كيف تصدت تاتشر للاضرابات

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
تعد مارغريت تاتشر واحدة من اكثر الشخصيات تآثيرا في القرن العشرين. وطبع إرثها السياسي تآثيره الواضح على من خلفها في الحكم من المحافظين والعمال.
وتميزت فترة حكمها التي امتدت على مدى 11 سنة، فازت خلالها في ثلاث انتخابات متتالية، بأسلوب من الحزم والمواجهة أحياناً. كانت اول امرأة تتولى هذا المنصب في بريطانيا . 
قبل تاتشر كانت بريطانيا في طريقها الى ان تصبح دولة من العالم الثالث. ففي الوقت الذي أخذت بلدانا عديدة، المنهزمة عسكرياً والمرهقة اقتصادياً، على اعادة بناء اقتصادياتها، فان بريطانيا المنتصرة في الحرب بدأت تعاني مزيدا من الضعف الذي افقدها مكانتها الدولية المشهورة. وفي الستينيات من القرن المنصرم وصل اقتصادها الى مواقف حرجة. كان الاتحاد العام للعمال يبتز الحكومات المتعاقبة ويدفعها الى زيادة أجور متتالية للعمال والموظفين وتقليل ساعات العمل وتوظيف المزيد منهم، دون ايجاد أية علاقة بين زيادة الاجور والانتاجية، الامر الذي ادى الى اضعاف انتاجية العمال البريطانيين مقارنة مع اقرانهم في الدول الاوروبية.
ومن جهة اخرى فان الجهاز الاداري للدولة اصبح متخماً ومترهلاً بموظفين فائضين عن الحاجة وقليلي الكفاءة والانتاجية. ومع غياب مفهوم العمل والانتاجية أصبح الامن الوظيفي وصفة للترهل الوظيفي.
اصبحت بريطانيا بطيئة الاستجابة لمتطلبات التجديد التكنولوجي والاقتصادي. نقابات العمال كانت تعارض الخطط المؤدية الى رفع كفاءة العامل لخشيتها الساذجة في أن يؤدي ذلك الى تقليل فرص العمل..وكانت النتيجة أن فقدت بريطانيا قوتها التنافسية في عالم تعصف به التحولات الجذرية.
وامام الزيادة المستمرة في اعداد العاملين وزيادة رواتبهم وتقليل ساعات العمل مصحوبة بضعف الانتاجية وانسداد افاق التوسع الاقتصادي، واجهت المصانع والشركات مصاعب جمة أدت الى افلاس أعداد كبيرة منها من جهة وانتقال الاستثمارات البريطانية الى الخارج من جهة اخرى..وبلغت اعداد الباحثين عن العمل في عام 1979 نحو ثلاثة ملايين عامل يمثلون نحو 25% من جملة القوة العاملة البريطانية مقارنة مع 4% في الولايات المتحدة التي ربطت عملية رفع الاجور مع زيادة الانتاجية وتوسيع افاق الاقتصاد والتجديد التكنولوجي ومتطلبات العرض والطلب.
الاتحاد العام للعمال في بريطانيا، اتبع سياسات ابتزاز الحكومات المتعاقبة عن طريق تهديدها المستمر بالاضرابات والاعتصامات كلما شعر ان الحكومة لا تستجيب لمطاليبه.
والاموال المقدمة للمضربين والمعتصمين التي كان الاتحاد يقدمها، كانت تأتي من الحكومة مباشرة ومن رواتب العمال والموظفين أنفسهم. تاتشر كانت مصممة على وضع نهاية لقوة ونفوذ النقابات وكانت مدركة أن عملية التشغيل مرتبطة بتوسيع أفاق الاقتصاد وتحسين مستويات الانتاجية وليس مع دفاتر الحضور والانصراف، كما أن العرض تقدمه شرائح ومستويات متباينة حسب مستويات التعليم والتدريب والتأهيل والخبرة والانضباط والمؤهلات الشخصية، وأن زيادة اعداد العمال والزيادات العشوائية في الاجور دون زيادة في الطلب أو تحسين الانتاجية تؤدي الى سقوط الاقتصاد في فخ التضخم المنفلت وتسريح العمال.
اتجهت تاتشر نحو عدة مسارات قانونية ومهنية في آن معاً، منها التقليل من سطوة الاحتكارات الكبيرة واضعاف اتحادات العمال عن طريق سن القوانين الضرورية وتكثيف برامج التدريب والتأهيل وتقديم المساعدات الضرورية لتشجيع العمال على التشغيل الذاتي.
كانت مقتنعة ان زعماء النقابات ينفذون اجندة شخصية خاصة عن طريق دغدغة عواطف العمال ومطالبهم الانسانية المشروعة وكانت تصف الاتحادات بـ"اعداء الداخل".
نجحت تاتشر في اصدار قانون ينتزع حق اعلان الاضراب والاعتصام من زعماء النقابات الى العمال انفسهم شريطة موافقة 85% منهم على الاضراب او الاعتصام ومنع النقابات من تعويض العمال اذا لم يكن الاضراب حائزاً على النسبة القانونية المطلوبة. وعندما تم تجاهل القانون، صدر قرار قضائي بتجميد اموال النقابات .
اضافة الى ذلك اصبحت نقابات العمال ملزمة قانونا بدفع غرامات باهظة اذا ما دعت الى اضرابات أو اعتصامات غير قانونية كتعويض عن الاضرار الكبيرة التي تلحق بالمصالح العليا للدولة..هذا الامر أدى الى نشوء ازمة كبيرة بين العمال الذين يساهمون بجزء من رواتبهم لدعم ميزانية اتحاداتهم وبين قياداتها.
اتبعت تاتشر ايضاً سياسة واضحة بعدم الاصغاء لمطاليب العمال غير المعقولة كما وضعت حداً لسياسات الترضيات المتبعة من الحكومات السابقة. ومن اجل ذلك استعانت بالجيش والشرطة لتجاوز الشلل الناتج من الاضرابات المتكررة وواجهت بنوع من الحزم ما تعرضت لها الدولة من مساس في هيبتها.
وعلى سبيل المثال عندما قررت الحكومة اغلاق عدد من مناجم الفحم ذات التكلفة العالية، قامت على بناء مخازن للفحم واوعزت لقوات الجيش والشرطة لخزن كميات كافية منه، الامر الذي افشل اضرابا قاسياً في عام 1985 لعمال الفحم استمر عاما. ومع فشل ذلك الاضراب وولى عصر كانت النقابات العمالية تملي على الحكومة ما يجب ان تعمله.
ومن جهة أخرى بدأت تاتشر باتباع سياسات تستهدف تعويض العمال المنتجين والملتزمين من خلال قوانين تربط العلاوات طردياً مع اداء الشركات وانتاجية الموظفين، اكثر من اعتمادها على الاجور الثابتة.
وساهمت تلك الخطوة الى عدم اكتراث العمال لدعوات الاضراب والاعتصام، والى قيام اعداد متزايدة من الشركات والمصانع على تجاهل تهديدات النقابات، الامر الذي دفع النقابات الى عقلنة مطالبيها المتعلقة بالزيادات العشوائية او تقليل ساعات العمل أو الاحتجاج عندما يتم التخلص من العمال غير المنتجين والطلب من العمال التركيز على زيادة الانتاجية كوسيلة لزيادة أجورهم الحقيقية.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences