الملك عبدالله الثاني بين جحيم الداخل وضغوط الخارج
الشريط الإخباري :
لنتفق اولا ان هذا المقال ليس تسحيجا لاحد ولا ارغب من احد ايا كان اي طلب فالحمد لله الحال مستورة ولم نتاجر يوما ما بقلمنا ولن نتاجر نقول الحق ولا نخشى لومة لائم فقد تعلمنا في مدرسة الامة ومدرسة الوطن ان الاقلام لا تباع ولا تشترى لكنها تقول الحق .
ولنتفق على ان هذا المقال يستهدف بالاساس رمي حجر في ماء ساكن لعله يحرك ما ركد وهو يستهدف توضيحا ربما عرفه البعض وجيره لصالح فكرة ما ارادها ومن يطالع ما ينشر خارجا عن الوطن والملك يلحظ اي سياق يدرجه البعض للنيل من القيادة بلا سبب مقنع .
ولنؤكد حقيقة ثابتة ان هذا الوطن منذ بايع الهاشميين على ان يكونوا امراء وملوك على هذه الارض استقر في وجدان الناس والدولة والعالم ان هذا العقد الاجتماعي المبرم بين الشعب والقيادة قام على اسس متينة قوامها الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم وان اي اختلاف يبرز هنا او هناك يحل بموجب هذه العلاقة دون ان يستقوي اي طرف على الاخر وفي التاريخ الحديث للمملكة العديد من الهيات التي حدثت لكنها سرعان ما تهدأ بعد الاحتكام الى لغة العقل والمنطق والمصلحة العامة .
في الاونة الاخيرة او في العقد الماضي وبعض سنوات سبقته اجتاح المجتمع الاردني تغييرات اجتماعية اقتصادية سياسية ادت الى فتور في العلاقة بين مكونات المجتمع ذاته وبين الناس وقيادتهم وخرجت الدولة من مفهوم الدولة الراعية الابوية الى دولة اخرى قد تكون مدنية ولكنها ليست كذلك دولة قانون ولكنها ليست كذلك ودولة انتاج ولكنها ليست كذلك فهي لم تتقن اي تسمية مما ذكرت فقد كان في الواجهة مجتمع قبلي يريد المحافظة على مكتسباته بصفته عماد انشاء الدولة الاردنية الحديثة فحين التفت القبائل حول الملك المؤسس لبناء امارة شرق الاردن لم يكن بعد وصلها اي لاجيء او مهجر او اي هارب من بطش الدول القطرية التي استقلت عن الاستعمار لكنها ابتليت بقيادات وطنية تلبس ثوب استعمار جديد قوامه البطش والتنكيل .
الدولة حين خرجت لم تكن تمارس ذلك ترفا او من باب لزوم ما لا يلزم بل دفعها الى ذلك محاولة خلق التوازن في مجتمع بدأ يتشكل بطريقة فسيفسائية فيها من التشظي ما فيها فاختلطت المفاهيم وتغيرت عادات المجتمع المحافظ واهتزت بعض القيم التي كانت من المسلمات ولم يكن بامكان الدولة انذاك ان تقف موقف المتفرج على ما يحدث كان لا بد من الانسحاب الجزئي من مفهوم الدولة الرعوية الابوية الى محاولة تسييد القانون وتعديل التشريعات بما يتلائم مع الحراك المجتمعي الجديد صعب الضبط ما لم يكن للقانون سيادة وهنا بدا ان المجتمع الاردني القديم العتيق بدأ يفقد بعض ميزاته ورعاية الدولة له والتي ضمنها اساسا العقد الاجتماعي الذي اشرنا اليه .
الملك في الاردن هو رأس كل السلطات لكنه يمارس سلطاته الدستورية من خلال الحكومات التي يشكلها وهو بموجب الدستور مصون من اي تبعية او مساءلة قانونية ويتساءل البعض وانا منهم لماذا لا يتدخل الملك في بعض القضايا التي تؤرق الشارع الاردني لعل احدها اضراب المعلمين الاخير ويتساءلون لم يصمت الملك ولعل حديث الملك لدى ترؤسه اجتماعا لمجلس الوزراء قبل شهر يوضح حقيقة غابت عنا حيث اشار الى انه من موقعه حامي للدستور والفصل بين السلطات ولا يجوز ان ينحاز الى سلطة دون اخرى وهو محق في ذلك وعلى الحكومات التي يوافق على تشكيلها الملك ان تقوم بواجبها وان تمارس سيادتها وولايتها وان لم تقم بذلك فهي لا تستحق ان تسمى حكومة .
