*الحسين وعبدالله: تاريخان أردنيان وعنوان واحد*
الشريط الإخباري :
خيرالله خيرالله (النهار اللبنانية)
مرّت قبل أيام الذكرى الـ23 لوفاة الملك حسين، وقبل ذلك بأيّام كان عيد الميلاد الـ60 للملك عبد الله الثاني الذي خلف والده مباشرة بعد وفاته في السابع من شباط (فبراير) 1999. تاريخان، أحدهما حزين وآخر يبعث الأمل، يربط بينهما الكثير تحت عنوان واحد اسمه الاستمرارية الأردنيّة، استمرارية المملكة الهاشميّة.
ليس سهلاً في منطقة متقلبة صمود المملكة الأردنيّة الهاشمية طوال تلك السنوات، والمحافظة على دور إقليمي في تماس مع كلّ الأزمات، من فلسطين، الى العراق، إلى سوريا، إلى الخليج.
كيف يمكن تفسير هذا الصمود لبلد لا يمتلك ثروات من أيّ نوع ويعاني مشكلات كثيرة، من بينها نقص المياه واستقبال لاجئين من كلّ حدب وصوب؟ يكمن الجواب بكلّ بساطة في المؤسسات التي بناها الملك حسين. هذه المؤسسات التي طورّها عبد الله الثاني بعدما حافظ عليها، ساعدت في تأمين الانتقال السلس للعرش في 1999 بعد أسابيع قليلة من تغيير ولاية العرش وانتقالها من الأمير الحسن بن طلال، أطال الله في عمره، الى الأمير عبد الله، الابن البكر للملك حسين.
عاش الأردن وسط كلّ أزمات المنطقة وأهوالها. صمد في وجه الكوارث التي تسبب بها جمال عبد الناصر الذي وضع الحجر الأساس للنظام الأمني الذي سيطر على سوريا ودمّر اقتصادها زمن الوحدة (1958 – 1961). أسقط ناصر النظام الملكي في العراق صيف 1958 بعدما اعتبر أن مصر انتصرت على العدوان الثلاثي الذي تلى تأميم قناة السويس عام 1956. صدّق العرب عموماً كذبة الانتصار على العدوان الثلاثي الذي لم يكن سوى أمر أميركي، موجّه الى بريطانيا وفرنسا وإسرائيل. صدر الأمر عن إدارة دوايت أيزنهاور بالانسحاب من سيناء والقناة. لم يكن أمام الأطراف الثلاثة من خيار غير الانسحاب.
كان مفترضاً أن يؤدي سقوط النظام الملكي في العراق الى سقوط النظام في الأردن وزوال الملكيّة. بقي الملك حسين صامداً ورفض في كلّ وقت الاستعانة بالعنف في التعاطي مع خصومه، حتّى حين لجأ هؤلاء الى التفجيرات والقتل كما حصل لدى تفجير مقر رئاسة الحكومة الأردنية في 29 آب (أغسطس) 1960. فُجّر، وقتذاك، مقر رئيس الحكومة هزاع المجالي. أودى الانفجار بالمجالي. نُفّذت الجريمة بتوجيهات من عبد الحميد السرّاج، الرجل القوي في سوريا، الذي أصبح في وقت ما نائباً لرئيس الجمهورية العربيّة المتحدة السعيدة الذكر.
هذا غيض من فيض ما تعرّض له الأردن الذي استطاع تجاوز المرحلة الناصرية التي أخذته الى حرب 1967 وخسارة المملكة الهاشميّة القدس والضفّة الغربيّة. لم تحل خسارة الضفة والقدس دون تجدد الحملات على الأردن، وصولاً الى حوادث 1970 التي استقوت فيها المنظمات الفلسطينيّة المسلّحة على الجيش العربي (الجيش الأردني).
استطاع الملك حسين عام 1970 إنقاذ الفلسطينيين من أنفسهم أوّلاً ومن سطوة السلاح والمنظمات المختلفة، ومن وهم تحرير فلسطين انطلاقاً من الأردن... ومن مخطّط "الوطن البديل" في المملكة الهاشميّة الذي نادى به متطرفون إسرائيليون.
في كلّ ما قام به الملك حسين، كان التركيز على الأردن ومستقبل الأردن، وصولاً الى اليوم الذي غادر فيه دنيانا تاركاً المملكة في أيدٍ هاشميّة أمينة تسير في الخط ذاته. خطّ الدفاع عن الأردن ودور الأردن. لعلّ أهم ما شهده الأردن في السنوات الممتدة من 1952 إلى 2022 يتمثّل في القدرة على بناء مؤسسات لدولة حديثة وراسخة في منطقة تبدو مقبلة على تطورات كبيرة. تكفي المقارنة بين وضع الأردن وما آلت اليه سوريا للتأكّد من ذلك.
أكان ذلك في عهد الحسين أو عبد الله الثاني، لم يتاجر الأردن بالقضيّة الفلسطينية. جاء توقيع اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي عام 1994 بعد توصّل الفلسطينيين الى اتفاق أوسلو وليس قبل ذلك. في الأردن ملك يقود ولا يترك الشارع يقوده بهوسه وجهله. أقلّ ما يمكن قوله إن الملك حسين كان متقدّماً عشرين أو ثلاثين عاماً عن الشارع الأردني. لو لم يكن كذلك، لما أقدم على خطوة توقيع سلام مع إسرائيل، في الوقت المناسب، بما يحفظ حقوق المملكة الهاشميّة في الأرض والمياه.
لم يسعَ الأردن يوماً الى قمع المواطنين الأردنيين بغض النظر عن أصولهم، أكانوا شرق أردنيين أو من أصل فلسطيني. تعاطى في كلّ وقت مع سوريا من زاوية واقعيّة. أخذ في الاعتبار حساسيّة الوضع في الجنوب السوري، ورغبة إيران في التدخّل في شؤون الأردن من منطلق إيجاد قواعد لها في منطقة الحدود السوريّة – الأردنيّة. أكثر من ذلك، هناك رغبة لدى عصابات مرتبطة بالنظام السوري بتهريب المخدرات عبر الأردن. مشكلة النظام السوري والإيرانيين في العجز عن فهم طبيعة الأردن وطبيعة المملكة الأردنيّة الهاشميّة. يقع النظام السوري والإيرانيون في خطأ شائع قائم على مجرّد افتراضات لا وجود لها. من بين هذه الافتراضات أنّ التركيبة الأردنيّة هشّة.
لو كانت التركيبة الأردنيّة هشّة فعلاً، لما استطاع عبد الله الثاني الوقوف في وجه بنيامين نتنياهو وعدائه للأردن طوال 12 عاماً. كان الصمود في وجه "بيبي" الذي لم يكُنّ يوماً ودّاً للملكة الهاشميّة دليلاً الى صلابة الأردن من جهة، والى أن بناء مؤسسات حقيقيّة تظلّ الضمانة لأيّ دولة ترفض، من جهة أخرى، السقوط حيث سقط العراق وسوريا ولبنان... واليمن.