هل تفسد السياسة ما أنجزته المقاومة ..؟؟ وهل يعيد العرب تموضعهم باتجاه روسيا ..؟؟
الشريط الإخباري :
بقلم: د. رلى الفرا الحروب- أمين عام حزب العمال
لا شك أن هجوم المقاومة الفلسطينية يوم السابع من أكتوبر جاء في توقيت حرج للغاية..
فعلى الرغم من ملاءمة زمن العملية فيما يخص العدو الإسرائيلي الذي باغتته في أضعف حالاته وتمكنت من دك حصونه وقواعده العسكرية ومطاراته ومستوطناته في ست ساعات، إلا أن الظرف الإقليمي والدولي ، وبعد أكثر من شهرين على طوفان الأقصى، ما زال يخذل هذا الفعل العسكري الاستخباري النوعي ويحول دون تحقيق أهدافه السياسية، بل ويُخشى إن استمر هذا الخذلان من عكس مفاعيل هذا النصر غير المسبوق وتحويل الفرصة السانحة التي وفرتها المقاومة في غزة من أجل فرض حل سياسي شامل يرفع الحصار ويعيد طرح حقوق الشعب الفلسطيني على الطاولة إلى فرصة سانحة للاحتلال لتحقيق المرحلة الثالثة من عدوانه على فلسطين، واستكمال مخططه في الاستيلاء على ما تبقى من أرضها التاريخية بعد إبادة قسم من السكان وتهجير البقية، وهو ما وصفه نتنياهو بشرق أوسط جديد تشكله إسرائيل على مقاسها في أول رد فعل له على عملية طوفان الأقصى.
لقد ثبت من مصادر عدة منها ما ورد على لسان قادة حماس والقسام أنفسهم أن العملية بخطوطها العريضة وأهدافها كانت متاحة ويعرف بها الكثيرون داخل دوائر حماس والمقربين منهم وفي محور المقاومة، ولكن توقيت العملية هو الذي كان سريا ولم يعرف به إلا خمسة فقط من قادة القسام وكبار قادة المكتب السياسي لحماس.
بل، إن صحيفة نيويورك تايمز الامريكية قد كشفت مؤخرا عن أن الخطة قد وردت كاملة قبل عام إلى الاستخبارات الإسرائيلية في وثيقة من 40 صفحة، ولكنها أهملتها على اعتبار ان المقاومة لا تملك هذه القدرات، وأن حماس منشغلة بجمع المال وتشغيل العمال، وحتى تحذيرات الضابطة الاسرائيلية التي قالت انها تصنتت على محادثات بين قادة القسام تفيد بتحضيرهم لعملية كبرى ذهبت هي بدورها أدراج الرياح!
والمذهل أن القسام كانت قد تدربت بصحبة مجموعات اخرى من الفصائل الفلسطينية على تمرين عسكري يوم الثاني من اكتوبر يحاكي أحداث الطوفان يوم السابع من أكتوبر، أي قبل خمسة أيام فقط من العملية، رصدته فرقة غزة، ولكنها لم تحفل به، لأن أجهزة الأمن الإسرائيلية أساءت تقدير نوايا وقدرات المقاومة من جهة، ولأنها كانت تعتقد أن حماس لا تثق بباقي الفصائل، ولا يمكن أن تتدرب معهم تدريبا جديا، ولذلك فقد صنفت هذا التدريب الحاسم قبل العملية باعتباره مجرد اجراء استعراضي!
والمذهل أكثر أن أجهزة الرصد الاستخبارية الاسرائيلية، وبحسب صحيفة نيويورك تايمز الامريكية، ومنذ الساعة الثالثة من فجر السبت 7 اكتوبر وحتى السادسة ( لحظة الهجوم الواسع للفصائل) لم تدرك ما الذي يحدث، وكانت محتارة في تقرير ما اذا كان ما تراه تمرينا ليليا لحماس أو هجوما محدودا، بل إنها لم توقظ نتنياهو من النوم باعتبار ان الأمور تحت السيطرة.
وضمن لعبة "توم وجيري" هذه، فإن يحيى السنوار كان قد دعم قبل عام انتاج عمل تلفزيوني بعنوان قبضة الاحرار يصور الخطة التي تم تطبيقها في طوفان الأقصى بحذافيرها، بل إن أحد منتجي المسلسل المعروف "فوضى" على نت فليكس والمدعوم من المخابرات الإسرائيلية، كان قد طرح سيناريو مشابها لتصويره في إحدى الحلقات، تم استبعاده باعتباره خياليا، فهل نجح السنوار في هزيمة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية ؟ وهل صحيح أن محلليها لا يفهمون حماس ولا السنوار، في حين أن حماس والسنوار يفهمونهم تماما وباتوا يعرفون عنهم كل شيء؟ وهل صحيح أن القسام قد نجحت في مصادرة كم هائل من البيانات من قاعدة رعيم شمال غزة ومن الوحدة 8200 السرية في صحراء النقب في الساعات الأولى من يوم العبور المذهل إلى غلاف غزة وأنها أرسلتها للخارج لفك الشفرة والتحليل؟ وما هي الاسرار التي ستكشفها هذه البيانات الخطيرة إن صحت، في ظل أن قاعدة رعيم كانت تملك كل المعلومات عن غزة والوحدة 8200 كانت تتجسس على الإقليم ودول الجوار؟!
وعودة إلى التوقيت، فإن المشكلة الحقيقية التي تهدد نجاح العملية في تحقيق أهدافها السياسية هي هذا الظرف الإقليمي والدولي الذي جاءت فيه، فهل نجحت حماس في حساباتها الداخلية وأخطأت حساباتها الخارجية؟
في الساعات الأولى من العملية وجه القائد محمد ضيف نداء إلى كل القوى في فلسطين ومحور المقاومة والمنطقة كاملة، وطالب الجميع بالانخراط في المعركة كل من موقعه وبإمكاناته، باعتبارها خطوة حاسمة على طريق الثورة الكبرى لتحرير فلسطين.
الضيف وجه في تسجيل صوتي تاريخي يوم السابع من اكتوبر مدته 6.43 دقيقة نداءا واضحا لشباب الضفة الغربية للالتحاق بالمعركة، طالبا أن ينظموا هجمات على المستوطنات ، وموجها إياهم إلى إسقاط التنسيق الامني واجهزته وإثبات أن انتماءهم للقدس وفلسطين اكبر من كل اوهام الاحتلال، مبشرا بأن الشعب الفلسطيني يعود اليوم الى مشروع التحرير والعودة، ومطالبا الجميع بأن يهبوا لنصرة الأقصى ويهدموا الجدران العازلة. كما وجه نداءه الى الفلسطينيين داخل الاراضي المحتلة عام 48 ، وطالبهم بالمشاركة في الطوفان قتلا وحرقا وتدميرا واغلاقا للطرقات..
النداء ذاته وجهه إلى المقاومة الاسلامية في عموم المنطقة قائلا: "هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع اهلنا في فلسطين...ليفهم المحتل انه قد انتهى الزمن الذي يعربد فيه...قد انتهى زمن نهب ثرواتكم..انتهى زمن قتل العلماء والقادة..انتهى زمن القصف شبه اليومي في سوريا والعراق..انتهى زمن من راهنوا على تفكيك الامة وبعثرة قوتها في صراعات داخلية...ان اوان كنس الاحتلال عن ارضنا ومقدساتنا...يا اهلنا في الاردن ولبنان ومصر والجزائر و الباكستان وماليزيا وكل انحاء الوطن العربي والاسلامي..ابدءوا بالزحف نحو فلسطين...انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وانفسكم في سبيل الله....اليوم اليوم كل من عنده بندقية فليخرجها، ومن ليس عنده بندقية فليخرج بكل ما لديه: ساطور بلطة زجاجة حارقة جرافة شاحنة..اليوم يستعيد شعبنا ثورته ويصحح مسيرته، فمن يسجل اسمه واسم عائلته وبلدته في صحائف النور والمجد" ، وطالب أيضا شعوب المنطقة بالتضامن والمساندة بالتظاهرات والاعتصامات المفتوحة..
فكيف جاءت الاستجابة؟ وهل تلقف الظرف الإقليمي والدولي الفرصة أم ضيعها؟ ومن سيفوز في معركة عض الأصابع التي يقصف فيها الاحتلال المدنيين وينتصر على الاطفال والنساء في مجازر يندى لها جبين الإنسانية في محاولة لا أخلاقية لابتزاز المقاومة للرضوخ والاستسلام، في حين ينتصر عليه رجال المقاومة عسكريا وعلى الأرض وبشرف وبسالة منقطعة النظير ويحطم آلياته ويذل جنوده؟
كيف جاءت الاستجابة؟
أولا: في الاراضي الفلسطينية المحتلة
على الرغم من أن الضفة الغربية لم تلب نداء الضيف إلا بصورة محدودة لم ترتق إلى مستوى الحدث، إلا أن الجيش الاسرائيلي كان لها بالمرصاد، وشن هجمات استباقية على بؤر المقاومة العشرة في الضفة لإجهاض أي محاولة لتوسيع المعركة ميدانيا أو الإطاحة بسلطة التنسيق الأمني، وهو الامر الذي لو حدث لتغيرت كل المعادلة السياسية والأمنية.
وفي القدس تواصل مسلسل التنكيل بأهل القدس وتجريدهم من ممتلكاتهم والتحرش بالمرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى لمنعهم من الالتحام مع نداء الضيف، وفي عموم الاراضي المحتلة عام 48 فرضت اسرائيل قيودا مشددة على الحق في التعبير، ومنعت فلسطيني الداخل من التعبير ولو بكلمة في بوست او تغريدة عن نصرتهم لغزة، لأن ثمنها الاعتقال والتنكيل والتهديد والترهيب، بل إن هذا الارهاب الاسرائيلي طال حتى الصحافيين ونواب الكنيست العرب وسائر النشطاء.
وزير الأمن الداخلي ايتمار بن غفير بدوره لعب دورا خطيرا برفقة الحاخامات مثل يسرائيل بن هاس وغيره، وبرخصة من نتنياهو وحكومة أقصى اليمين المتطرف، وانصب دوره على تحريض المجتمع الاسرائيلي وتوزيع اكثر من 200 الف قطعة سلاح على المستوطنين، حاثا اياهم على قتل جميع الفلسطينيين دون تمييز بما في ذلك الاطفال لانهم سيكبرون ويقاتلونهم، موظفين مفاهيم الحرب الدينية ومطوعين نصوص التوراة لتصوير الفلسطينيين باعتبارهم خلف العماليق ومطلوب محوهم من تحت السماء. هذا التحريض المشين يشمل الفلسطينيين في الـ 48 و67.
ولكن، وعلى الرغم من كل حملات الاعتقالات والمداهمة والتنكيل، فقد حاول بعض الشباب المقاومين، لا سيما المنتمين الى الفصائل تنفيذ عمليات فردية أو ثنائية، بعضها نجح، وبعضها تم إجهاضه بسرعة، وما زال جيش الاحتلال ينكل بالفلسطينين ويعتقلهم إداريا دون توجيه تهم او محاكمات ويعاملهم في الاسر معاملة ثأرية متوحشة لا تقل في إجرامها عن ممارسات النازيين في معسكرات الاعتقال، وما زال دور سلطة التنسيق الأمني محبطا ولا يقل في تأثيره السلبي عن مجمل سياسات الاحتلال في غياب أي قيادات قادرة على تحدي النهج القائم وتصحيح مسار السلطة.
ثانيا: محور المقاومة
1. حزب الله: جاء طوفان الاقصى ونداء الضيف في توقيت بالغ الحرج بالنسبة لحزب الله، فلبنان ومنذ أربع سنوات منهار اقتصاديا (بفعل مؤامرة مشتركة بين الامريكيين والقيادات اللبنانية الفاسدة)، وممزق سياسيا بين أمراء الطوائف وارتهاناتهم للقوى الخارجية، وبلا رئيس دولة، وبلا تحديد لهوية قائد الجيش المقبل، وتدير شؤونه حكومة تصريف أعمال، والشعب منقسم في ولاءاته العمياء والمصلحية بين الفرقاء السياسيين، ولا إجماع على المقاومة، والإدارة الامريكية وحلفها الاستعماري حركت حاملات طائراتها وغواصاتها النووية وبوارجها الى المنطقة في رسالة واضحة تحذر حزب الله وإيران من توسعة المعركة.
وعلى الرغم من ذلك، ومع أن قرار نصر الله كان أقرب إلى الاختبار العسير، إلا أنه قرر الانخراط في المعركة في اليوم الثاني مباشرة، ولكن ضمن حد أدنى ، وضمن قواعد اشتباك عسكرية محددة تحقق وظيفة الإشغال لجيش العدو، ولكن ليس وظيفة التأثير أو الحسم، في محاولة لإمساك العصا من المنتصف.
في الوقت ذاته، فإن حسن نصر الله حرص على إبقاء خياراته مفتوحة ومرتبطة بسير المعركة على الأرض بالنسبة للمقاومة، لأنه يدرك تماما أن سقوط المقاومة الفلسطينية معناه الالتفات فورا إلى حزب الله إما بحرب ضروس وإما بصفقة سياسية إجبارية تجرده من سلاحه، لأن إسرائيل لا يمكن أن تسمح باستمرار حزب الله كتهديد استراتيجي لها في الشمال.
خيارات نصر الله تبقى أكثر ما يقلق أميركا وإسرائيل، علما بأن حزب الله يملك طيفا واسعا من البدائل في حال قرر التصعيد لنصرة المقاومة في غزة، لا سيما بوجود عناصر من الفصائل الفلسطينية والعراقية في الجنوب تنتظر كلها الفرصة للانخراط في عمليات نوعية توجع الاحتلال.
2. إيران: هي بدورها في وضع لا تحسد عليه، فهي منهكة بحصار اقتصادي خانق فرضته عليها اميركا منذ عقود، وتعاني من انقسامات داخلية وصراعات أهلية متلاحقة منذ سنوات جراء الحكم الثيوقراطي الذي يحرم الشعب من كثير من حقوقه، لا سيما النساء والأقليات، وملفها النووي يراوح في المحافل الدولية بعدما نقض الرئيس الأميركي السابق ترمب الاتفاقية التي عقدها سلفه، وعلاقاتها مع محيطها العربي متوترة، وإن كانت الصين قد نجحت في تحقيق انفراجة محدودة مع السعودية، بل إن جوارها العربي كان قد قرر الانخراط في حلف امني شرق أوسطي مع كل من اسرائيل واميركا في مواجهتها، وهو ما سمي في حينه بالناتو الشرق الاوسطي، وهو الحلف الذي سرعان ما تبين بعد طوفان الأقصى أنه حلف للقضاء على محور المقاومة كله على دفعات، وصولا إلى الجائزة الكبرى: إيران.
ولا أدل على ذلك من إرسال الحلف الاستعماري الذي تشكل على الفور إثر طوفان الأقصى بأطنان من المساعدات العسكرية الى اسرائيل، فاميركا ارسلت بارجتين : فورد وايزنهاور بالاضافة الى غواصة نووية وقوات الدلتا ومرتزقة من شركات أمنية، بالاضافة الى سرب من طائرات A-10التي وصلت الى قاعدة الظفرة في الإمارات لدعم إسرائيل وردع أي هجمات، وبريطانيا ارسلت سفينتين حربيتين وطائرات هليكوبتر ومراقبة، في حين أرسلت المانيا وفرنسا وايطاليا وهولندا مالا ورجالا وسلاحا ومستشارين ومقاتلين ومسيرات ومرتزقة أمنيين، وتستعد لإرسال ذخيرة للسفن الحربية، علما بأن حاملة الطائرات جيرالد فورد هي احدث حاملات الطائرات النووية الامريكية، ومعها 4 الى 6 مدمرات وطرادات عادة، وعليها نظام الدفاع الصاروخي اجيس، ووجودها المعلن يأتي من أجل تأمين المجال الجوي الاسرائيلي من اي ضربات مفاجئة يمكن ان تأتي من ايران، في حين أن هذه التحشدات في الواقع تستهدف إرهاب إيران وحلفائها وتحذيرهم من توسعة المعركة.
إيران، وبسبب حساسية موقفها إزاء كل ما تقدم، واستهدافها من قبل أميركا وإسرائيل ومجموعة السبعة الكبار، أعلنت مرارا أنها لم تعرف بالطوفان ولن تشارك فيه، ولكنها أبقت الاحتمالات مفتوحة امام حلفائها في حركات المقاومة لاتخاذ قرارات لا مركزية بالانخراط كل من موقعه وحسب ظروفه، ولكنها تدرك تماما أن الدور قادم عليها في حال سقوط المقاومة في فلسطين ولبنان، وتدرك أن ما يحدث في غزة الآن مصيري بالنسبة لمحور المقاومة كله.
3. سوريا: نظام الأسد في أسوأ حالاته، فالبلاد تمزقها صراعات أهلية لم تهدأ، وباتت مرتعا لقوى الاحتلال في شمالها وشرقها وجنوبها، وثرواتها النفطية تحت سيطرة تنظيم قسد والأمريكيين، ومنظومة الدفاع الجوي تم تدميرها، والجيش عرضة للاستهدافات من كل الأطراف وعلى رأسها إسرائيل، والاقتصاد في الدرك الأسفل ومعه العملة النقدية والمعنويات، والساحة مستباحة من كل استخبارات العالم بعدما باتت مسرحا لحرب بالوكالة منذ عام 2011.
الساحة السورية غير مرشحة لانخراط جدي في المعركة، ما لم يأت ذلك الانخراط من خلال المقاتلين العراقيين والفلسطينيين الذين قد يسمح لهم النظام السوري باستخدام الحدود مع الجولان المحتل قاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل.
هذا التدخل لن يحدث إلا في حال استشعر المحور أن المقاومة في غزة ستهزم، وان التحالف الغربي سيفرض أجندته السياسية على القطاع وعموم فلسطين المحتلة والمنطقة ما بعد تفكيك المقاومة.
4. العراق: ليس أحسن حالا من سوريا ولبنان، فالانقسامات الطائفية تأكل نسيجه السياسي والاجتماعي، وفساد المليشيات وبطشها دمر اقتصاد البلاد وزعزع أمنها الداخلي وفتت وحدتها، وأضعف الروح المعنوية للشعب بعدما مزقه الى شيع وأحزاب يحارب بعضها بعضا. كما أن العراق لا يملك صواريخ بالستية يمكنها أن تطال أهدافا في إسرائيل.
ومع ذلك، فإن بعض الجماعات المسلحة كالمقاومة الاسلامية في العراق أعلنت نصرتها لغزة، وشنت بدورها سلسلة من الهجمات بالمسيرات والصواريخ والقذائف على قواعد عسكرية امريكية في العراق وسوريا ضمن رسائل تحذيرية متصاعدة الوتيرة، كما أعلنت فصائل أخرى استعدادها للانخراط في حرب التحرير الكبرى ومنها عصائب اهل الحق وكتائب حزب الله وقوات بدر، ولكن الفعل على الساحة العراقية لم يتجاوز حيز التضامن إلى حيز التأثير حتى اللحظة.
وتحرك مئات المقاتلين العراقيين الى سوريا ولبنان في حين احتشد الاف منهم على الحدود مع الاردن، وإن كانت حركة المقاتلين باتجاه الجولان ومزارع شبعا المحتلين مفهومة في اطار الاستعداد لتنفيذ عمليات فدائية عبر الحدود توجه ضربات مباغتة الى مدن الشمال وشمال الشرق الاسرائيلية، فإن التحشدات على الحدود الأردنية ما زالت رسالة غامضة غير واضحة الدلالات.
5. اليمن: جاءت استجابة حركة أنصار الله وجيش صنعاء واضحة منذ الدقائق الأولى، حيث هدد أنصار الحوثي بانخراطهم في المعركة في حال تدخلت الإدارة الامريكية في الصراع، ثم سرعان ما تطور ردهم الى ارسال صواريخ ومسيرات لم ينجح معظمها في إصابة أهدافه بعد ان تم اسقاطها من دفاعات جوية عربية وإسرائيلية وأمريكية، ثم تطور المشهد الى الاستيلاء على سفينة مالكها اسرائيلي، ثم إصابة سفينتين اخريين اسرائيليتين بعد تحذيرهما بعدم المرور، واطلاق صواريخ باتجاه المدمرة الأمريكية كارني. وهذه الرسائل مجتمعة تهدف الى تحذير التحالف الاسرائيلي الغربي بان الحوثي لو شاء بوسعه ان يشل حركة التجارة في باب المندب والبحر الأحمر وبحر العرب.
ولكن، ورغم صدق النوايا للأشقاء اليمنيين، فإن بعد المسافة وضعف الإمكانات بعد 13 عاما من الحرب الأهلية الطاحنة والحرب ضد التحالف الخليجي بقيادة السعودية والامارات وجنود المرتزقة، تجعل من العسير على اليمن تحقيق أثر حاسم، علما بأن مشاركة جيش صنعاء التضامنية لم تبلغ ذروتها بعد، وما زالت احتمالات الفعل اليمني مفتوحة، ولكنها محفوفة بالمخاطر، لا سيما بعد ارسال كل من اميركا وبريطانيا بأساطيلهما الى المنطقة، وهو الامر الذي يهدد بمآلات صعبة في حال تطورت المشاركة اليمنية الى حالة أعلى يمكن أن تسبب تهديدا حقيقيا للمصالح التجارية للحلف الاستعماري الغربي.
ثالثا: الأردن: منذ الساعات الأولى لنداء الضيف الذي تلاه نداء لأبي عبيدة حمل نفس المضمون، تحركت حشود جماهيرية باتجاه محيط السفارة الاسرائيلية ونحو الحدود مع إسرائيل، ولكنها جوبهت بسياسة أمنية صارمة منعت حتى الاقتراب من صرح الجندي المجهول في الكرامة، وسرعان ما تطور العمل الشعبي العفوي إلى عمل منظم تحت قيادة الحركة الإسلامية والملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن وأحزاب وحراكات أخرى انخرطت في الدعوة الى تظاهرات يومية حاشدة في مواقع متعددة في عمان وباقي المحافظات، ولكن هذا المد الجماهيري الذي بدأ بشعارات "افتح الحدود"، ثم تطور إلى هجمات عفوية على السفارة الاسرائيلية يوم مجزرة المعمداني، ثم تحول الى طوفان غضب شعبي جارف في مواجهة السفارات الاستعمارية الشريكة في العدوان وعلى رأسها الامريكية والبريطانية والفرنسية، فإنه وإن كان قد نجح في توجيه الخطاب السياسي الرسمي وحقق بعض مطالبه كإلغاء القمة الرباعية وسحب السفراء وتجميد توقيع اتفاقية الماء مقابل الطاقة، إلا أنه وبعد 8 أسابيع من الحرب لم يعد قادرا على تطوير أدائه لتحقيق مزيد من الإنجازات، وما زال يراوح في خانة التنفيس عن الغضب أو التعبير عن التضامن بلا أثر سياسي حقيقي قادر على وقف العدوان وفتح المعابر وإيصال المساعدات التي تمكن أهل غزة من الصمود في مواجهة سيناريو الابادة فالتهجير فسرقة الارض والثروات.
هذا لا ينفي أن حملات الإغاثة وجمع التبرعات قد حققت نتائج جيدة بالقياس الى الظروف الصعبة لشعب مدين في معظمه واقتصاد قائم على المنح والمساعدات ، بل إن رأس الدولة قد أقدم على مبادرات إغاثية جوية، عدا عن إرساله مستشفى ميدانيا ثانيا الى جنوب غزة، بعدما حاصرت إسرائيل الاول في الشمال وقطعت السبل إليه، بل وقصفت محيطه متسببة في إصابات لبعض العاملين فيه.
الأردن، ورغم أدائه الدبلوماسي الجيد في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وقمة القاهرة للسلام والقمة العربية الاسلامية في الرياض، ورغم الحراك السياسي للملك عبد الله الثاني مع قادة الدول للمطالبة بوقف العدوان وإدخال المساعدات، إلا أنه لم يستهلك أدوات الفعل السياسي الكثيرة المتاحة أمامه، وما زال يبحث عن حلف يعمل من خلاله، وهذا الحلف للأسف غير متوفر حتى اللحظة، في ظل الانقسامات العربية والإسلامية المخجلة، والهرولة نحو التحالف مع إسرائيل وليس مجرد التطبيع معها، وفي ظل الانحياز الغربي الأعمى لإسرائيل، وفي ظل رفض الساسة الاردنيين مغادرة المربع الأزلي الذي تقبع فيه السياسة الاردنية ضمن تحالفات بات واضحا تماما أنها هي ذاتها من يناصب الاردن والأمة العداء، والغريب ان كل ما يحدث، لم يكن كافيا حتى اللحظة لتحقيق استدارة حقيقية في سياسة الأردن الخارجية.
ومع ذلك، فإن الأردن مرشح لفعل أهم وأكبر في حال فكر خارج الصندوق، وسعى إلى إنشاء حلف جديد مع قوى مثل تركيا والباكستان وإيران وماليزيا، ومن خلفها روسيا وربما الصين، تلتحق به دول مثل سوريا ولبنان والجزائر والعراق، بالإضافة الى دول في افريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا، ويمكن لهذا الحلف إن تشكل ان يصبح اللاعب الموازي للتحالف الغربي الاستعماري الداعم لإسرائيل.
ولكن، يبدو أن هذا السيناريو مستبعد، ليس لأنه غير ممكن، ولكن لأن خيال اللاعبين السياسيين ما زال محدودا بأطر الماضي غير قادر على صناعة مربع جديد للعب أو حتى المناورة.
رابعا: مصر: دور مصر السيسي مؤسف جدا، فهي مشارك في الحصار مع إسرائيل منذ نهاية 2006، والسيسي ينظر الى حماس باعتبارها حركة متطرفة إرهابية وامتدادا لفكر خصومه في حركة الإخوان المسلمين، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية الناجمة عن سوء الادارة لأموال المصريين وأموال المنح والمساعدات، والحكم الفردي الذي جرف كل القوى السياسية والحزبية والنقابية والحراكية وحتى العسكرية والأمنية والاجتماعية في المجتمع المصري، فإن مصر غير مؤهلة للعب أي دور إيجابي تجاه غزة والقضية الفلسطينية، بل إنها مرشحة لمزيد من الأدوار السلبية ومن المتوقع ان تحارب بقوة إعادة تأهيل وفتح ميناء غزة، وأن تنخرط بقوة في مشاريع مثل إقامة مدينة على الحدود تتيح لأهل غزة الاقامة فيها والعمل دون تأشيرات، وهو العرض الذي كشف عنه زياد نخالة أمين عام حزب الجهاد في مقابلة تلفزيونية مع قناة الميادين، والشعب المصري يتعرض منذ أكثر من عقد من الزمان لحملات بروباغندا إعلامية ممنهجة عبأته ضد الفلسطينيين وحماس وغزة، وفي ظل ارتفاع نسب الأمية فإن تأثير تلك الحملات بالغ الخطورة، وباستثناء خروج بعض التظاهرات الداعمة لفلسطين والتي ووجه بعض المشاركين فيها بالقمع والاعتقالات، وبعض الموجات العاطفية في البرلمان المصري التي فوضت السيسي بخوض الحرب، فإن الساحة المصرية بقيادتها الراهنة غير جاهزة لتقديم دعم حقيقي، بل إنها ترفض حتى مرور المساعدات متذرعة بأنها ستقصف من إسرائيل، على الرغم من قرارات القمة العربية الاسلامية في الرياض التي حثت مصر على ادخال قوافل المساعدات بدعم عربي كامل لها.
خامسا: السعودية: تخوض السعودية بقيادة محمد بن سلمان حربا للتغيير المجتمعي نحو الحداثة والانفتاح منسلخة عن قواعدها الدينية السابقة، وولي عهدها غير معني بالصراع في فلسطين، بقدر ما هو معني بتحقيق الرفاه والرخاء، مع مراعاة أن مشروعه نيوم عليه عشرات علامات الاستفهام، خاصة وأن العطاءات الامنية والتكنولوجية قد منحت لشركات إسرائيلية، وهناك نبوءات توراتية يتحدث بها الحاخامات حول هذه المدينة تحديدا وباسمها هذا ووظيفتها، وهناك وثيقة لوزارة الطاقة الاسرائيلية تتحدث عن مشروع تهجير للفلسطينيين الى مناطق منها نيوم عبر ما يسمى بالكوريدور الاقتصادي الاخضر.
وعلى الرغم من ان السعودية قد أوقفت محادثات التطبيع التي انخرطت فيها منذ عهد الرئيس الاميركي ترمب، احتجاجا على العدوان الإسرائيلي على غزة، إلا أنها تأبى توظيف جزء من إمكاناتها الهائلة لوقف هذه الحرب، علما بأنها قادرة على قلب السحر على الساحر، ولكنها مع الأسف شأنها شأن دول أخرى كالإمارات والبحرين ومصر، وربما جزء من مؤسسة القرار في الأردن، تنظر إلى حماس وحركات الإسلام السياسي بوجه عام باعتبارها خطرا على أنظمة الحكم العربية، وترحب بتفكيك منظوماتها وتسجن قادتها والمتعاونين معها بتهم عدة منها دعم الارهاب او تمويل الارهاب أو الانتماء لتنظيمات إرهابية.
ومن المدهش أن هذه المنظومة لم تدرك حتى اللحظة ان السلام مع إسرائيل بات مستحيلا، لا سيما في ضوء انحراف المجتمع الاسرائيلي بشكل شبه كلي نحو اليمين المتطرف وتضاؤل أصوات اليسار والوسط، ومن المدهش أكثر أنهم لم يستمعوا الى تهديدات المحللين الإسرائيليين عبر الشاشات بأنهم سيفعلون بالعرب ما فعلوه بأطفال غزة، ومن المدهش أنهم لم يقرءوا التوظيف السياسي الخطير لمفاهيم حرب الإبادة الدينية بحق العرب والمسلمين والذي جاء على لسان رئيس الوزراء نتنياهو وحلفائه في حزب الصهيونية الدينية، ولم يفهموا إقدام بعض المرتزقة الأمنيين والجماعات المسيحية المتطرفة في اليابان وأوروبا وغيرها على القدوم الى اسرائيل والرقص مع جيشها الفاشي والتوقيع على القذائف التي تطلق لقتل الاطفال والنساء احتفالا بقرب هارماجيدون، اي معركة نهاية التاريخ التي يعود فيها المسيح أو المسايا ليحكم العالم!
