حضور لموكب الغياب .. فلسطين هي البداية والنهاية
الشريط الإخباري :
بفضل مسرحيات شكسبير بالغة الابداع و الروعة الادبية احتفظت الذاكرة الانسانية بصرخة القيصر المغدور ، وهو يصرخ تحت وطاة خيانة صديقه الاقرب .. حتى انت يا بروتوس .
و في الادبيات الغربية استقرت مرثية «مارك انطونيو « ، وهو يتعهد بالثار لدم القيصر المغدور ، ومثال للذم والقدح والشتم والهجاء وخلط اوراق السياسة ، وارباكها .
كتابة الدراما التاريخية مهمة شاقة وصعبة ، ومسؤولية سياسية واخلاقية .. وليست طبخا دراميا انشائيا ودعائيا .
قبل ايام شاركت في مؤتمر صحفي لاعلان عن مسلسل «حضور لموكب الغياب» .. من تاليف سيف الدين عبد العزيز واخراج رضوان عمار» مخرج سوري « ، وانتاج شركتا طلة الاردن وامالكو للانتاج الفني وبطولة فنانين اردنيين وفلسطينيين وسوريين : منذر رياحنة وجهاد عبدو، وديما بياع ، وشفيقة الطل ، ومصطفى ابو هنود ، واياد شطناوي .
الدراما التاريخي تستمد قيمتها من مدى صدقها الفني والتزامها بالحقائق الاساسية ولا تزيف التاريخ ولا تدعي عليه ، وتضيف شخصيات للدراما وتثري العمل وتكشف البيئة الاجتماعية المحيطة التي تجري بها الحوداث .
في مسلسل حضور لموكب الغياب قدمت رؤية متماسكة تاريخيا وفنيا ودراميا لحقب هامة وفاصلة من الصراع الفلسطيني / الاسرائيلي .. وكيف تشكلت المقاومة الفلسطينية ؟ واللجوء والتشرد والهجرة القسرية للفلسطينيين ، ونصر معركة الكرامة ، وكيف انجز الجيش الاردني النصر العربي الاول على الجيش الاسرائيلي ، وعرى و خرق اسطورة الجيش الذي لا يهزم .
في «حضور لموكب الغياب» اعاد المو?لف «عبدالعزيز» كتابة التاريخ على صفيح درامي جريء وملتهب ، وفي ظرفية راهنة تتدافع بها تطورات نضالية للقضية الفلسطينية ، وولادة مقاومة بالوان جديدة شعبية وسلمية للاحتلال الاسرائيلي .
اول عمل درامي فلسطيني يوثق انسانيا للقضية الفلسطينية ، واول عمل درامي فلسطيني لا يسقط في هفوات وخداع ومرايا السياسة والايدولوجيا ،
و حروب الفصائل الفلسطينية .
كاتب المسلسل «حضور لموكب الغياب « يسرد قصة عائلته التي هاجرت قسرا من فلسطين الى الضفة الشرقية « الاردن « ، واستقرت في المفرق ، ويسرد جوانب انسانية واجتماعية من علاقات عائلته مع عوائل من المفرق مسيحية ومسلمة ، ومازال بعض افرادها على قيد الحياة ، ويجلسون الان
بعد الافطار يتابعون المسلسل على شاشة التلفزيون ، وسكنوا وتعايشوا معا ، وتصاهروا ، و تلاحموا وجدانيا ووطنيا ، وانسانيا .
في المسلسل فنانون ابدعوا باتقان الادوار الدرامية ، منذر رياحنة لعب دور وليد ، وهو مناضل فلسطيني ، قدم رياحنة شخصية وليد دراميا بمواصفات فنية وانسانية بلحم ودم ، وكما تتخيل لو ان « وليد « عايش اليوم بيينا .
و منذر رياحنة كفنان مبدع و صادق دراميا ، واقرب ما يجسد الشخصية بحلول وتماهي فني ، و حتى ان المشاهد ينسى ان الممثل هو الرياحنة ، عبقرية فنية اردنية نفتخر في انجازها وابداعها الفني اردنيا وعربيا .
حضور لموكب الغياب لا يقارن باعمال درامية اخرى .. وهذه الشهادة والراي النقدي اتركه مفتوحا امام النقاد و المشاهدين ليتابعوا العمل الدرامي ، ومن بعد يحكموا عليه ويقيمونه .
المسلسل ناجح ومبهر للمشاهد الملتقي ، ويبث الان في شهر رمضان الفضيل حصريا على تلفزيون قطر ، ويتابع عربيا بشكل لافت ومثير للانتباه ، ورغم زحمة وتكدس المسلسلات في موسم رمضان التلفزيوني .
في «حضور لموكب الغياب» قدم المؤلف والمخرج والفنانون درسا فنيا جديدا في الدراما التاريخية .. وكيف تصاغ وتقدم فنيا ؟ الدراما التاريخية دون رؤية مسطحة وانشائية ، وهذا ما استدركه المؤلف ، وكتب على صفيح درامي انساني يتوق الى الصدق والحرية والعدالة ، ويسمو بالانسان الفرد ليكون بطلا وصانعا للتاريخ .
العمل الدرامي ملحمة توثق مراحل وحقب من القضية الفلسطينية ، ولها فصول قادمة .. وبحسب ما اعلن مؤلف ومنتج المسلسل ، فان للمسلسل جزاين جديدين ، وكما ان المسلسل سوف يترجم الى لغات اجنبية ، ويبث على شاشات اجنبية غير ناطقة بالعربية .
وليس من قبيل الانحياز للصديق سيف الدين عبدالعزيز ، وهو مؤلف «حضور لموكب الغياب» ، ولكني اتحدث هنا من قبيل ابراز والترويج للقضية الفلسطينية ورواياتها العادلة والصادقة ، والرد الدرامي على التزوير والتزيف والتشويش والخداع الاسرائيلي .. وهي مهمة درامية خطيرة ، ولاول مرة مؤلف عربي يخترق هذا الجدار ويصل الى مناطق حساسة ومحظورة وممنوعة في البث التلفزيوني الدرامي العربي والعالمي .
كلما شاهدت حلقة من مسلسل حضور لموكب الغياب امنت واحسست مطلقا بان القضية الفلسطنية حية لا تموت ، وانها صخرة مقاومة صلبة ،وراسخة
في وجه الاحتلال والتطبيع والمشاريع البديلة ، و تسرد وتروي بروح نضالية سلمية القضية الفلسطينية ، ولتقول للعالم : ان القضية شجرة زيتون مقدسة ومباركة وبلوط قدرها حتمي ولصيق بالجغرافيا والانسان ،و الذاكرة ، والتاريخ .