فوضى تسود مجلس الحرب الصهيوني ..
الشريط الإخباري :
في اليوم الثالث بعد المائة من الحرب على غزة، تتزايد حالة الفوضى والخلافات داخل مجلس الحرب، ومعها تتزايد الشكوك بها وبجدواها وحساباتها، وكذلك الدعوات لوقفها من أجل استرداد المحتجزين أولاً.
ويعبّر رسم كاريكاتير في صحيفة "هآرتس”، اليوم الأربعاء، عن الأزمة داخل مجلس الحرب، فتحت عنوان "حرب متعددة الجبهات” تظهر القيادة الإسرائيلية في حالة اقتتال، كل يشير لضرورة الذهاب في اتجاه مختلف.
وتتفاعل حالة الانقسام الداخلي غير المسبوقة في الحروب الإسرائيلية على خلفية استمرار المأزق: الحرب على غزة قد طالت، مكلفة موجعة، وما زالت أهداف استمراريتها غير معرفة، بلا أفق سياسي. هكذا أيضاً رسم كاريكاتير في "يديعوت أحرونوت”، اليوم، وفيه تظهر صورة "خطة الحرب” بثلاثة مركبات: الأول حملة برية، الثاني احتلال غزة وتقطيع أوصالها، أما في البند الثالث فيبدو نتنياهو ولسان حاله يقول: لا أعرف.
ومما يؤجج الأزمة وحالة الارتباك تصاعد الشكوك بنوايا وحسابات نتنياهو، الساعي لإطالة عمره السياسي من خلال جعلها حرباً مفتوحة، وربما مع "حزب الله” أيضاً، ولجانبها المخاوف من انفجار أكبر داخل الضفة الغربية المحتلة، واستمرار التوتر بين نتنياهو والرئيس الأمريكي بايدن، وهذا التوتر يخشاه معظم الإسرائيليين.
محلل إسرائيلي: إن أحداً من المسؤولين الرسميين لم يسأل كيف حدث أنه كلما زاد الضغط العسكري زاد موقف يحيى السنوار تصلباً في طرح شروطه
وحسب موقع "أكسيوس”، كان بايدن أقفل خط التلفون في وجه نتنياهو، خلال محادثة بينهما قبل نحو الشهر، بسبب الخلاف على طريقة إدارة الحرب وتهرب حكومة الاحتلال من تلبية طلبات واشنطن بزيادة المعونات الإنسانية، السماح لأهالي شمال القطاع بالعودة، رغم الدعم الواسع غير المسبوق لإسرائيل في هذه الحرب.
في لقاء مع رؤساء الحكم المحلي في منطقة "غلاف غزة”، قال نتنياهو، أمس، إن الحرب ستستمر طيلة العام الحالي، وربما تدخل العام 2025 أيضاً. تثير تصريحات نتنياهو المتكررة شكوكاً في الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، بوجود حسابات سياسية حزبية وشخصية ترتبط بالبقاء في الحكم، غير مكترث بصيرورة الحرب وكلفتها. ولا شك أن صواريخ "حماس” من مركز غزة نحو مستوطنة أوفكيم، أمس، تساهم في تشكل وعي إسرائيلي يشكّك بجدوى الحرب وروايتها الرسمية، وتفاقم حالة الإرباك والخلافات الداخلية أيضاً، لا سيّما أن بعض الجهات الحكومية دعت، قبل يومين، سكان "غلاف غزة” للعودة لمنازلهم، وقوبلت بالرفض.
حرب استنزاف
وبما يتعلق بالسؤال الجوهري حول مستقبل الحرب على غزة، يشهد مجلس الحرب نقاشاً متزايداً وسط تساؤلات عن بقاء "الحزب الدولاني”، برئاسة بيني غانتس، داخل هذا الائتلاف المتهم بالفشل من قبل إسرائيليين كثر.
رغم مرور 103 أيام من الحرب على غزة، يرفض نتنياهو مجرد التداول بسؤال اليوم التالي للحرب، وتحديد أهداف عملية لتتمة الحرب، كما يعبّر رسما الكاريكاتير اليوم، وهذا مردّه إلى عدة عوامل: الخوف من استعادة وحدة القطاع والضفة، ومن طرح تسوية الدولتين من خلال عودة السطة الفلسطينية لغزة، واستبعاد يوم الحساب الداخلي، والخوف من تهديد بن غفير وسموتريتش بتفكيك الائتلاف إذا ما تم وقف الحرب، أو التباحث به الآن.
