دوريات إلكترونية في زمن الإصلاح السياسي
الشريط الإخباري :
نشرت جريدة "الغد” خبراً تحت عنوان "دوريات إلكترونية على المواقع والتواصل الاجتماعي”، وفي التفاصيل أن النيابة العامة بدأت برفع مستوى وآلية التنسيق بينها وبين وحدة الجرائم الإلكترونية في مديرية الأمن العام لتعزيز مكافحة الجرائم الإلكترونية بصورها كافة.
ويتابع الخبر القول "إن الأمانة العامة للمجلس القضائي، والنيابة العامة ممثلة برئيسها القاضي يوسف ذيابات والنائب العام في عمان ومدعي عام عمّان عقدت مع وحدة الجرائم الإلكترونية بمديرية الأمن العام اجتماعاً تضمن البحث في رفع آلية التنسيق بينهما وتعزيز سُبل التعاون لغايات مكافحة الجرائم الالكترونية بجميع صورها”.
وينقل الخبر تأكيد الذيابات، وجود التعاون الدائم والمستمر بين النيابة العامة ووحدة الجرائم الإلكترونية كونها الجهة الفنية التي تعمل على تزويد النيابة العامة بالأدلة الرقمية التي من خلالها تتم ملاحقة الجناة وتقديمهم للعدالة.
ويضيف الخبر "أن مدير وحدة الجرائم الإلكترونية بين أن الوحدة تقوم بدوريات إلكترونية بشكل دائم على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، وفي حال تم الاشتباه بوجود منشور من شأنه أن يشكل جريمة معينة تتم عملية المتابعة الفنية وتنظيم الضبوط اللازمة وتقديم أخبار للنيابة العامة لغايات الملاحقة”.
ويبشر الخبر أنه تم في الاجتماع وضع أولويات لملاحقة المنشورات الإلكترونية التي تشكل جرائم الكترونية، مثل إثارة النعرات الدينية، وخطابات الكراهية، والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، والمس بالآداب والأخلاق العامة للمجتمع، وذم الهيئات الرسمية، والجرائم التي تأخذ طابع الرأي العام، والجرائم التي تمس بالاقتصاد الوطني والاستثمار.
بصراحة لفت انتباهي هذا الخبر، خاصة بعد أن طلبت مني قنوات عربية ودولية التعليق عليه، وهو لا يخرج عن سياق أصوات تتعالى مطالبة بضبط ومراقبة محتوى الفضاء الالكتروني، من أجل ملاحقة من يوصفون بمرتكبي الجرائم تحت ذرائع مختلفة من بينها نشر الأخبار الكاذبة والزائفة، وتضليل الرأي العام.
قبل كل شيء، من الضروري التنويه إلى أنني ضد الأخبار الكاذبة والزائفة، وضد أي خطاب كراهية، أو أي محتوى ضار على الانترنت، ولكني مقتنع أن معالجة ذلك حتما لن تكون بدوريات إلكترونية، وآليات المعالجة شرح يطول.
نعود للخبر، فالدوريات الإلكترونية تبدو قضية مثيرة، وستحظى باهتمام العالم ومتابعته ليتعلموا منا كيف سنقوم "بتهذيب” المحتوى الالكتروني دون أن نكمم الأفواه، ودون أن نضيق مساحة حرية التعبير؟!
في الأردن ما يزيد على 100 موقع إخباري إلكتروني مرخص، وآلاف المواقع الإخبارية في الخارج يستطيع مشاهدتها ومتابعتها الناس، وقبل ذلك من يملكون حسابات على فيسبوك، توتير، انستجرام، تيك توك، واتس اب بالملايين، فكيف ستتابع دورياتنا الالكترونية -حماها الله- كل هذا الضخ المعلوماتي الذي عجزت عنه كل دول العالم؟
بالتأكيد كل ما سيحدث -كما هو الحال الآن- ملاحقة انتقائية، فبعض الأخبار والمعلومات والصور التي تتداول ينشرها الآلاف على حساباتهم، وقد تفسر على أنها خطاب كراهية، أو تتضمن توصيفا جرميا، ومن يلاحق، ويسائل، ويحاسب عددا محدودا من الأشخاص لا يتجاوز أصابع اليدين.
ما يقلقني في الترويج للدوريات الإلكترونية أنها تأتي في زمن الحديث عن الإصلاح السياسي، وتشكيل لجنة ملكية لتحديث المنظومة السياسية، فكيف تستقيم المعادلة؟؛ كيف نريد أن نعمل تعديلات دستورية تصون حرية التعبير باعتبارها عماد كل الحقوق، ونريد تعزيز مشاركة الشباب والنساء، وبالوقت ذاته نسير دوريات إلكترونية تلاحق الناس على ما يقولونه؟
ما هذه المفارقات العجائبية، فأول الشروط لتحقيق تنمية سياسية إشاعة بيئة حاضنة وداعمة لحرية التعبير، وعدم إخافة الناس بملاحقتهم على ما يكتبونه؟
كان الأجدى والأكثر نجاعة ودعما للتوجهات الملكية أن يجري الحديث عن أهمية مراجعة التشريعات لمواءمتها مع الحقوق الدستورية، ومع المعاهدات والاتفاقيات التي صادق عليها الأردن.
والأكثر تناغماً مع التوجهات الملكية بالإصلاح المباشرة بورشة عمل لتنقيح القوانين من بعض المواد الفضفاضة وغير المنضبطة التي تجرم حرية التعبير.
كنت أتمنى أيضا لو كانت الدوريات الإلكترونية لرصد وتوثيق المعلومات عن الانتهاكات الواقعة على الحريات وحقوق الإنسان باعتبارها جرائم كذلك، ولا يجوز أن يفلت مرتكبوها من العقاب.
بصراحة لا أعرف سر هذا التوقيت بالحديث عن الدوريات الالكترونية، في وقت تشرع اللجنة الملكية بعملها، ولا أعرف من يقف وراء هذه التوجهات التي ستضاف لسجل الانتقادات في التقارير الحقوقية الدولية للأردن، ولكني أعرف حقيقة ناصعة لا غبار عليها، ما لم نحمِ حرية التعبير ونذود عنها، فإن كل كلام الإصلاح ليس أكثر من "بروبجندا” ورصاص "فشنك”.