ليبيا: مبادرة باتيلي تصطدم بخلافات الزعماء
الشريط الإخباري :
ما زالت مبادرة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة عبد الله باتيلي تواجه صعوبات جراء تلكؤ بعض الأطراف الليبية في الاستجابة لدعوته إلى اجتماع لما بات يُعرف بـ”الخماسي”. ويتألف الخماسي من الفرقاء الرئيسيين الخمسة في الصراع الليبي – الليبي، وهم المجلس الأعلى للدولة ومجلس النواب والمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية والقيادة العسكرية في المنطقة الشرقية. وبمقتضى هذه المبادرة الأممية سيتم التمهيد للاجتماع رفيع المستوى، بلقاء تحضيري، يتم فيه تحديد ميقات ومكان الاجتماع وجدول أعماله.
في هذا الإطار سيتم إسناد 13 مقعدا للمجلس الأعلى للدولة ومثلها لأعضاء البرلمان، و3 للمجلس الرئاسي، ومثلها لحكومة الوحدة وللقيادة العسكرية في الشرق (خليفة حفتر). على أن مبادرة الأمم المتحدة الجديدة، أعادت الجدل إلى المربعات الأولى، أي إلى سؤال الشرعية، ففيما اعتبر رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ان الحكومة الموازية برئاسة أسامة حماد، والمنبثقة من البرلمان، هي من لها شرعية الجلوس على مقعد الحكومة، رأى الممثل الخاص للأمين العام رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبد الله باتيلي، أن الحكومة المعترف بها دوليا، برئاسة عبد الحميد الدبيبة هي صاحبة الشرعية.
والخلاف أبعد من ذلك، فهو يتعلق بقوانين الانتخابات، التي أعدتها لجنة 6+6 والتي يعارضها المجلس الأعلى للدولة وحكومة الوحدة الوطنية، فيما يؤكد الطرف المقابل على ضرورة الالتزام بها "بلا تغيير” معتبرا رفض العمل بها، "غير معقول وغير مقبول”. ومن رأي عقيلة صالح أن أهم ما ينبغي أن يُركز عليه جدولُ أعمال اللجنة رفيعة المستوى، هو العمل على تشكيل حكومة مصغرة، مهمتها الوحيدة تنفيذ قوانين الانتخابات. وبتعبير آخر فإن عقيلة يعمل على تقويض حكومة الدبيبة، الذي سبق أن تعهد، أكثر من مرة، بأنه لن يُسلم السلطة إلا لحكومة منتخبة. وأتى هذا الموقف في أعقاب جولة لعقيلة قادته إلى كل من الرباط، حيث اجتمع مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، والقاهرة حيث التقى رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة.
ومن غير المُستبعد أن يكون المغاربة يحملون رؤية للخروج من التعطل الحالي للمبادرة، وأنهم ناقشوا هذا الأمر مع عقيلة صالح. ولئن لم يُعرف فحوى تلك اللقاءات في هذا التوقيت، فالأرجح أن مصر والمغرب يلعبان دورا من خلف الستار لدعم موقف رئيس مجلس النواب. أما الموقف الأوروبي فيسعى إلى تأمين حضور جميع الأطراف، من ذلك أن السفير الألماني لدى ليبيا، ميخائيل أونماخت انتقل إلى بنغازي، حيث اجتمع مع اللواء المتقاعد حفتر، وحضه على حضور الاجتماع المُقترح، والتخلي عن اعتراضه على دعوة تكالة. وصرحت أوساط حفتر، بعد الاجتماع بأن ممثلي الجنرال لن يشاركوا في أي حوار لا تُدعى إلى المشاركة فيه حكومة أسامة حماد الموازية.
بالمقابل أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الدبيبة أنه سيستجيب لدعوة باتيلي للمشاركة في اجتماع الفرقاء الرئيسيين، من أجل حلحلة الأزمة السياسية، بإيجاد حلول للقضايا الخلافية، التي تدور أساسا حول المرجعية القانونية للانتخابات. إلا أن الدبيبة وضع أربعة شروط اعتبرها ضرورية لنجاح المبادرة الأممية، أولها تشكيل هيئة عليا للإشراف على الانتخابات، تشارك فيها جميع الأطراف الأمنية والعسكرية، من كل المناطق الليبية، للخروج من أزمة تأمين الانتخابات، في ظل الانقسام الحاصل حاليًا. ويتنافى هذا الشرط مع وجود مفوضية وطنية عليا للانتخابات لا يختلف دورها عن الهيئة التي يطالب الدبيبة بإحداثها.
وثاني الشروط هو أن تتمحور النقاشات والحوارات حول هدف واحد، وهو الوصول إلى أساس قانوني دستوري متين، لا يضمن فقط انطلاق العملية الانتخابية، بل يضمن كذلك نجاح الانتخابات واستمرار حالة الاستقرار، على ما قال الدبيبة في كلمة مسجلة، نشرها عبر صفحة الحكومة على "فيسبوك”. وهذا أيضا كلامٌ قد يتفق عليه الجميع نظريا، لكنه لا يغير من واقع الانقسام شيئا.
ويتمثل الشرط الثالث، حسب الدبيبة، في رفض ما وصفها بـ”المسارات الجانبية” مُشددا على أن أي مسار يؤدي إلى مرحلة انتقالية جديدة، هو مضيعة للوقت، ومرفوض من الشعب الليبي، أي من حكومته. وهذا يعني أن حكومة الوحدة ستبقى إلى الانتخابات المقبلة، ولن تُسلم مقاليد السلطة إلا للحكومة التي ستُفرزها الانتخابات. وحمل الدبيبة على من سماها "أطرافا معينة” قال إنها تقوم، بعد كل اتفاق سياسي، وتوحيد للحكومات، بفرض الانقسام من جديد، من خلال أجسام وهمية موازية، لغرض الابتزاز السياسي والمالي. أما الشرط الرابع الذي وضعه الدبيبة، فيتمثل في أن تكون القوانين الانتخابية عادلة ونزيهة، من دون أحكام انتقائية أو مواد "مصممة على مقاس أحد أو إقصاء لأي طرف” وهو شرط غامضُهُ أكبر من واضحه.
والأرجح أن الدبيبة يقصد أولئك الذين اعترضوا على ترشُح سيف الإسلام معمر القذافي واللواء المتقاعد حفتر للرئاسة قبل إلغاء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة للرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2021 وتقرر إلغاؤها في اللحظة الأخيرة، من دون شرح الأسباب رسميا.
هدم الثقة
لم تكن تلك الانتخابات الأولى التي يتم إرجاؤها إلى تاريخ غير محدد، إذ كان مقررا إجراء أول انتخابات رئاسية في تاريخ ليبيا يوم 10 كانون الأول/ديسمبر 2018. غير أنها أرجئت إلى أوائل 2019 وكانت ستعقُبُ الانتخابات الرئاسية، انتخاباتٌ نيابية، كان مفترضا أن تُجرى في مُفتتح العام 2022 قبل أن تُؤجل بدورها إلى تاريخ غير مُسمى. ومن شأن هذه التأجيلات المتكررة هدم الثقة بين جمهور الليبيين والمؤسسات السياسية، وتنامي الغضب على الطبقة السياسية برمتها. ومن هذه الزاوية يمكن فهم قلة الحماسة للمبادرة، التي وصفها البعض بأنها تقاسم للكعكة بين أمراء الحرب، الذين عطلوا الحل السياسي حتى اليوم، لغرض في نفس يعقوب.
وهناك من يعتبر أن اختصار الجدل العقيم بين من هم مع المبادرة ومن هم ضدها، يكون بقصر المشاركة في الاجتماع رفيع المستوى، على الفريقين الرئيسين مجلس النواب برئاسة عقيلة والمجلس الأعلى للدولة برئاسة تكالة.
في السياق اعتبر المحلل السياسي الليبي صلاح البكوش أن الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وهو قيادي سابق في حزب العدالة والبناء ذي الميول الإخوانية، هو الماسك بزمام الأمور، وهو الآن منسجم مع غريمه السابق عقيلة صالح.
