سياسة “إحنا ما إلناش دخل”!
الشريط الإخباري :
مكرم أحمد الطراونة
منذ تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، كانت هناك ما يمكن تسميتها "خروقات” من أعضاء اللجنة لمفهوم العمل الجماعي والتشارك في المسؤولية، إذ غالبا ما كان بعضهم يلجأ إلى الإعلام لتسجيل تحفظاته على بعض الطروحات أو الاقتراحات التي يتم مناقشتها داخل اللجان، كما لو أنه يقطع الطريق على أي شخص يريد تحميله مسؤولية أي مخرجات للجنة ككل.
عند تشكيل اللجنة، لم يقل أحد إنها سوف تسجل إجماعا على كل المخرجات، هدفها الأساسي الوصول إلى تفاهمات، وتقريب وجهات النظر، وإمساك العصا من المنتصف بين الأعضاء، فمن ينظر إلى التنوع الكبير الذي تشتمل عليه اللجنة، سيدرك أنها تغطي مختلف التوجهات السياسية في المجتمع، وبالتالي، لا يمكن أن يكون هناك إجماع على مخرجاتها.
هل هذا الأمر يقلل من عمل اللجنة وجهودها؟ بالتأكيد لا، فالهدف أن نبدأ بتوصيات ترفع أفق العمل العام، خصوصا أنها سوف تأتي بعد نقاشات مستفيضة داخل اللجنة وخارجها، تشارك فيها شخصيات متعددة الاتجاهات والأفكار، وهو أمر صحي من أجل قطع الطريق على أن تفرض الأحزاب أو الكتل صاحبة الوزن الأكبر توجهاتها السياسية بما يتماشى مع مصالحها.
فكرة العمل الجماعي بالشكل الذي جاءت عليه اللجنة، تعني أن على الأعضاء الوصول إلى تفاهمات انطلاقا من وجوب إدراكهم بأنهم لن يحققوا مكاسب كاملة، وأنه لن يتم تفصيل قوانين على مقاس كل تيار أو حزب أو جماعة من أجل الاسترضاءات، ويعني أيضا سلوكا ديمقراطيا بأن نكون على قدر المسؤولية، وأن نحترم رأي الأغلبية داخل اللجنة، لا أن نلجأ إلى الإعلام لنتبرأ من كثير من التوصيات التي يقترب الوقت لإعلانها. قبول عضوية اللجنة يعني أن الجميع شركاء في صياغة توصياتها، وشركاء أيضا، في المغانم والمغارم، لا أن نتبنى ما يتفق مع رأينا ونرفض ما يخالفه، في تصرف أقل ما يقال فيه إنه انتهازي، ونزوع نحو شعبوية قصيرة الأفق والإدراك، وتغلب المصالح الفئوية على المصلحة العامة.
لا شك أن أعضاء اللجنة، وقبل قبولهم المشاركة في هذا الجهد الوطني الكبير، كانوا على دراية كاملة بأن الهدف المطلوب هو الوصول إلى منظومة سياسية متطورة، وأن يتم تنحية جميع المنطلقات الخاصة، والنظر إلى المصلحة العامة، ما يعني الوصول إلى وفاق وطني حول جملة الموضوعات المطروحة، وأن يتسامى الجميع، ولا تخرج مطامع بعضهم إلى العلن، والتي كان القصد منها التبرؤ من المخرجات قبل صدورها، والإيهام بأنها قاصرة عن إدراك رؤيتهم المتضخمة كما ذواتهم. كان الأولى بهم ألا يشاركوا في أعمال هذه اللجنة بالأصل إن كانوا يطمحون إلى بسط سيطرتهم ونفوذهم ورؤاهم وأجنداتهم على توصياتها، وعندها لن يكون اسم "لجنة وطنية” منطبقا في حقيقته على هذه اللجنة، بل يمكن التعبير عنها بـ”لجنة داخلية” تابعة لحزب أو تنظيم أو تيار.
إن التسابق نحو الإعلام ممن لم يحققوا مرادهم، ونقل مقترحاتهم، أو إعلانهم الرفض لبعض المخرجات قبل إعلانها، لا يمكن أن يصب في خانة التوافق المجتمعي الذي نطمح إليه، بل سيزيد الأمور سوءا، وسوف يؤدي إلى مزيد من الاستقطاب، وبالتالي المزيد من الفرقة، وربما سوف نحكم على عمل اللجنة بالفشل، حتى قبل أن تنهي أعمالها.
ينبغي أن تنتهي "المضاربات” التي يقودها بعضهم وتحديدا من قبل بعض الحزبيين ممن يزاودون على كل شخص، وعلى كل شيء، وينطلقون من أرضية لا تضع أي اعتبارات للمصلحة العامة، بل كل ما يهمهم هو مصالحهم الشخصية والفئوية والحزبية. الهدف من إنشاء اللجنة هو الوصول إلى الإصلاح السياسي، وليس إرضاء تيارات وأحزاب تقوم بالاستعراض منذ عقود، بينما هي لم تستطع حتى اليوم التأسيس لسلوك ديمقراطي حقيقي داخل هياكلها التنظيمية. على هذه الأحزاب أن تدرك أنه مهما كان شكل مخرجات اللجنة فهي حتما ذات فائدة أكبر لهم على الصعيدين السياسي والبرلماني، وهي فائدة ما كانوا ليحصلوا عليها لولا وجود قرار يجلعها أكثر قوة وفاعلية.