المئوية.. باستطاعتنا أن نكون الأفضل

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

سلامة الدرعاوي

مئوية المملكة الثانية تعيد شريط الذكريات إلى ما تحقق على أرض الواقع من منجزات ساهمت في بناء دعائم الدولة وتجاوز التحديات والعقبات التي كانت تقف في طريقها والتي كانت داخليّة وخارجيّة على حد سواء.
أكثر ما يشاع في وقتنا الحاضر من أقاويل بأننا في السابق كنا أفضل اقتصاديا مما نحن عليه الآن، وهذا كلام يحتاج وقفة وتقييما دقيقا وعلميا حتى نتأكد من صحته او عدمه.
كنا دولة تعتمد كلياً على المساعدات منذ تأسيس الإمارة، لدرجة انه في بعض السنوات وتحديدا حتى منتصف الستينيات كانت المنح أكبر من الإيرادات، اما اليوم فالمساعدات وان بقيت حاسمة في استقرار الاقتصاد الوطنيّ إلا أنها لا تزيد بأفضل حالاتها على 15 % من الإيرادات العامة للدولة التي باتت تغطي في بعض الأحيان اكثر 85 % من النفقات العامة، فقد بات لدى الأردن اقتصاد داخلي مرن يولّد دخلاً كبيراً من الرسوم والضرائب والتحصيلات المختلفة تغطي جزءا كبيراً من احتياجات الدولة التمويليّة المختلفة.
يقول البعض إننا ندخل المئوية وليس لدينا أصول لأن الحكومات باعتها في إطار الخصخصة، وهذا كلام عارٍ عن الصحة، فالأردن يملك أصولاً كبيرة وإسهامات مؤثرة وفاعلة في مختلف الشركات حتى التي تم خصخصتها مثل البوتاس والفوسفات، فحصص الحكومة والضمان فيهما تقترب من نصف ملكيتها مع فارق إيجابي بقيم هذه الحصص الماليّة الآن والتي تتجاوز عشرات أضعاف قيمتها ما قبل خصخصتها، فالاتصالات كانت في السابق تمتلكها الحكومة بالكامل وتدرّ على الخزينة سنويّاً إيرادات تتجاوز في بعض الاحيان 100 مليون دينار سنويّاً، مع ضعف في كافة الخدمات التي كانت شبه معدومة للمواطنين، أما اليوم بعد خصخصتها فهناك عشرات الآلاف من الوظائف التي تحققت نتيجة خصخصة القطاع الذي يورّد سنويا للخزينة اكثر من 300 مليون دينار عوائد مختلفة وضرائب مباشرة وغير مباشرة، ناهيك عن التطور في كافة خدمات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
يرى البعض ان أداء الاقتصاد كان أفضل في السابق مما هو عليه الآن، وهذا أمر غير صحيح إطلاقا لا من الناحية العملية ولا النظرية، فالأردن في مئويته الأولى كان أكثر اعتماداً على المساعدات الخارجيّة، والقطاع العام هو المشغّل والمسيطر على الاقتصاد الوطنيّ، أما اليوم فالأمر مختلف كليّاً، فالقطاع الخاص يستحوذ على أكثر من نصف الناتج المحلي الإجماليّ، ويشغل ما يزيد على المليون عامل، وهو الدافع الأكبر لإيرادات الدولة، وهناك اقتصاد حرّ بقيادته، فهو المستثمر والمشغّل والمولّد لأموال الخزينة.
ولا ننسى ان التحديات الاقتصاديّة التي تعرض لها الأردن في المئوية الأولى كانت قاسية جداً لدرجة أننا لم نعد قادرين على دفع أي التزامات خارجيّة كالديون على سبيل المثال، مما ادى الى انهيار اقتصاديّ كامل في العام 1989 وانخفاض سعر الصرف مما شكّل أكبر تحد على استقرار ووجود المملكة، لكن اليوم حتى في ظل أصعب الظروف والتحديات الاقتصاديّة كالحالة الراهنة التي فرضتها تداعيات كورونا، تقوم الحكومة وبكل ثقة وفي وقت مبكر بإعلان تعهدها بالوفاء بكافة تعهداتها الماليّة الداخليّة والخارجيّة، وتفي بهذا الوعد وتسدد دفعات قروضها بموعدها المستحق، لا بل انها قامت بدفع كافة رواتب العاملين لديها لمدة ثلاثة أشهر وهم في بيوتهم جالسين استجابة لأوامر الدفاع وتطبيق الحظر.
لكن ما يستوجب من الجهات المعنية اليوم ونحن في المئوية الجديدة ان نقيّم أوضاعنا وخططنا وسياستنا التعليميّة والصحية ومراجعة المنظومة الإدارية لزيادة تنافسيتها وفاعليتها وتهيئتها لتخدم بشكل مؤثر في المئوية الجديدة، وهذا أمر ليس صعبا، فهذه البلاد بنيت بسواعد أبنائه من لاشيء حتى باتت على ما هي عليه الآن، لذلك باستطاعتنا ان نكون الأفضل وبأقل الموارد، بحاجة إلى إطلاق مصفوفة تشريعات عصرية وحزمة مشاريع كبرى تساهم بالتنمية والتشغيل وتعزيز حقيقي للشركة بين القطاعين، حتى ينمو الاقتصاد ويكون قادراً على محاربة الفقر والبطالة اللتين تشكلان كابوساً حقيقياً للدولة في مئويتها الثانية، وتكون قادرة على مواجهة اعبائها الماليّة خاصة المديونية التي وصلت للأسف لمستويات غير آمنة.
في ذكرى الاستقلال ودخول المملكة مئويتها الثانية نسترجع بذاكرتنا منظومة النزاهة والقيم التي تشكّلت في الدولة على مدى عقود مضت، ونسترجع بذاكرتنا كرامة الأردنيين التي كانت عصية على كُلّ من حاول العبث بها، اليوم نحن بأمس الحاجة إلى التمسك بقيمنا وتراثنا ومبادئنا وكرامتنا، والالتفاف حول القيادة لحماية هذا الوطن من عبث العابثين وحسد الحاسدين وفساد المفسدين.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences