ندوة نقدية تقرأ كتاب حارس الحكايات النقاد الأردنيون تكّرم فيصل درّاج
الشريط الإخباري :
عقدت جمعية النقاد الأردنيين يوم الثلاثاء الموفق 11/1/2022 في مكتبة الأرشيف ندوة نقديّة تكريمية للناقد والمفكّر الدكتور فيصل دراج تقديرا لجهوده النقديّة ومعطياته المعرفية التي أفاضتها كتبه. وقد قدّم الدكتور يوسف ربابعة قراءة نقدية للكتاب التكريمي وعنوانه "حارس الحكايات : شهادات، دراسات، مراجعات تكريماً للدكتور فيصل دراج" الذي أشرف عليه الدكتور عيسى برهومة والأستاذ عامر أبو محارب، وأصدرته الأهلية للنشر والتوزيع في 543 صفحة، فيما أدارت اللقاء الدكتورة أماني سليمان.
وقد عبّر الدكتور درّاج عن عميق امتنانه لجهود الباحثين، ولاحتفاء جمعية النقاد بالكتاب وموضوعه وهذا يصبّ في العمل الجماعي الجاد وتعبيراً عن أخلاقية الثقافة ووفاء لقيم ثقافية مارسها مبدعون أردنيون راحلون. وقد استذكر درّاج في كلمته كلاً من غالب هلسة، ومؤنس الرزاز، وإلياس فركوح، وليلى الأطرش.
وعن رأيه فيما قدمه الباحثان من جهد في إخراج كتاب "حارس الحكايات" يقول درّاج :"حين بدأ د.عيسى برهومة والأستاذ عامر أبومحارب في إعداد الكتاب لم أكن أعرفهما ولا التقيت بهما، وليس بيننا صلة أو مصلحة، وحين التقيت بهما لأول مرة بعد صدور الكتاب سألتهما: لماذا هذا الجهد المرهق من أجل إنسان لا صلة لكما به، أجابا : الوفاء... تعلمت من إجابة برهومة وأبو محارب أكثر بكثير مما تعلمته من كثير من الكتب والروايات".
أما الدكتور يوسف ربابعة فقد قدّم قراءة تقييمية لمحتوى الكتاب قال في مستهل حديثه : "هذا الكتاب الذي شارك فيه نخبة بشهاداتهم ودراساتهم وأبحاثهم لا يمكن لي أن أحيط إلا بمقدار يسير من قبسه، فقد قسم هذا الكتاب إلى أربعة أقسام: قسم لكتابات المكرَّم الدكتور فيصل دراج، وقسم لشهادات بحقه، وقسم لدراسات نقدية على نقده، وقسم لدراسات مهداة له".
وفي تقييم ربابعة لقسم الشهادات النقدية بحق دراج ألمح إلى أن المشترك بينها يتمثا في أنّ دراج يستولد من النص معاييره الجمالية بدون الخضوع للسائد من النظريات والمعايير المنمطة. كما يعبر عن الاغتراب بوصفه هجرة إلى الداخل، ومقاومة الترحال بالعودة إلى الذات. وأنّ مفهوم الحرية عنده هو انبثاق الذات في فضاء واسع، والتحرّر من سطوة المفاهيم والمقولات الجامدة. وأنّ تعامل دراج مع المؤسسة النقدية العربية كان بمبدأ النقد من الداخل لتحفيز آلياتها المعطلة ومع ذلك ربما لم ينجح هو وغيره لأسباب كثيرة في عالمنا العربي.
وأضاف ربابعة بأن درّاج مثقف المراجعات أي مثقف ضد الإيمان المثقفاتي الديني، لأنه يكتب ما يؤمن به ولو إلى حين. وأنّه انشغل بما يكتبه الآخرون من المبدعين، ويخوض معركة كبرى من أجل الغرباء والمهمشين، ويضع المبدعين الذين كُتب عليهم الافتتان بالهامش في قلب المتن الثقافي للأمة. كما قاتل دراج باليأس وتسلح به لمواجهة الخراب في الإبداع والكتابة، ممتلكاً روحا نقدية شكاكة غير مستقرة وباحثة عن مصادر معرفية متجددة لقراءة النصوص والواقع. وأنه باحث يدور في دائرة لا في خط مستقيم، فلا يستقر على منهجية واحدة، بل يبحث عن مقترحات جديدة للقراءة العالمة، وتفحص حقول الإبداع المتعددة في العالم العربي. إضافة إلى أنه لم يستعمل أدوات الأمس في قراءة الحاضر.
وفي تقييمه للجزء الثالث من الكتاب قال ربابعة أن هذا الجزء يحوي قراءات وأبحاثا جادة ومعمقة، وهي قراءات في فكر فيصل دراج ونقده ورؤاه. ورغم أن فيصل دراج اهتم بكل النظريات الخاصة بالرواية إلا أنه كان في نقده خارجا من عباءتها نحو فضاء الرواية ذاتها ذلك أن النظريات تتحدث عن الأدب أما الرواية فهي فعل إنساني للناس :" نحن نريد أن يفهمنا الناس لهذا نتحدث إلى الناس بلغة الناس. نحن أحياء نحب الحياة ولا نحب الموت".
وفي حديثه عن فصل "في التاريخ ورواية التخييل التاريخي"، توقف ربابعة عن دراستين الأولى لعبدالقادر فيدوح والثاني لنضال الشمالي. أشار الأول إلى مسألة تماثل التاريخانية الجديدة والنقد الثقافي عند فيصل دراج، وذلك بالسؤال عن العلاقة بين السرد التاريخي والسرد التخييلي، وهي قضية واسعة في فكر دراج، فالتاريخ عند الروائي مادة سردية مرنة بدون أن يكون له سطوة أو يفرض سيرورة الأحداث كما لو كانت في الواقع، ومع ذلك فإن فيصل دراج لا ينفي أن يكون هناك اشتباه بين التاريخ والرواية.
وفي ذات الإطار يضيف ربابعة أن نضال الشمالي الذي قدم مشاركته في الكتاب، يفترض أن دراسة "الرواية وتأويل التاريخ" لفيصل دراج هي نموذج الوظيفة التاريخية للرواية العربية منطلقا من مقولة دراج نفسه الذي يرى أن النقد الأدبي الذي يقرأ النصوص من داخلها فقط هو فقير ومضلل، فهو لا يربط النصوص بعالمها الخارجي أي بالمجتمع وقضاياه والتاريخ، لذلك فهو يرى أن الوظيفة الأساسية للرواية هي تأويل التاريخ، وإخراج اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية، لكن تبقى إشكالية التفريق بين الروائي والمؤرخ، وقد يتبوأ الروائي دور المؤرخ لأسباب تاريخية واجتماعية وثقافية ويتقمص دوره ليكسب الرواية وظيفة تصحيحية تجاه التاريخ والمسؤولية الأخلاقية المتوخاه وأن يقول ما سكت عنه التاريخ وأن يسائل ما جرى في الوقت الذي يكون فيه المؤرخ محكوما لأكثر من سلطة ورقابة. ويتوسع فيصل دراج ليستنبط مجموعة من الوظائف التي يتقلدها التاريخ في الرواية، وهي: الوظيفة التأويلية، والتوثيقية، والحوارية، والاحتجاجية، والتوعوية، والتحررية، وطرح الأسئلة، وإعادة كتابة التاريخ، والبحث عن زمن جديد، وتوليد الفضاءات الجديدة.
أما مقدمة الندوة الدكتورة أماني سليمان فقد أشادت بمستهل حديثها بدور جمعية النقاد في تنوير الثقافة والارتقاء بها محليا وعربياً عبر التركيز على الفعل النقدي ورواده. وقد توقفت عند منجز فيصل دراج النقدي والفلسفي، معبّرة عن إعجابها بجهد الزميلين عيسى برهومة وعامر أبومحارب في حشد هذا العدد من أقلام النقاد الأردنيين والعرب في تكريم فيصل دراج.
بدوره عبر الدكتور عيسى برهومة المشرف على الكتاب وراعي فكرته عن دور الناقد في الوفاء للنقد ورواده ، وفي حشد الجهد لإبراز ما ينفع الناس. كما شارك في الحوار الأستاذ فخري صالح والدكتور بسام قطوس والدكتور محمد عبيد الله. وتأتي هذه الندوة ضمن سلسلة النشاطات الدورية التي تعقدها جمعية النقاد الأردنيين في الإسهام في إلقاء الضور على مستجدات النقد وجهود روّاده. وفي ختام اللقاء قام د. زهير توفيق بتكريم المفكر فيصل دراج بدرع الجمعية.