رواية أشباه الرجال ..
الشريط الإخباري :
الأستاذ الدكتور: رشيد عبّاس
أن تكتب المرأة رواية بعنوان أشباه الرجال فهذا شيء غريب علينا كشرقيين, وهذا بالضرورة يستدعي التوقف والتأمل قليلاً, وهذا ما دفعني قراءة رواية أشباه الرجال قبل نحو خمسة أعوام تقريباً, ولو أن الذي كتب هذه الرواية كان رجلاً لمررتُ على هذا العنوان مرور الكرام دون التنقيب عن خبايا النفس البشرية في هذا الإطار, فمجتمعنا الشرقي يرفض تماماً أن يكشف الرجل عن أسرار ومكنونات المرأة, لكن العكس مقبول إلى حد ما, حيث أن للمرأة أن تكشف عن أسرار ومكنونات الرجل.. وقد كان ذلك في هذه الرواية الرهيبة.
أشباه الرجال رواية مرعبة للكاتبة المصرية رانيا كمال, الكاتبة تحدثت فيها عن خبايا ومكنونات الرجال أتجاه المرأة, وقد أبدعت فيها حين جسّدت مشاهد لواقع فتاة عفيفة شريفة طاهرة اسمها (براءة), هذه الفتاة وثقت برجل اُكتشفت لاحقاً انه من فئة أشباه رجال, وقد اخذت هذه الرواية بطريقها بعض القصص الحقيقة من الواقع العربي لفئة أشباه الرجال معدومي الضمير والإنسانية وتوجيه رسالة إليهم لمعرفة مدي تأثيرهم أو إيذائهم للمرأة والعائلة والمجتمع حيث تصرفاتهم السلبية خوضهم علاقات من نوع الاستهتار وعدم المسئولية.
اسمحوا لي هنا وبعد أن وقفتُ على هذه الرواية أن أقطف لكم منها أحدى عناقيد هذه الرواية لتذوقوا بها طعم الاستهتار وعدم المسئولية الذي حصل, وعلى لسان الكاتبة أقتبس لكم شيء من الرواية: (رسالة موجهة لكل حواء وكل شبه رجل من فئة أشباه الرجال لأقول لكم أنتم من برأت منكم الرجولة، ولعنتكم الأيام, تبعثرون المشاعر, وتقتلون أحلام الفتيات, وتعدمون القلوب تحت أي مسمى.. هذا الإجرام يا أشباه الرجال..! جئت لكم من أقصى الجنوب, لأنهى مأساة كل فتاة, سأقضى عليكم يوماً ما, هذا وعدى لكم يا أشباه الرجال).. انتهى الاقتباس.
اليوم أشباه الرجال أخذوا أشكالا وألواناً عديدة في مجتمعنا العربي, وقد بحثتُ في كتب علم الاجتماع مطولاً لأبحث عن طبيعة أشباه الرجال, لأجد أن عالم الاجتماع الروسي (ليف فيجوتسكي) قد أشار في أبحاثه إلى طبيعة هؤلاء الرجال في المجتمع الذين يعيشون فيه, منوهاً إلى انه يمكن التعرف على هؤلاء الرجال من خلال سلوكهم الاجتماعي, وقد تبيّن أن اهم سلوك لهم هو التستر خلف (مبدأ) معين ما, ولديهم خوف شديد لدرجة المرض من حسد الآخرين الوهمي لهم, وانعدام الغيرة الفطرية لديهم, والشذوذ الخفي عندهم, وحب الانتقام من الاخرين دون أشعارهم بذلك, وقد تجدهم يتحركوا بعنصرية الأقرب فالأقرب في العائلة, ويتحدثون في المجالس بكل جهل, ولهم حركات مثيرة للانتباه, ولديهم مهارة عالية في سرعة الاختفاء والاختباء عن أعين الناس حين يتحركوا.. وأكثر من ذلك وصفهم العالم (فيجوتسكي) بأنهم من أصحاب الضحكة الصفراء.
الكاتبة المصرية (رانيا كمال) في روايتها الشهيرة أشباه الرجال عرّت هؤلاء بطريقة رائعة, وحذرّت منهم بطريقة مرعبة, وكأني بها تقول أن شذوذ هؤلاء الفطري أتجاه الجمال والنجاح والأبداع والاناقة عند الآخرين قد انعكس تماماً عندهم في صور عديدة تمثلت في عداءهم المطلق وانتقامهم للآخرين, فتجدهم ملائكة في النهار.. وشياطين كالعفاريت ليلاً, ليوهموا البعض بصدق نواياهم وحسن أخلاقهم.
ومن جهة أخرى فقد ضمّن عالم النفس الشهير(فرويد) كتبه بسلوك أشباه الرجال وقد رد هذا العالم أسباب سلوك هؤلاء إلى طريقة تنشئة هؤلاء الاسرية والذي عكس عدم التوازن في جوانب شخصياتهم النفسية لاحقاً, هذا وقد ميز فرويد بين انصاف الرجال وبين أشباه الرجال,.. قائلاً: انصاف الرجال لديهم نقص في جوانب بناء الشخصية وتنشئتها, في حين أن أشباه الرجال لديهم تشويه في جوانب بناء الشخصية وتنشئتها.
لقد انتصرت الفتاة (براءة) في رواية الكاتبة المصرية رانيا كمال في نهاية المطاف على أشباه الرجال في مجتمعها, وذلك بفضل فصل الخريف الذي عرّى تماماً هؤلاء من خلال سقوط ورق التوت عنهم.
وبعد..
بقي أن نقول أن أشباه الرجال تسلحوا بأموالهم وبطونهم الجرباء, في حين أن الفتاة (براءة) تسلحت بعقلها الراجح, فانتصر العقل الراجح دون هدنة على المال الحرام.