الجزائر.. عزوف جماهيري عن الانتخابات
تتواصل الحملة الدعائية في الجزائر التي تشارف على نهايتها، قبل الدخول في الصمت الانتخابي الذي يسبق يوم الانتخاب في 12 من يونيو/ حزيران الجاري. وتحكمت عدة ظروف في سير الحملة الدعائية لهذه الانتخابات التي جعلتها مختلفة عن الحملات الدعائية السابقة، حيث لعبت فيها مواقع التواصل الاجتماعي دورا كبيرا في الترويج لبرامج وخطب المترشحين، لكن كانت لديها مفعولا عكسيا أيضا على المترشحين.
الحملة الدعائية لأول انتخابات تشريعية تجرى بعد اندلاع الحراك الشعبي وسقوط نظام عبد العزيز بوتفليقة في الجزائر، كانت مختلفة عن ما سبقها من الحملات الدعائية، إذ لأول مرة تساهم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير في حملات المترشحين على حساب المهرجانات الشعبية واللقاءات الجماهيرية مع الناخبين. وساهم في ذلك، من جهة، عدم اكثرات قطاع من الناخبين بهذه التجمعات وبجدواها وهو ما ظهر جليا عبر الحضور الشعبي المحدود جدا، ومقاطعة آخرين لها انطلاقا من موقفهم من المشاركة في الانتخابات برمتها، إضافة الى محدودية الخطاب السياسي للكثير من المترشحين سواء المنضوين في إطار أحزاب سياسية أو الاحرار منهم، على خلفية أن الكثير منهم لم يزاول العمل السياسي وليست لديهم ملكة الخطابة ولا يتحكمون في فنون التواصل مع الجماهير. وكانت مواقع التواصل الاجتماعي البديل والملجأ لهؤلاء من خلال فتح حسابات خاصة للترويج لبرامجهم والتواصل مع الجمهور، وهناك من اكتفى بوضع صورته ورقم قائمته الانتخابية مرفقة بمنشورات تدعو للتصويت له.
ويرى الإعلامي والباحث الأكاديمي عبد العالي زواغي أن الحملة الدعائية للانتخابات النيابية كانت "حملة رقمية بامتياز، جرى توظيفها من طرف أغلب الأحزاب والقوائم الحرة، لتسويق مرشحيها وحشد الناخبين والمتعاطفين، وهي مقارنة بغيرها من الحملات السابقة الأكثر استخداما لمواقع التواصل الاجتماعي على الإطلاق”. وعدد زواغي في حديثه مع "القدس العربي” الأسباب التي جعلت هذه الحملة "رقمية” كونها "جاءت في ظل ظروف صحية خاصة أفرزتها جائحة كورونا، تقلص على إثرها زخم التجمعات الانتخابية مع تسجيل عزوف الناس عن حضور مثل هذه التجمعات لفقدان الثقة بالفاعلين السياسيين”.
ويضيف زواغي "إلى جانب ذلك فإن المرشحين باتوا أكثر دراية بأهمية النشاط على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت تستقطب الجزائريين بشكل كبير جدا، حيث تشير آخر الإحصائيات في هذا المجال، إلى أن عدد مستخدمي المواقع الاجتماعية في الجزائر يبلغ 25 مليون مستخدم، مما يجعلهم هدفا مهما لحملات المترشحين”.
ويوضح الأكاديمي الجزائري أن هناك عاملا آخر يتعلق بالميزات التي تقدمها مواقع التواصل الاجتماعي إذ إنها "تعتبر غير مكلفة ولا تتطلب الكثير من المال، وهذه الميزة في صالح المترشحين الشباب الذين ليس لديهم إمكانيات مالية لإدارة حملاتهم، فيكفيهم الآن هاتف نقال ذكي لبث خطاباتهم ونشر برامجهم ورسائلهم الدعائية على فيسبوك، الموقع الأكثر استخداما في الجزائر، دون الحاجة للاتصال وجها لوجه مع الناخبين”.
لكن في المقابل، يقول الباحث عبد العالي زواغي إنه بالرغم من "كل الميزات التقنية والتنافسية التي وفرتها مواقع التواصل الاجتماعي.. إلا أن هناك سلبيات كثيرة طبعت الحملات الرقمية للتشريعيات، خاصة من ناحية الخطاب الهزيل والفقير للمرشحين مقابل الاستعراض الكثيف للصور والسير الذاتية المضخمة التي يعتقد أصحابها أنها كفيلة بجلب ثقة الناخبين وأصواتهم”، مشيرا إلى أن هذه الحملات "افتقدت إلى التخطيط والتنظيم، وجاءت عشوائية لا تحمل أي نكهة أو مضمون جذاب”.
من جانبه، يرى الاعلامي رفيق موهوب أن الحملة الدعائية شهدت هروبا من الواقع إلى المواقع من طرف المرشحين والأحزاب، لعدد من الاعتبارات "السبب الرئيس هو الالتزام بالبروتوكول الصحي ..رغم أن الكثيرين لم يحترمه”. والسبب الثاني "تشير إليه الإحصائيات، فنصف الجزائريين موصولون بالإنترنت في هواتفهم وبذلك فهم يمثلون جمهورا جديرا بالتواصل معه ومحاولة كسبه”.
وسجل الإعلامي رفيق موهوب في حديثه مع "القدس العربي” وجود عزوف "كبير من قبل المواطنين أنفسهم عن الحملة بحيث نظمت تجمعات في قاعات فارغة لكبريات الأحزاب على غرار حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وهو ما دفع المترشحين الى استعمال شبكات التواصل الاجتماعي في محاولة منهم لربح معركة الإقناع ولكن فشلوا في ذلك”.
وفي حديثه عن أسباب فشل المترشحين في استعمال شبكات التواصل الاجتماعي، عدد بعض الأسباب التي تقف وراء هذا الفشل على غرار "التركيز على الصورة فقط، ظنا منهم ان الشكل قد يساعد في رفض نسب الأصوات يوم الاقتراع، الاكتفاء بالتعليق على الأحداث اليومية واستغلال المناسبات كالعدوان على غزة "، إلى جانب "عدم استغلال وسائل التواصل بشكل فعال، بحيث كان يمكن إجراء بث مباشر لأنشطة المرشحين أو عرض برامجهم الانتخابية فقليل منهم من عمل بث مباشر”.
كما أثار الإعلامي رفيق موهوب عاملا آخر وهو "وجود جهة مضادة في الفيسبوك مثلا تتصيد أخطاء المرشحين، وتظهر الجانب السلبي كالرقصات او التركيز على الحسناوات والتصريحات الغريبة لبعض المرشحين”، وهو ما أثر كثيرا على مصداقية هؤلاء، كما أن استعمال مواقع التواصل أدى إلى نتائج عكسية أخرى على المرشحين أنفسهم نتيجة "نشر معلومات خاطئة عن سيرهم الذاتية، وشهاداتهم بحيث تم فضحهم من قبل معارفهم”.
القدس العربي