سادسا: تركيا: يعاني الرئيس اردوغان الحليف السياسي لحركة حماس والاخوان المسلمين من ظروف اقتصادية صعبة وانهيار في سعر الليرة بفعل الحرب الخفية التي شنتها عليه اميركا وحلفاؤها الخليجيون والاوروبيون وكوارث طبيعية أخرى كالزلازل، ووضعه الداخلي صعب في ظل انقسامات حادة بين الاحزاب وتراجع الدعم الشعبي الذي كان يحظى به في السابق، وصعود نجم العلمانيين مجددا مدعومين بالجيش الذي ما زالت قياداته معادية لحزب العدالة والتنمية رغم محاولات التصحيح طيلة العقد الماضي.
وتركيا باعتبارها عضوا أساسيا في الناتو، ولديها مشروعات لم تتخل عنها بعد بالانضام الى الاتحاد الأوروبي، فإن انخراطها في نداء الضيف يغدو شبه مستحيل، ولكن المدهش أن اردوغان الذي يتمتع بقدرة فائقة على التنسيق الدبلوماسي والسياسي مع قوى متناقضة كما فعل في الحرب الروسية الاوكرانية لم يفكر حتى اللحظة في بناء تحالف جديد للتصدي للحلف الاستعماري الذي يستهدفه كما يستهدف المنطقة العربية والمنظومة الإسلامية كاملة، ويبدو أن السن له دوره، وخروج بعض القيادات السياسية الهامة من حزبه، ربما أضعف القدرة على تقديم حلول خارج الصندوق. عموما، تركيا مرشحة للعب دور في سيناريوهات ما بعد الحرب، أكثر منها للعب دور في مسار الحرب.
سابعا: روسيا: تشير مصادر مقربة من ادارة بوتين الى ان موسكو احتفلت يوم السابع من اكتوبر، وان الرئيس بوتين قال: "ربما أخطأنا القراءة، وبوابة النظام العالمي الجديد ستكون غزة وليست اوكرانيا"، كما تشير مصادر مقربة من حماس الى أن الرئيس بوتين قال لهم: "اطلبوا مني ما تشاؤون"، فطلبوا أسلحة، ولكن هذا الطلب لم يعرف مصيره بعد، على الرغم من انتشار بعض الشائعات حول ارسال اسلحة نوعية الى جبهة الجولان السورية وتحرك بعض مقاتلي قديروف الى هناك، ولكن الثابت ان بوتين وعد حماس بدعم في مجلس الامن وأنه لن يسمح باستصدار قرارات ضد المقاومة الفلسطينية فيه.
روسيا مرشحة للعب أدوار أكبر في قادم الأيام إن طال زمن هذه الحرب ولاحت ملامح انتصار للحلف الأمريكي في إعادة رسم خرائط المنطقة وترتيباتها السياسية والأمنية، وفي مواجهة مجموعة السبعة الكبار الاقتصادية ودول حلف الناتو العسكري الذي هرع لنجدة اسرائيل منذ السابع من اكتوبر ( ان استثنينا ثلاث دول فيه)، وهي تملك الكثير من الاوراق القادرة على تغيير المآلات السياسية المترتبة على معركة طوفان الأقصى، ولكن ارتباطها التاريخي والسياسي بإسرائيل، وارتباط نخبها الاوليجاركية بالمصالح الاسرائيلية ما زال عنصرا يبطئ فعلها في هذا الصراع، رغم توتر العلاقات المحدود مع حكومة نتنياهو إثر إعلان دعمها لأوكرانيا، ولكن الثابت أنها لن تقبل بأن يرسم خصومها ملامح المرحلة المقبلة في منطقة تعتبرها حديقتها الخلفية.
في ضوء هذه القراءة، فإن الساحة الإقليمية تبدو مرتبكة ومنقسمة وغير جاهزة لاحتضان نداء محمد ضيف، واللاعبون السياسيون بعضهم لا يستطيع وبعضهم الاخر لا يريد اقتناص الفرصة التي قدمتها القسام لإعادة البوصلة الى فرض حل سياسي شامل يعيد للفلسطينيين حقوقهم المشروعة، ولكن، ومع استمرار حرب الإبادة البشعة ضد غزة، فإن الدم الطاهر الذي ينزف من عروق أطفال ونساء فلسطين يبقي كل الاحتمالات مفتوحة، في ضوء تغيرات ملحوظة في اتجاهات الرأي العام الدولي لصالحهم ستواصل الضغط على عواصم القرار، وفي ضوء صمود المقاومة الاسطوري وقدرتها على الحاق الخسائر العسكرية الباهظة بالعدو، وصمود أهل غزة على أرضهم رغم المحرقة، وفي ضوء حسابات محور المقاومة ومن خلفه روسيا وربما الصين ضمن ترتيبات النظام العالمي الجديد التي لم تحسم بعد.