل/نيسان الماضي، بعد مرور قوات تشادية من ليبيا لتشاد وهيمنتها على أجزاء من شمال البلاد وتسببها في مقتل الرئيس التشادي.
وأكد مصدر عسكري تابع لحكومة الوحدة الوطنية الليبية، فضل عدم ذكر اسمه، لـ"عربي بوست" أن مجموعة مسلحة تابعة لمرتزقة حركة المعارضة التشادية عادت ليلة أمس الإثنين 26 أبريل/نيسان، إلى ليبيا وتمركزت بقاعدة "تمنهنت" العسكرية التي تسيطر عليها قوات حفتر بالقرب من مدينة سبها جنوب البلاد.
وتابع أن قوة مرتزقة فاغنر الروسية التي رصدت أمس قرب منطقة الشويرف كانت لغرض تأمين دخول مرتزقة المعارضة التشادية لقاعدة تمنهنت.
تحركات لحفتر بالقرب من طرابلس
ورصد الجيش الليبي، الإثنين 26 أبريل/نيسان 2021، تحركات عسكرية لرتل مسلح تابع لخليفة حفتر، قرب منطقة الشويرف، جنوب شرق طرابلس (غرب ليبيا).
جاء ذلك في سلسلة تغريدات نشرها المركز الإعلامي لعملية بركان الغضب عبر صفحته على تويتر.
وقال البيان: "رُصد مساء اليوم تحرك لآليات مسلحة تابعة لميليشيات مجرم الحرب حفتر مدعومة بمرتزقة روس وهم في طريقهم شرقاً إلى الشويرف".
وأوضح البيان أن "الرتل المسلح قوامه 62 آلية مسلحة و3 شاحنات محملة بالذخيرة ومنظومتي نظام دفاع جوي متنقل (بانتسير إس ون) الصاروخية المدفعية المضادة على متن هيكل شاحنة ألمانية الصنع".
واعتبر البيان ذلك يمثل "تعارضاً ونقضاً لاتفاق 5+5 لوقف إطلاق النار الموقع في جنيف نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي".
وفي 13 فبراير/شباط الماضي، أعلن الجيش الليبي رصد تحليق طيران حربي تابع لمرتزقة "فاغنر" الداعمين لميليشيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر، في سماء مدينة الجفرة (جنوب شرق طرابلس).
يأتي ذلك رغم إعلان الأمم المتحدة في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020، توصل طرفي النزاع في ليبيا إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار، ضمن مباحثات اللجنة العسكرية المشتركة في مدينة جنيف السويسرية، والذي نص على انسحاب كل المرتزقة الأجانب من ليبيا خلال 3 أشهر من ذلك التاريخ.
ومنذ ذلك الوقت، تخرق ميليشيا حفتر اتفاق وقف إطلاق النار بين الحين والآخر، وتستمر في الحشد العسكري.
مصر تستقطب المنطقة الغربية
وفي محاولة لتوسيع نفوذها نحو الغرب، تعمل الرئاسة المصرية على دراسة واستقطاب عدة مناطق بالمنطقة الغربية لصالح خليفة حفتر، وذلك بعدما عقدت مصر اتفاقات مع حكومة الوحدة الوطنية، والإعلان عن استئناف العمل السياسي وفتح السفارة المصرية بطرابلس.
وتشكل مناطق ترهونة، جنوب طرابلس، ومناطق صبراتة وصرمان والعجيلات ورقدالين والجميل والرجبان والزنتان حاضنة جيدة لخليفة حفتر رغم أنها تخضع حالياً لسلطة حكومة الوحدة الوطنية. ويمكن لمصر تهيئة واستقطاب هذه المناطق لصالح خليفة حفتر، بحسب مصدر عسكري مقرب من حفتر.
وذكر العقيد طيار سعيد الفارسي أن القاهرة تعمل في ليبيا وفق رؤية جديدة داعمة للانتخابات بقوة، لكن وفق شروط تفرضها وعبر آلية مزدوجة المعايير.
وذكر أن القاهرة تحاول الاستفادة اقتصادياً ببناء علاقات مع حكومة الوحدة الوطنية غرب ليبيا وتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستخباراتية بالمنطقة الغربية لدراسة المنطقة والعمل على تحشيد رأي عام في المناطق التي تعتبر موالية لخليفة حفتر والعمل على تمكين قاعدة دستورية تتجه نحو انتخابات رئاسية بالمرحلة المقبلة تضمن نجاح خليفة حفتر في الانتخابات المزمع عقدها في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021.
دعم مصري مستمر
وتابع الفارسي أن خليفة حفتر لن يدخل في حرب جديدة في ليبيا، وأن ما نشهده من تحركات عسكرية هي بمثابة توسيع نفوذ لخليفة حفتر في جنوب وجنوب غرب ليبيا والسيطرة على أكبر عدد من القواعد العسكرية، كقاعدة تمنهنت وبراك الشاطئ كي يكون ترشح خليفة حفتر للانتخابات أمراً واقعاً.
وأشار إلى أن مصر تدعم هذه التحركات عبر إرسال طائرات شحن عسكرية تحمل أسلحة وذخائر لحركة المعارضة التشادية التي تقاتل في صفوف حفتر طيلة الست سنوات الماضية كان آخرها هبوط طائرتي شحن نوع c130 السبت 24 أبريل/نيسان 2021 في مطار ترابي على الشريط الحدودي بين ليبيا وتشاد.
وكانت القاهرة ادعت أن الطائرتين اللتين هبطتا بمطار سبها جنوب ليبيا في 13 أبريل/نيسان 2021، تحملان معدات طبية بينما كانت في الحقيقة تنقلان أسلحة وذخائر لحركة معارضة دولة تشاد التي خرجت من ليبيا.
وبحسب مصدر عسكري تابع لحكومة الوحدة الوطنية، فإن الطائرتين هبطتا في مطار القرضابية الذي يسيطر عليه مرتزقة فاغنر بسرت قبل وصولهما لمطار سبها بحجة التزود بالوقود.
وأبلغت الخارجية المصرية نظيرتها الليبية أنها أخذت إذن هبوط الطائرتين في مطاري سبها والقرضابية ممن سمتها "القيادة العامة"، وهي التابعة للواء خليفة حفتر.
وأشار الفارسي إلى أن الصمت الدولي إزاء تحركات حفتر بالمنطقة سببه ضعف الحكومة الجديدة والمجلس الرئاسي والذي يعتبر القائد الأعلى للجيش، وخضوعهم لإملاءات الدول الإقليمية وعلى رأسها مصر، وعدم قدرتهم على اتخاذ قرارات حازمة إزاء هذه التدخلات وتعاملهم مع الأجسام الموازية التي أسقطها اتفاق جنيف في يناير/كانون الثاني 2021، وهي التي ستمكن خليفة حفتر بالمشهد السياسي الجديد بعد أن انتهى دوره خلال الأشهر القليلة الماضية.