آخرُ قُبْلَةٍ في السِِّجْن قتيبة مسلم / ابوحمدي ( نهر جار لايتوقف من الحرية)
الشريط الإخباري :
سليم النجار
توطئة
الأسير قتيبة مسلم / أبوحمدي
العمر ٤٣
بكالوريوس تاريخ من جامعة النجاح الوطنية - نابلس
متزوج ولديه خمسة ابناء
محكوم ٣٧ عام امضى منها ١٣ عام
مسؤول ملف لجنة مواجهة الإستيطان في ريف نابلس
عضو الهيئة الإدارية لنادي الأسير الفلسطيني
مدير المكتبات في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بالضفة الغربية.
وقفت على ضفة النهر أحدق في المدى البعيد ٠٠٠ الشمس تتعلق بأذيال السماء، لا أود أن افارق، يُلون الأفق أساها بمجرته البرتقالية ٠٠٠ لكن أخيرا غرقت في قراءة كتاب الأسير في المعتقلات الأسرائيلية - " آخِرُ قُبْلةٍ في السِّجْن".
وهَا هيَ الحيرةُ ثمةَ ما يستدعي طرح السؤال، عن الحيرة، وعن حُدودها كُلمَا أقبلنا على قراءة نص إبداعي لأسير قابع في سجون الأحتلال الإسرائيلي، ونحن في مواجهة واقعنا الثقافي اليومي٠ المغالاةُ لا نفْعَ فيها بعْدَ كلّ ما أصبحنا نعيشه عربياً وفلسطينياً، ونحن نتأمل ما يكتب أسير كقتيبه مسلم، (صورة الفدائي الغريب الذي وجده هو ابنه خاله وفاء، حيث كانوا يبحثون في وسط الأراضي عن ورق الرجف الأخضر٠٠ وورق اللسينة وأكلوا حمضيه وذبح وخرفيش وهي نباتات لها مذاق خاص عند الفلاحين٠٠ وعند منطقة مكنظة بالزيتون وأشجار التين الملتف على أعمدة خشبية دائرية وبينها سقفية قديمة تلتف الأعشاب من حولها٠٠ص١١-١٢).
كلّ مرة اسعى إلى الإنصات وتجنّب ما يشوّش على الرؤية، هذا الضجيج الذي لف حياتنا حتى تحول إلى حيْرة في حد ذاتها، لكن لقتيبه مسلم رأي آخر (صقل السجن شخصية صاعدة ورفاق دربه، خرجوا يحملون رسالة وفكرة، تحول الحلم إلى فعل، والصدى المخزون في الداخل الى حركة تكتب اللحن والاغنية والميلاد والمستقبل ص٣١).
الحيرة هيَ المرجع الوحيد في تناول القصايا وطرح الأراء، أو في متابعة ممارسة واستخلاص ما يضيء، عكس ما كنتُ عليه، وانا أتجاوز الضجيج إلى ما ببدو لي أكثر دلالة. أما الآن، فقتيبه مسلم تجاوز هذا الضجيج،(وبعد من زيارة السجن٠٠ وصلت كلمات مجاهد تضىء الدرب الذي أطفأت أنواره تحت ثقل تحت ثقل القيود الاسرية٠٠ كلماته تاخرت قليلا على حواجز الاحتلال وظروف السجن ص٣٣).
قتيبه مسلم يدعونا من خلال نصه، تتبع خطه الثقافي التي يتشكّل فيها الخطاب النضالي الحاضر، ويستدرجنا إلى صورة ربما لم تكن واضحة بهذا القدر، الذي هو كثافة، لا سبيلَ معها لادعّاء القبض على جمرة ما يتفاعل وينتقل، يوماً فيوماً إلى وضعية ذات سيادة علينا وعلى حياتنا الثقافية (السجن بيت الأبطال ٠٠ طريق الصعود نحو الحقوق والنصر٠٠ هزمه صاعد وإخوته٠٠ وهو عرينهم الذي أتقنوا إدارة أيامه باقتدار وإدراك٠٠ ساعاتهم بطيئة لكنها عامرة بالقراءة والبحث والتأليف والإبداع ٠٠ أمعاءهم تتحدى السجان٠٠ ص٤٣).
بأي حيرة، إذن نُقبل على حياة الأسرى؟ بأي حيْرة نكتب عنهم ونتأملها؟ (قالت له على شبك الزيارة بالسجن، مسموح لك أن تقبل صورتي، أرسمني ولكن إجعلني أكبر من عمري أربع سنوات ٠٠ ما هو سر الأربع سنوات هل تريد أن تصبح في عمر الخمسة عشر عاما ٠٠ وأي سر بذلك؟ ص٤٣).
والسؤال الذي طرحه علينا قتيبه مسلم أي حيرة، تلك هي الحيرةُ الكبرى، وأنتَ ترى ثقافة الأسرى الفلسطنيين دون حدَاَثة؟ وترى حاضر بدون حَاصر، لا تسألْ عن المستقبَل، ولا عن الَماضي، فلهم حاَضر ومسقبل وماضي خاص بهم،(هي لا تعرف قوانين السجن، وصاعد من القادة الذين لا يقبلون صورة زوجته حتى ولو بالسر، لقد جعل منه السجن ومن إخوته رجال من نوع مختلف هو يعلم ان في ذلك جمود وربما جنون ورجولة زائدة عن الحد٠٠ ص٤٣).
برأس مشوّش تنصت يوماً بعد يوم إلى هذه السرد الذي طرحه قتيبه، ( هو عطف ٠٠ أم شفقة ٠٠ أم فراغ ٠٠ أم حنان٠٠ أم حب٠٠ ماذا٠٠ حب٠٠ مستحيل٠٠ أي حب وانا متزوج ٠٠ وحضرت أية على الزيارة القادمة ٠٠ رسمت بجرأة قبلة على عليها ٠٠ أن تموت في بحر الأعراف ٠٠ تقتل ٠٠ هو يخاف أن يقبلها ٠٠ يرفض لأنه هكذا تربى وتثقف وهي لا تخاف شيئا ٠٠ تقبله على الملأ ٠٠ "إنه" - إنها ثورية ومتحررة لم تقرأ بعد كتب ديكارات أو قصص الحب ٠٠ لكنها تحمل جينات ثورية ٠٠ ولم تسمع بنوال السعداوي أو قاسم أمين ٠٠ص٤٤).
إنه لحقّ أقول في نفسي، ولكني عندما أرفع رأسي لأتأمل، أحس ببخار في الرأس، دوخةٌ تشل الأعضاء، ولا قدرة على الركض في المسافات الفاصلة بين زمننا وزمن قتيبه مسلم، (حبيبي تحية أخلاص معطرة بحبك٠٠ أنت قطعة من جسدي لا استطيع أن أحيا بدونك وأعاهدك على الحب والوفاء ٠٠ بدونك أيامي مظلمة ٠٠ مع أحلى قبلاتي ٠٠ هل تتذكر قبلة الموت التي أطلقنا عليها هذا الاسم عشر دقائق ٠٠ تمينا أن نبقى لعشر سنين ص٥٢).
هل أنا أروي عن حياة وهْمية؟ عن مثقفين لم يُجَدُوا أصْلاً إلا في أسرى في سجون الأحتلال الأسرائيلي؟ بهذين السؤالين أتوجه إلى القرّاء.