كان لا بد من هذه المقدمة لتوضيح عنوان مقالتي اعلاه وما المقصود بجحيم الداخل والخارج …. في الداخل كلنا يدرك ان وسائل التواصل الاجتماعي والتي اسماها الملك ذات يوم بوسائل التقاطع والتناحر لم تقصر مع احد واصبحت الاشاعة تنتشر كالنار في الهشيم دون التاكد من صحتها واصبحت هذه الوسائل تزرع بذور الفتنة في المجتمع وتطال كل الناس دون استثناء من اصغر موظف وحتى رأس النظام وليس المطلوب من الكتبة في هذه الوسائل ان يتحروا الدقة قبل النشر بل اصبح الاسلوب الفضائحي سيد الموقف وخيل للناس العامة ان الدولة قد ضربها الفساد من رأسها الى اخمص قدمها واصبح من ينتقد من المطلعين والمحللين تضخيم الفساد اصبح فاسدا بنظر من يخالفهم الرأي ولم تنفع التشريعات التي اقرتها الدولة لمحاربة الاشاعات واعتبارها جريمة بحق القانون فاختلط الحابل بالنابل بعد ان تداعى الجميع وتسابقوا في مسيرة كبرى للبحث عن الفساد وكل يدعي انه منه براء .
اما الخارج فقد اختلت معادلة كبرى كانت ترى في الاردن ضامنا لامن المنطقة وحليفا لا بديلا عنه للقوة العظمى امريكا بعد ان تسابقت دول الاقليم لنيل رضى العم سام او العم ترامب ورضى الدولة الصهيونية التي زرعت في قلب الوطن العربي هذا الانقلاب الخطير في المفاهيم وبعد ان كانت البندقية موجهة نحو ذلك الكيان باتت البنادق توجه نحو الاشقاء في استدارة استراتيجية حمقاء تفتقر الى المنطق والحق والعدالة ولاحت في الافق ما يعرف باسم صفقة القرن التي تستهدف تصفية القضية المركزية للدول وللشعوب العربية ورافق كل هذا ازمة اقتصادية طاحنة يعيشها الاردن متزامنا مع موقف متفرج من الاشقاء والاصدقاء في لحظة فارقة ينتظرون من السفينة ان تغرق ودون ان يصدر عنها حتى اي نداء استغاثة وسط هذا الخراب يعيش الملك عبدالله الثاني لحظات عصيبة فالمطلوب منه ان يحافظ على دولة ورثها عن اجداده دولة ذات هوية جامعة قومية دينية والمطلوب منه ان ” يسايس ” توجهات دول اقليمية شقيقة وغير شقيقة حتى ولو كان اعوجاج سياسات هذه الدول بائن بينونة كبرى ولا رجعة فيه .
بعض الكتاب ممن يكتبون من الخارج او يبثون عبر وسائل التواصل ينحون باللائمة على الملك عبدالله الثاني ويصفونه بالمتآمر احيانا وبالعميل احيانا اخرى وبالتائه مرة ثالثة وهم بذلك يخرجون عن سياق فهم الواقع او فقه الواقع ان جاز التعبير ومثل هذا يدعو للاسى والحيرة ففي حين يمارس الملك كل ما اوتي من قوة لافهام الخارج ان اي حل يجب ان يراعي مشاعر الناس الذين عاشوها واصبحت جزءا من تركيبة ذواتهم وان يحافظ على جغرافية المنطقة التي قسمت مرة في اتفاقية سايكس بيكو وليس بمقدورها ان تقسم مرة اخرى وتحت اي تسمية جديدة ومما فاقم الوضع وزاده سوءا ايضا وصول اليمين الاسرائيلي الى سدة الحكم والذي عمل على هودنة الدولة ولم يخفي ان سياسة التوسع هي الاصل وان اي ارتداد او توقف عند حد هو ليس من مصلحة ” اسرائيل ” .
حين يقول الملك عبدالله الثاني او يقول الاردن يا وحدنا فصدقوا ذلك فالحلقة ضاقت من الاصدقاء والاعداء معا وحجم المناورة في ظل واقع مرير بات محدودا لذا لا تلوموا الملك حين لاحت في وجهه معالم الزمن المتقدم ولا تلوموا الملك وهو يطوف الافاق بحثا عن لحظة صمود وليكن كل منا على ثغرة من ثغور الوطن فلا يؤتين من قبله .
كاتب اردني