تكرار تطوير المناهج أضعف نظامنا التعليمي
الدكتور: رشيد عبّاس
سأبدأ مقالتي هذه المرة من منطلق عملية ربط بسيطة مفادها انه إذا ما ربطنا عدد مرات تكرار تطوير المناهج في نظامنا التعليمي خلال الـ (20) سنة الأخيرة سنجد دون أدنى شك أن الحصيلة لا يمكن قبولها على الإطلاق ضمن المعايير الدولية في عمليات تطوير المناهج والتي ينبغي أن تكون, حيث أن المعايير الدولية في عمليات تطوير المناهج تقضي بتغيير المناهج مرة كل (10) سنوات, وقد أنخفض ذلك مؤخرا إلى معيار جديد هو كل (7) سنوات مرة واحدة فقط, قد تقبل بها عمليات تطوير أو تغيير أو تحسين للمناهج في أي نظام تعليمي حيث الحاجة.
الملفت للنظر أن تكرار عدد مرات عمليات تطوير المناهج العبثية في نظامنا التعليمي كان بين المد والجزر وما زال! وقد شكّل بذلك تجاوزات للمعايير الدولية والتي أدت بدورها إلى آثار سلبية عديدة يصعب تجاوزها أو حتى السكوت عنها اليوم.. فإلى متى ستستمر مثل هذه العبثية يا دولة الرئيس؟ وهنا لا أقصد دولة رئيس بعينه, وإنما على عمومية وتراكمية المشهد التعليمي المتراجع على مدار ربع قرن من الزمن.
اليوم وللأسف الشديد باتت المناهج بين مطرقة المجتمع الأردني الصلبة وسندان نظام التعليم لدينا المتراجع, وهذا الوضع كان وما زال نتيجة حتمية لوجود مديرية خاصة بالمناهج تتبع لوزارة التربية والتعليم تضم كثير من المعنيين غير المختصين في تطوير المناهج على الإطلاق ولديهم تفويض بتطوير المناهج إلى حد الاحتكار, إضافة إلى أنهم ليس لديهم ادراك بحيثيات أيدولوجيات المجتمع الأردني.. أو ربما نتيجة لوجود مركز وطني هزيل البنية لتطوير المناهج مؤخراً, والمتتبع لهذا المشهد يجد ببساطة أن مطرقة المجتمع الأردني منذُ ربع قرن ضربت بقوة على سندان نظام التعليم في هذا المجال دون جدوى, الأمر الذي أدى وما زال يؤدي إلى تراجع واضح المعالم يوماً بعد يوم في نظامنا التعليمي, كيف لا والمناهج هي البوابة الحقيقية لنجاح النظام التعليمي في أية دولة من دول العالم, ويمكن هنا طرح السؤال الآتي: هل يمكن لنا إخراج المناهج من بين مطرقة المجتمع الأردني وسندان نظام التعليم المتراجع؟
منذُ ربع قرن تقريباً ومناهجناً تتخبط يوماً بعد يوم تحت شعار أضعف نظامنا التعليمي يدعى تطوير المناهج والذي كان مثيراً للجدل بكثرة تكراره غير المبررة في كل مرة من المرات وترتب عليه العديد من التساؤلات العديدة والتي لم يُجب احد عليها حتى اللحظة, والمتتبع لحركة تكرار تطوير المناهج والتي استمرت خلال السنوات الاخيرة وما زالت تستمر إلى يومنا هذا حيث ترتب على ذلك كلف مالية باهظة جداً دون فائدة, واوصلتنا أيضا إلى مرحلة يمكن أن توصف بكل أمانة بتشتت المحتوى المعرفي لدى الطلبة وما يرتبط به من أهداف ونتاجات تعليمية, واساليب واستراتيجيات تدريسية, وطرق تقويم وتقييم تابعة له, متناسين هؤلاء المعنيين بالمناهج أو القائمين على المركز الوطني لتطوير المناهج ما يسمى بأسس بناء المناهج الدولية والتي تربط بكل من فلسفة الدولة, وأيدولوجية المجتمع, وقدرات ميول واستعدادات الطلبة, وثورة المعرفة المتجددة.
اعرفُ كغيري من التربويين المهتمين كيف ومتى يتم تغيير أو تطوير أو تحسين المناهج, فالعملية ليست موضة تُتبع أو تقليد أعمى لنظام تعليمي معين, وهي ليست أيضاً تلميع لنظامنا التعليمي بقدر ما هي حاجة ماسة مزمّنة من أجل مواكبة الانفجار المعرفي ومواكبة حقول المعرفة المتجددة شريطة المحافظة على أسس بناء المناهج المعروفة دولياً وتكييفها مع البيئة الأردنية كالأساس الفلسفي والمتعلق بفلسفة الدولة الأردنية, والأساس المعرفي والمتعلق بحقول المعرفة العالمية, والأساس الاجتماعي والمتعلق بالمجتمع الأردني, والاساس النفسي والمتعلق بالطلبة الأردنيين.
هذا التكرار في عمليات تطوير المناهج أدى إلى جملة من التراجعات في نظامنا التعليمي, ومن ابرزها على سبيل المثال لا للحصر عدم وجود بنك أسئلة وما أدراكم ما بنك الأسئلة, حيثُ أن عدم وجود بنك أسئلة لدى نظامنا التعليمي حتى اللحظة نتيجة حتمية لكثرة عدد مرات تطوير المناهج غير المبررة امر في غاية الخطورة والاهمية, مع أننا كنا بحاجة ماسة لذلك وبالذات عندما طبّقنا التعلم عن بعد نتيجة لاجتياحنا واجتياح العالم جائحة كورونا, فقد وقعنا في مأزق شديد الصوبة والتعقيد في إعطاء تقييمات صادق وحقيقية للطلبة في نظامنا التعليمي وعلى مدار عامين متتاليين, سواء كان ذلك على صعيد المدرسة, أو حتى على صعيد الجامعة.
نظامنا التعليم للأسف الشديد بات مهدد جرّاء تكرار عمليات تطوير المناهج العبثية فيه, الأمر الذي أوقعنا بتحديات صعبة لها بداية وليس لها نهاية في الأساس الفلسفي للدولة الأردنية, والأساس المعرفي لحقول المعرفة العالمية, والأساس الاجتماعي للمجتمع الأردني, إضافة إلى الأساس النفسي للطلبة الأردنيين, كيف لا والشواهد السلبية على آثار تكرار عمليات تطوير المناهج العبثية, ولعل آخرها دار نشر كولنز البريطانية وأخواتها السابقات في لعبة المناهج.., لقد تجاوزنا اليوم جميع أسس بناء المناهج, ولا بد من تصحيح المسار عن طريق نظام تعليمي تحكمه ثوابت أردنية, مع الاستفادة المقنّنة من تجارب الآخرين إذا ما لزم الامر لذلك.
وبعد..
التخبّطات غير المحدودة في نظامنا التعليمي اليوم هو نتيجة حتمية لتكرار عمليات تطوير المناهج غير المبررة, حيثُ ارتباط المناهج بجميع أركان أي نظام تعليمي في اية دولة.