أنقذوا القطاع الصناعي ..

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
سلامة الدرعاوي

ليس فقط القطاع الصناعي من هو بحاجة إلى الإنقاذ والتحفيز، بل كُل القطاعات هي الأخرى بحاجة إلى مد يد العون لها من قبل الحكومة للحفاظ على استمراريتها واستدامة أنشطتها على المدى المتوسط، والتوسع الاستثماري على المديين المتوسط والبعيد.
والدعم الحكومي المقصود هو ليس دعما ماديا كما يعتقد البعض، فالقطاع الخاص عامة والقطاع الصناعي خاصة هو من يدعم الحكومة ويرفد خزينتها بالضرائب والرسوم المختلفة التي تمكن القطاع العام من تمويل نفقاته المتزايدة.
إن الدعم المقصود هو دعم بيئة الأعمال بمجموعة من القرارات التي تعزز تنافسية القطاع الصناعي، من خلال مصفوفة الاجراءات الرسمية التي يتعامل معها القطاع الخاص عامة والصناعي خاصة والتي تحتاج جميعها إلى ثورة إدارية برمتها.
القطاع الصناعي بأمس الحاجة إلى الشراكة الحقيقية مع الحكومة في رسم واتخاذ القرارات الاقتصادية، وان يشعر فعلا انه جزء من منظومة اتخاذ القرار الاقتصادي، خاصة في الأمور التي تتعلق بأعماله، لا ان يبقى متلقيا للقرارات الحكومية الفجائية التي تشكل في غالبيتها صدمة اقتصادية له.
لكن لماذا القطاع الصناعي له أولوية في الشراكة الحكومية؟ لأنه المشغل الأكبر للعمالة المحلية، ولأنه موطن التكنولوجيا والتطور، ولأن غالبية الصادرات الوطنية من سلع صناعية محلية، ولأنه يشكل ربع الناتج المحلي الإجمالي، ولأنه الأكثر قدرة على التوظيف ومكافحة البطالة، ولأن الأمم يقاس تقدمها الاقتصادي بتقدمها الصناعي، وهناك عشرات الأسباب التي تدفع بأن يكون القطاع الصناعي على رأس أولويات العمل الرسمي.
جزء مما يتعرض له القطاع الصناعي من تحديات ليس له علاقة بالصراع العربي الاسرائيلي، وليس له علاقة بمؤامرة إقليمية، بل هو نتاج محلي رسمي بحت، وليد قرارات حكومية لم تأخذ بعين الاعتبار تداعيات تلك القرارات على المصلحة الاقتصادية الوطنية عامة والصناعية خاصة.
فالكثير من قرارات الحكومة يأتي في إطار الفزعة لا أكثر، وبعيدة كُل البعد عن التخطيط السليم والمشاركة مع القطاع الخاص، فعندما أثير إعلاميا موضوع ارتفاع اسعار بعض السلع الأساسية عالميا وانعكاسها محليا، لجأت الحكومة فورا إلى اتخاذ قرارات تسعيرية لبعض المنتجات مثل الزيوت، مما أعطى أفضلية سعرية واضحة للمنتجات المستوردة على حساب المنتج المحلي، مما شكل ضربة موجعة للمصنعين داخل المملكة الذين لا يستطيعون المنافسة مع نظرائهم المستوردين الاقل كلفة من كُل الجوانب.
قبل العيد اتخذت وزارة الصناعة قرارا غريبا عجيبا بالسماح باستيراد سكاكر وحلويات وشوكولاته وألبسة أطفال من سورية، علما ان الاخيرة تحظر إدخال المنتجات الأردنية إلى أراضيها تحت مبررات عدة، وهناك مئات المصانع الوطنية التي تنتج بعض تلك السلع بأعلى درجات الجودة، مما شكل ضربة موجعة لتلك المصانع المحلية، فما أقدمت عليه الوزارة هو تنازل مجاني لصالح سورية التي لا تسمح للمنتجات المحلية بالدخول لأسواقها، ولا أحد يدري مثل هذا القرار يخدم من ولصالح من؟ فإذا كان بعض التجار هم المستفيدون فهناك عشرات الأسواق التي باستطاعة التاجر ان يستورد منها ذات البضائع، وإذا كان المستهلك فالأسواق الخارجية مفتوحة له على مصراعيها، واذا كان الاقتصاد الوطني المستفيد، فالحقيقة انه لا يستفيد من هذا القرار أبدا لأنه سينعكس سلبا على استمرارية المصانع المحلية التي تنتج نفس السلع المستوردة، مما ينعكس سلبا على قدراتها الإنتاجية والتنافسية وتعزز البضائع المستوردة من سورية حيث العمالة التي لا يتجاوز معدل اجورها الـ40 دولارا ، ناهيك عن انخفاض كلف الكهرباء والمياه وكل عوامل الإنتاج، إضافة لفقدان عوامل الرقابة الصحية والمواصفات وكلها لا تصب في إطار التنافس العادل بين السلع المحلية ونظيرتها من الجوار.
هذه أمثلة حية وسريعة على قرارات حكومية لها تداعيات وخيمة على القطاع الصناعي الذي يطلب من الجهات الرسمية المعنية إعادة النظر وتقييم ومراجعة اتفاقيات التجارة التي وقعتها المملكة مع دول والتي باتت بشكل واضح أنها تشكل كابوسا حقيقيا على الاقتصاد الوطني نتيجة غياب العدالة التنافسية ناهيك عن الإجراءات والعقبات التي تقف امام انسياب السلع الوطنية الى تلك الاسواق ، فالأصل من الحكومة ان تلتزم بمبدأ المعاملة بالمثل بدلا من التنازلات الاقتصادية المجانية لصالح دول نعاني معها من عجز تجاري كبير ومنافسة غير عادلة.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences