صحيفة عبرية: هل تكفي زيارة هيرتسوغ لأذربيجان لكبح تطلعات طهران؟
الشريط الإخباري :
مساء الثلاثاء سافرت لأتناول الطعام في باكو مع صديق محلي، رجل أعمال مطلع جداً على أعراف المنطقة. وسرعان ما وصل الحديث إلى إيران. هو يعرفها جيداً، يتكلم اللغة، يفهم العقلية. قال: "إيران مأساة سندفع كلنا الثمن عليها”.
طلبت تفسيراً. أجاب بأن معظم الجمهور الإيراني يكره الحكم. لا يؤيده سوى الفقراء الذين يجتازون غسيلاً للعقول. مثلما لدى "حزب الله” في لبنان أو لدى حماس في غزة. هم يسكنون في بلدات المحيط أساساً. أما في طهران كما ادعى فثمة أغلبية متماسكة ضد آية الله. "هذا حكم الخوف: خوف المواطنين منه وخوفه من المواطنين”.
المأساة الإيرانية الداخلية جزء من الصورة. القسم المقلق أكثر في نظره هو المأساة التي تتسبب بها إيران من حولها. للمنطقة وكذا لإسرائيل. "أنتم في مشكلة”، قال. "أنتم تفكرون تكتيكياً، عن غد صباحاً. أما الإيرانيون فيفكرون استراتيجياً، لعقود إلى الأمام. عليكم البدء بالتفكير مثلهم”.
روى عن أذربيجان، دولة معظم سكانها شيعة، لكنهم علمانيون. لقد حاول الإيرانيون تحقيق مواطئ قدم فيها وغرس "شيعيتهم” في سكانها. تماماً مثلما فعلوا في لبنان، ومثلما يحاولون في سوريا (في ظل التحويل الديني للسُنة في سوريا). أرادوا أن يقيموا مدارس ومساجد في أذربيجان. هذا لم يعجب الرئيس، إلهام علييف، الذي طلب منهم التوقف. سمع الإيرانيون وواصلوا طريقهم. أعاد إلياف الكرة، لكن الإيرانيين أصروا. إلياف مل، فقطع الموضوع بوحشية. "لو لم يتصرف هكذا، لتقدموا رويداً رويداً وهددوا حكمه في النهاية. أدرك أهمية إيقافهم وهم صغار”.
حلف استراتيجي
أذربيجان وإيران ترتبطان أحداهما بالأخرى: يعيش في إيران 25 – 30 مليون أذري (الأقلية الأكبر في الدولة)، ضعف فأكثر مما يعيش في أذربيجان نفسها. لكل منهم أقرباء عائلة في الجانب الآخر من الحدود. الطعام مشابه وكذا اللغة؛ فالأذرية تسمع كخليط من الفارسية والتركية. ولكن بين الدولتين القليل جداً من المحبة.
إيران، كما أسلفنا، تضرب عيوناً إمبريالية نحو جارتها، وأذربيجان لا تحب هذا. إيران قلقة من العلاقات الوثيقة بين أذربيجان وإسرائيل، وأساساً في الجانب العسكري – الاستخباري. وفي الماضي، طالبت أيضاً بالتوقف عنها، لكنها ووجهت برفض تام. العكس هو الصحيح: العلاقات بين أذربيجان وإسرائيل في ميل متزايد من التوثق، كما وجد تعبيره في القرار الأذري فتح سفارة في البلاد مؤخراً.
قفزة درجة مهمة في هذه العلاقات (وفي الابتعاد بين أذربيجان وإيران) كانت في حرب قرة باغ الثانية في 2020. إسرائيل أيدت أذربيجان ونالت جراء ذلك تقديراً هائلاً في الدولة. أما إيران فأيدت أرمينيا وخسرت ثلاث مرات: لأنها أيديت أعداء الأذريين، لأنها كذبت على أنها فعلت ذلك، ولأنها كانت في الجانب المهزوم. عقب ذلك – وكذا في ضوء جائحة كورونا التي نشبت في السنة إياها، وضربت إيران بشدة – أغلقت أذربيجان الحدود بين الدولتين. المرور مسموح اليوم تحت القيود وفقط لأصحاب التأشيرات.
بالنسبة لإسرائيل، تعد أذربيجان شريكاً استراتيجياً. سبب ذلك النفط: أذربيجان تورد نحو 70 في المئة من استهلاك النفط الإسرائيلي. السبب الثاني هو صفقات الأمن: الاحتياجات الأمنية لأذربيجان – التي تهددها إيران وأرمينيا، والتي تخشى أن تتحداها روسيا وتركيا – أدت بها إلى استثمار جزء مهم من المال الذي جمعته من احتياطات الطاقة التي لديها (النفط والغاز) في جيش متطور ونوعي. إسرائيل شريك أيديولوجي في ذلك، وقد باعتها في العقود الأخيرة جملة من الأسلحة الهجومية والدفاعية والتكنولوجية التي تمنحها تفوقاً نوعياً. السبب الثالث هو الرغبة المتبادلة في ترجمة العلاقات الحارة إلى مزيد من أشكال التعاون.
في أثناء زيارة الرئيس هرتسوغ هذا الأسبوع إلى أذربيجان، جرى الحديث عن مشاريع في مجالات الطاقة، والزراعة، والطيران، والسياحة وغيرها.
ولإسرائيل مصلحة أخرى في أذربيجان: في الماضي حاول الإيرانيون عدة مرات المس بإسرائيل على أراضي أذربيجان وأحبطوا. في وسائل الإعلام الدولية زعم أيضاً أن إسرائيل تستخدم الدولة كخشبة قفز لعمليات على أراضي إيران، وأكثر من ذلك – بأن هجوماً مستقبلياً على منشآت النووي سينطلق من أذربيجان أو يمر في أراضيها.
سُئل هرتسوغ عن المسألة الإيرانية من وسائل الإعلام أساساً. فقد طرح الموضوع بالطبع في محادثاته مع الرئيس إلياف ومع قيادة الحكم، لكن في الهوامش فقط. رئيس الدولة ليس هو الرجل الذي يدير الاستراتيجية تجاه إيران. وبالطبع ليس عملياتها. جهاز الأمن يعرف كيف يعمل مع المحليين بالنسبة للاستراتيجية – على إسرائيل أن تبلورها قبل كل شيء لنفسها قبل أن تصدرها إلى العالم.
هذه مسألة حرجة طرحت أيضاً في وجبة عشاء في باكو. الإيرانيون يندفعون إلى الأمام: في النووي، وفي تطوير قدرات صاروخية متطورة، في تصدير الثورة والإرهاب. أما إسرائيل في هذه الأثناء فتتلعثم، تنشغل بتشريع قضائي وجملة هزات أخرى تطرح على أساس أسبوعي في الكنيست وفي الحكومة وتمنعها من الاهتمام بالأمر الأساس. هذه مأساة: إذا لم تصحُ إسرائيل بسرعة وتقرر لنفسها سلم أولويات وسبل عمل وتنطلق إلى العمل فربما تستيقظ بعد فوات الأوان.
يوآف ليمور