ويساند عددٌ كبير من الوزراء نتنياهو في موقفه، وآخرهم وزير التربية والتعليم يوآف كيش، الذي قال للإذاعة العبرية، اليوم، إنه "يحظرعلينا وقف الحرب من أجل التفاوض واستعادة المحتجزين. الطريق لاستعادتهم فقط تتم بالضغط العسكري، والنفس الطويل ينطوي على جدوى لنا”. وهذا هو موقف وزير الأمن يوآف غالانت الرافض لوقف الحرب الآن، ويكرر موقفه المعلن بأن الطريق للأهداف المشتهاة يكمن في استخدام القوة فقط، دون أن يقدم توضيحات كيف يمكن فعل ذلك بعد هذه الفترة الطويلة من الحرب، وبعد سحب قوات من القطاع، مثل الفرقة 36 أمس الأول. لكن غالانت، وبخلاف نتنياهو، متطابق مع موقف الجيش الراغب اليوم بتحديد أهداف واقعية للمجهود العسكري المتبقي وترسيم أفق سياسي للحرب يرتبط بالجهة التي ستدير شؤون القطاع ودور الجيش في ذلك وغيره. الجيش الذي كان معنياً، هو الآخرّ، بمسح عار السابع من أكتوبر من خلال حرب شعواء على غزة، يبعث، منذ شهر، وعلى خلفية التجربة الميدانية القاسية، برسائل بضرورة البحث عن مخارج، محذراً من التورط بحرب استنزاف مفتوحة بدون ضوء في نهاية النفق. يواصل الجيش التحذير من استمرار هذه الحالة، ومن تبدّد "مكاسبه الميدانية”، ودخوله في "المراوحة في المكان”، كما قال قائده هليفي.
"حماس” لن تهزم
وينطق هليفي من خلال حنجرة غانتس وايزنكوت الراغبين بجعل استعادة المحتجزين هدفاً أساسياً، حتى بثمن وقف القتال، لا الحرب، لمدة طويلة. وحسب تسريبات صحفية، هناك توتر بين ايزنكوت، وهو قائد سابق للجيش، وغالانت حول إدارة القتال من الناحية العسكرية. كما ينطق الجيش بمخاوفه وطلباته من المستوى السياسي من خلال محللين عسكريين بارزين مؤثرين ومقربين منه.
في مقاله في صحيفة "هآرتس”، يرفع المحلل العسكري عاموس هارئيل اليوم مقدار ووضوح الانتقادات لنتنياهو، ويتهمه بتحاشي صفقة تبادل بدافع سياسي يتعلق بجمهوره، مرجحاً أن لحظة قرار غانتس وايزنكوت حيال البقاء في هذا الائتلاف تقترب. مؤكداً أن مجلس الحرب متمزق ومنقسم حول استعادة المخطوفين، والخطر الذي يتهدد حياتهم يتصاعد مع الوقت.
ويتابع: "ربما يكون انسحاب "المعسكر الدولاني” برئاسة غانتس من الحكومة إيذاناً ببدء موجة احتجاج عظيمة داخل إسرائيل ضد استمرار الحرب بلا طائل”.
ويرى هارئيل أن هدفي الحرب الأساسيين- تفكيك قدرات "حماس” وإنتاج ظروف لاستعادة المخطوفين- ليس فقط أنهما يتصادمان، بل لا يتقاطعان من ناحية الوقت، في هذه الفترة.
فلنحطم هذه الـ "معاً”
وتبعه محرر شؤون الشرق الأوسط في "هآرتس” دكتور تسفي بار إيل، في مقال بعنوان "فلنحطّم هذا الـ "معاً”.. الآن مسموح الخروج للشوارع”، معلّلاً ذلك بالخسائر الموجعة للحرب، ذاكراً عدد القتلى والجرحى والمصابين بالصدمات والنازحين.
وبهذه الروح يحذّر محرر الشؤون الاستخباراتية في "يديعوت أحرونوت” مراسل "نيويورك تايمز” دكتور رونين بيرغمان من التنازل عن المخطوفين، في مقال بعنوان "المغامرة بحياة المخطوفين”. ويرفض بيرغمان الرواية الرسمية التي يرددها نتنياهو وغالانت ومعظم الوزراء بقوله: "منذ 100 يوم بالتمام والكمال وإسرائيل الرسمية تدّعي أن هدف الحرب الأول هو تفكيك قدرات "حماس” هو الذي يدفع نحو الهدف الثاني، تحرير المخطوفين، وخلال هذه الفترة باتت هذه الرواية الرسمية راسخة في وعي المعركة مترددة عل لسان ممثليها، لكن أحداً من المسؤولين الرسميين لم يسأل كيف حدث أنه كلما زاد الضغط العسكري زاد موقف يحيى السنوار تصلباً في طرح شروطه.
بيرغمان: حتى لا يكون هدفا الحرب متصادمين تتمنى إسرائيل أن تحدث عجيبة بعدة مستويات، أن تنجح بتعويض إهمالها الأنفاق المتطورة الخطيرة، وتطوير وسيلة فعالة لتدميرها، والوصول للسنوار دون المساس بالمخطوفين
ويضيف: "في عدد من الحالات تسبّب الضغط العسكري بقتل بعض المخطوفين، وتحدث عددٌ كبير من المخطوفين المحررين عن مخاطر القصف الإسرائيلي اليومي عليهم. الجيش يقول إنه لا يقصف مناطق يتواجد فيها مختطفون، والمشكلة أن الجيش بشكل عام لا يعلم أين هم فعلاً”.
كما يكشف هارئيل أن الجيش يتحدث الآن، للمرة الأولى، عن ضرورة إعادة حساب كل الأمر بعدما باتت احتمالات تخليص مخطوفين ضئيلة.
ويتابع: "فيما تتحدث الحكومة والجيش عن مكاسب عسكرية وجرأة قتالية يسود ضباب حول حالة المخطوفين، وبعد 100 يوم تم تحرير جندية واحدة بعملية تخليص ذكية. أما الضغط العسكري الذي آمن عددٌ كبير من القادة بأنه سيفضي لتحريرهم فهو لا يثمر. داخل المنظومة العسكرية لم يخرج من يوقف هذه المسيرة ويقول إن هذه لا تعمل”.
ويخلص بيرغمان للقول بسخرية : "يقول غالانت إنه إذا توقفت الحرب سيحسم مصير المخطوفين لسنوات طويلة بيد "حماس”. المشكلة أنه حتى لو استمر غالانت بقيادة عملية عسكرية لا أحد يستطيع ضمان أن تنتهي الحرب بفترة قصيرة مع تحقيق أهدافها. عملياً يقول الجيش إنه يحتاج لسنتين لاستكمال العملية هذه، دون أن يوضح ماذا سيجري للمخطوفين في هذين العامين. الهدفان متناقضان. حتى لا يكون هدفا الحرب متصادمين تتمنى إسرائيل أن تحدث عجيبة بعدة مستويات، بأن تنجح بتعويض إهمالها الأنفاق المتطورة الخطيرة طيلة سنوات، وتطوير وسيلة فعالة لتدميرها سراً، بسرعة، وبدون كلفة، والوصول للسنوار دون المساس بالمخطوفين أو الاقتراب منه ما يكفي ليستشعر الضغط عليه، حتى يوقع صفقة تبادل مهضومة، ومن ثم قتله دون أن يضغط على زر المنظومة المفخخة التي يصعد مع انفجارها الجميع للسماء. في مجمل الأمر معقول كفاية”.
لن نهزم "حماس”
وكان الجنرال في الاحتياط يتسحاق بريك، الذي يعرف بـ "نبي الغضب” في إسرائيل، بعدما تنبأ بالسابع من أكتوبر، وأكد، في السنوات الأخيرة، مراراً، أن الجيش الإسرائيلي غير مستعد لأي حرب، قد عاد وقال أمس: "فليفهم الإسرائيليون، لا يمكن لـ "حماس” أن تهزم”. في مقال نشرته "هآرتس”، أمس، يعلل تحذيره مجدداً: "كل من هو راشد ومطلع على حقيقة واقع حروبنا في غزة يفهم ما يفهمه المستويان السياسي والعسكري: لا يمكن القتال داخل مخيمات لاجئين في رفح، على طول الحدود بين القطاع ومصر، دون المساس بالمدنيين الموجودين في أكثر مكان مزدحم في العالم، وكانت إسرائيل قد حشرتهم هناك، ولا يمكن التمييز بين رجل "حماس” وبين مدني أعزل. لا يمكن إلحاق هزيمة بـ”حماس” وينبغي منح استعادة المخطوفين فرصة حقيقية الآن”.
حالياً تستمر غزة الغرق بأمطار كانون الثاني، وبدماء ودموع أهاليها، في حرب تستنزف الغزاة يومياً، تبدو كل الأطراف فيها عالقة، بما في ذلك الدولة الأمريكية العظمى، وتسود إسرائيل حالة إرباك تتجلى في انقسامات علنية داخل مجلس الحرب، ما دفع المعلق السياسي الإسرائيلي الأبرز ناحوم بارنياع لتكريس مقاله، يوم الجمعة، عن ذلك تحت عنوان "الحرب داخل مجلس الحرب”. واليوم الأربعاء، يعبر بارنياع عن ذلك بالتساؤل: مَن حقاً يدير الحرب؟ ويتوقف مجدداً عند حالة مجلس الحرب: نتنياهو لا يعتمد على وزير الأمن، نصف الكابنيت يحسب كل الوقت متى يغادر، وأعضاء في الحكومة غاضبون لمجرد تشكل "مجلس الحرب”، وغالانت لا ينسى منع تعيينه قائداً للجيش ذات مرة، وفوق كل ذلك يخيم التدخل الأمريكي الشاذ”.
ويبدو أن باب الخروج يبدأ بمغادرة غانتس وحزبه ائتلاف نتنياهو، ويبدو أن هذا ينتظر ضوءاً أخضر من الإدارة الأمريكية التي تبدي تململاً علنياً من استمرار الأزمة التي تبدّد ماء وجهها وهيبتها هي الأخرى.
كما يتأثر قرار غانتس بتزايد ضغوط أوساط داخل حزبه بهذا الاتجاه ترى أن الاستطلاعات تبتسم لهم لتحليهم بالمسؤولية والوحدة من جهة، لكنهم لا يؤثرون على قرار الحرب فعلياً.
القدس العربي