إضراب المعلمين ومشكلات إدارة التفاوض
الشريط الإخباري :
نضال منصور
من المفترض أن تكون الحكومة ونقابة المعلمين قد توصلتا لتفاهم، أو في طريقهما للوصول لتسوية لإنهاء إضراب المعلمين والمعلمات المستمر منذ ثلاثة أسابيع، وسيدخل اليوم أسبوعه الرابع.
لن أجادل أبداً في حقوق المعلمين وضرورة إنصافهم، وأكثرية الأصوات في المجتمع تعرف ان ظروفهم المعيشية صعبة، ومن الضروري تحسين واقعهم ورواتبهم، وحتى الحكومة لا تدعي ان ظروف المعلمين والمعلمات ممتازة ولائقة، ولا تنفي مطالباتهم وحقوقهم. وبذات الوقت فإن حق الاضراب مكفول دستورياً ودولياً، والتنكر له كمن يدفن رأسه في الرمال.
إذا كانت كل هذه الافتراضات والمحددات جلية لكل الأطراف، فأين المشكلة؟ ولماذا ما تزال عالقة؟
المشكلة أن قضية إضراب المعلمين تمس كل المجتمع وتؤثر عليهم، ولا تمس قطاعاً محدداً، والحكومة تعرف أكثر من غيرها ذلك، والنقابة تعلم أن ما قامت به أمر ليس سهلاً وموجعا لهم، قبل أن يكون لأهالي الطلبة، ولكل من يتضرر من توقف العملية التعليمية.
باعتقادي أن استمرار المشكلة لأسابيع ثلاثة يكمن في خلل بإدارة التفاوض ومعرفة على ماذا نفاوض، وما هي السيناريوهات التي سنتبعها في التفاوض، وما هي السقوف الزمنية، وماذا نحمل في جعبتنا لنضعه على الطاولة؟
الطرف الأضعف في التفاوض كان الحكومة، فهي –أي الحكومة- لا تملك وحدها قرار الحل، بمعنى أنها لا تملك تفويضاً مطلقاً، وأن هناك أطرافا خارج الطاولة تملك وجهة نظر وصاحبة قرار أيضاً.
الأمر الثاني أن إدارة التفاوض ليس تسويفاً وشراءً للوقت، ومناورات، وتقديم عروض لا تنهي الأزمة.
كان على الحكومة منذ اليوم الأول أن تكون مدركة لمسارها التفاوضي، فلا تضيع وقتاً لأن المتضرر المجتمع، وكان عليها أن تطرح "حزمة” تتضمن العلاوات المالية الممكنة بسياق زمني، وبآليات واضحة لتحقيقها، أما أن نقول لا نملك أموالاً، ثم نطرح "المسار المهني”، ثم نمارس ضغوطاً على المعلمين والمعلمات، ونقوم بإجراءات نقل لمعلمات ثم نتراجع عنها، وبعدها نبدأ بتقديم تصورات لنسب العلاوات الممكنة، فكل ذلك يدل على فهم خاطئ لإدارة التفاوض، وقراءة ليست دقيقة للمشهد.
كان على الحكومة أن تحسب كلفة التأخير في بدء العام الدراسي، وتحسب مخاطر الصدع المجتمعي، فهي الحكومة، وهي من يتحمل واجب الاحتواء والرعاية للمجتمع.
هذا الكلام لا يعني أن أداء نقابة المعلمين منزه عن الخطأ، فمنذ البداية كنت وسأبقى مع الإضراب الجزئي المتدرج الذي يتيح الوقت لبناء التفاهمات دون حدوث أضرار واسعة.
نقابة المعلمين تفهم أيضاً أن مضي الوقت يصعب مهمتها، ويزيد قلقها من تبعات تعليق العملية التعليمية، وتعالي أصوات مجتمعية تطالبهم بالعدول عن الاضراب، ووقفه، لأن أبناءهم وبناتهم متضررون من البقاء في بيوتهم دون مدارس.
التفاوض ليس عملية عبثية وعدمية، والإصرار على الموقف دون تقديم خيارات يعقد بناء الثقة، والتفاهمات، وكنت أتمنى على النقابة لو قالت منذ اليوم الأول للإضراب بخطاب مفتوح للناس، سنوافق على جدولة علاوة
الـ 50 % على 5 سنوات على سبيل المثال، أو تقبل المزاوجة بين العلاوة المهنية ومسار تقييم الأداء، بدل أن نعيد كل يوم الكلام نفسه بأن الحكومة لم تقدم عرضاً واضحاً، كان على النقابة أن تأخذ زمام المبادرة لتقطع الطريق على المناورة، وتظهر أنها لا تصر على تحقيق كل المطالب دفعة واحدة، وتقبل بتسويات منصفة ومعقولة، فهذا مبدأ أساسي في المفاوضات.
أتمنى أن يغلق هذا الملف اليوم قبل الغد لأنه موجع لكل الأطراف ومنهك للدولة، والأهم أن نتعلم الدروس المستفادة.