في المقابل، هناك من يرى أن خلف ستار هذا الجدل الليبي/الليبي يقف ممثلو دول لا تريد حلا سياسيا في ليبيا. كما يُقلل آخرون من الوزن السياسي والاجتماعي لبعض الأطراف المدعوة للمشاركة في الاجتماع، أسوة بالمجلس الرئاسي، الذي لا حول له ولا قوة في هذه المعركة السياسية. وستكون الاستجابة للدعوة، التي بعث بها باتيلي إلى أطراف الخماسي، للمشاركة في الاجتماع التحضيري للقمة الخماسية، أو رفض الاستجابة للدعوة، محكا و”بروفة” لمدى نجاح المبادرة برمتها. علما أن مجلس النواب والحكومة المكلفة من قبله، سبق أن أعلنا رفضهما المبادرة، متحفظين على تجاهل المبعوث الأممي للحكومة المكلفة من المجلس، وعلى توجيه الدعوة إلى الدبيبة، وأيضا على إصرار البعثة على مراجعة القوانين الانتخابية. ومن الواضح أن الأوروبيين يستعجلون عقد اجتماع اللجنة رفيعة المستوى، وهو الموقف الذي نقله سفير الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا نيكولا أورلاندو، مباشرة إلى باتيلي.
وبالرغم من أن الحكومة الموحدة المأمولة لم تبصر النور بعد، فإن اتفاقية عدم الاعتداء المتبادلة، المبرمة بين المعسكرين المتنافسين، الغرب والشرق، تسمح بقدر معين من الهدوء والاستقرار. ولا أحد يتوقع أن تقود تداعيات الخلاف الحالي على القوانين الانتخابية، إلى لجوء طرف من الأطراف إلى استخدام العنف مجددا، إذ أن هناك قرارا دوليا بمنع عودة ليبيا إلى الحرب.
تداخلات موسكو
كان لافتا أن رئيس المجلس الأعلى للدولة محمد تكالة دعا روسيا لأن "تلعب دور الوسيط في ليبيا، عبر علاقاتها الواسعة” على ما قال، مؤكدا على أهمية أن تكون تداخلات موسكو في ليبيا إيجابية، و”عدم تغليب طرف على آخر”. كما طلب تكالة تعزيز التعاون الاقتصادي بين ليبيا وروسيا في مجالات الطاقة والصحة والتعليم العالي والزراعة والسياحة، ومجالات أخرى.
وكان تكالة يتحدث إلى قناة روسية من موسكو التي زارها الأسبوع الماضي، مؤكدا أن تحقيق السلام في ليبيا يتطلب "زرع الثقة بين جميع الأطراف” عبر التوافق في ما بينها، وإجراء الانتخابات بناء على قوانين توافقية، وبشكل يرضي الأطراف كافة، لتجديد شرعية المؤسسات الموجودة حاليا في المشهد. وكان القائد العسكري للمنطقة الشرقية اللواء حفتر زار موسكو في اواخر أيلول/سبتمبر الماضي، حيث استقبله للمرة الأولى الرئيس فلاديمير بوتين. وتلعب روسيا أدوارا كبيرة في غرب أفريقيا وفي ليبيا من خلال قوات "فاغنر” التي اتخذ منها حفتر رأس حربة، في هجومه على طرابلس، الذي انتهى بهزيمة عسكرية في ربيع 2020 .
وما من شك بأن موسكو مهتمة بالجدل الراهن حول الانتخابات لأنها تأمل بإفساح المجال للترشح أمام حليفها الآخر سيف القذافي، الذي يتردد أنه مدعوم من قوى قبلية، فيما تعترض قوى أخرى على ترشحه للرئاسة، بالاستناد على قرار قضائي بات في شأنه. ويوجد هذا الخلاف في صلب الصراع الجاري حاليا، والذي يتعلق بمدى شرعية ترشح كل من سيف القذافي واللواء حفتر. ففي أعقاب نقاشات ومجادلات طويلة، بات من الضروري الحسم بين السماح أو عدم السماح لفئتين بالترشح، وهما العسكريون وحملة الجنسية الأجنبية. وكان حفتر أحد الذين ينطبق عليهم هذا الاستثناء.
غير أن مجلس النواب أدخل تعديلات على مشاريع القوانين الانتخابية لتيسير الترشح لفئات عديدة. ويُعتبر هذا مصدرا أساسيا من مصادر الخلاف العويص الجاري حاليا. ومن أصل مئة مترشح في 2021 برزت أسماء أربع شخصيات، هي قطب الرحى في العملية الانتخابية المرتقبة متى ما انطلقت، وهم حفتر وسيف القذافي والدبيبة وعقيلة صالح، الذين ستكون المنافسة بينهم على أشد ما تكون، هذا إذا ما تحرك فعلا قطار الانتخابات المُعطل منذ 2014.
وشيد خشانه