الصمت الذي أزعج سابع جار
الشريط الإخباري :
سعيد الصالحي
لا استطيع الادعاء أن لي أذن موسيقية رغم نشأتي على أصوات أم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الحليم وتعلمت تمييز الأنغام من خلال ألحان أغانيهم التي ستبقى خالدة كأشعار المتنبي وأمرئ القيس وجرير، فالأذن مع تقدم العمر تمتلك حاسة سادسة أو ربما سابعة وقنوات هوائية إضافية لتمرير الكلمات نحو العقل أو القلب وربما لتمرير بعضها مباشرة نحو أعضاء أخرى في الجسم، فبعض التصريحات أو التعليقات تحملنا نحو الجنة وبعضها كالنشاز تصر على أن تخترق كل حصون الأمل فينا وتذهب بنا إلى قفار قاحلة رغم محاولاتنا لصم الآذان، فهذا النشاز لا تصنع منه طبلة الأذن ايقاعا بقدر ما يؤذيها ويجرح في سطحها فيختلف الايقاع الداخلي ولا تعود باقي أعضاء الجسم سعيدة قادرة عل الرقص على الواحدة ونص.
وأنا قررت منذ مدة أن أنتقد كل صوت لا يعجبني فأنا ما زلت إنسانا يمتلك هذه الحرية، وأنا من فرط شجاعتي سأنتقد أصوات أشباه المطربين ولن ألقي بالا لصوت أشباه المسؤولين، وسأنتقد كل صوت للشعب ولن أنتقد أي أصوات أخرى، وسأنتقد الأصوات الخارجية الباهتة ولن أهتم بأي صوت داخلي وحتى وإن كان صوتي، وسأتفلسف على صوت الناخب في جزر المالديف ولن أنتقد صوت ناخبنا المحلي، فليست كل الأصوات كالأصوات.
فصوتي عندما كنت أقول تعبت وانا طفل صغير كان بكاء يستجلب عطف سابع جار، وعندما كنت أتعب وأنا مراهق كان صوت تعبي صراخا ولعنات وكان سابع جار أيضا يقول "الله يهديه غدا سيكبر" وعندما أصبحت شابا كان صوتي غضبي فلسفة ومقارنات ونظريات من كتابي الوحيد الذي قرأته حتى ذلك الوقت، وكان سابع جار يقول "الله يهديه غدا سيواجه الحياة العملية ويتعلم" وعندما أصبحت رجلا صار غضبي صمتا وكان سابع جار يرمقني كل يوم من بعيد ليتأكد أن التشويش الذي يسمعه كل لحظة هو صمتي والذي أبثه كل يوم على موجة إذاعية يملؤها التردد، فهذه الكلمات لم تعد تقوى على مغادرتي وحتى حين أسمعها في داخلي تكون كالصدى لأن ترددها كبير وموجتها قصيرة وفراغ نفسي وصغر كياني لا يساعداها على الوصول إليه.
وأكثر ما يثير الغرابة أننا لا نملك مقياسا موحدا لقياس أثر الكلمات علينا فتارة ما نستلف صفات الاحجام والأطوال والاوزان لوصف الكلمات، وتارة أخرى ندخل إلى منجم موروثنا فنبدأ بتوزيع المعادن والجواهر على بعض الكلمات بدء من الذهب وانتهاء بالزفت والقطران، وعلى الرغم من عظمة لغتنا العربية إلا أنها لم تخترع مقياسا مجتمعيا لأثر الكلمات، لأن الكلمة مرآة الوعي للمتحدث والمستمع وأظن أن لغتنا العربية قد قامت بتصنيف الوعي الفردي والجماعي منذ زمن بعيد.
رحم الله الفنان سمير يزبك الذي لا أعرف كيف كان سيطلب مني هز محرمتي البيضاء على صوته الجميل وأنغام موسيقى الصمت الصاخبة التي ترقصني وتصم قلب وأذني سابع جار؟