صدّق أو لا تصدّق : يحدث في بلدنا

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
حسين الرواشدة
صدّق أو لا تصدّق، بلدنا الأردن، المحدود الإمكانيات، المثخن من الضغوطات والخيبات، يحارب على عدة جبهات : جبهة التهريب والمليشيات على حدوده الشمالية، جبهة الحشد والعمائم السوداء على حدوده الشرقية، جبهة غزة التي أصبحنا طرفا فيها، صدّق، أيضا، بلدنا يخوض مناورات سياسية عاصفة، على جبهة واشنطن التي تتقلب بين ادارتين؛ أحداهما قائمة وأخرى قادمة، واحدة تضع الملفات تحت طاولة التأجيل، وثانية تستعد لإشهارها ومفاجأتنا بها، وعلى جبهة الإقليم الذي تحاول «قُم» أن تختطفه، وعلى جبهة «العمق العربي» الذي لم يبقَ فيه أي «عمق».
 ‏صدّق أو لا تصدّق، منظومة الأمم المتحدة في الأردن (تضم 29 منظمة) تقدم للأردن مساعدات في سياق التنمية المستدامة، بواقع مليار دينار سنويا، عرضت خلال الأشهر المنصرفة برامجها وخدماتها على عدد من المسؤولين الأردنيين، فكان رد معظمهم : نحن مشغولون بالحرب على غزة (!)، تصور أنهم يتحدثون عن الحرب أكثر مما يتحدثون عن الأردن، تصور، أيضا، كيف استغرقنا بانفعالاتنا وقلة حيلتنا، على حساب مصالح الأردنيين وقضاياهم، تصور، ثالثا، أن شبكة هذه المنظمات الدولية موجودة في بلدنا لمساعدته، ونحن لا نفكر كيف نساعد أنفسنا؟
 ‏صدّق أو لا تصدّق، في ندوة عُقدت مؤخرا، بعمان، حول العلاقات الأردنية السعودية، لم يتردد أحد الأردنيين من الطبقة المحسوبة على النخبة «عن إدراج الأردن في بوابة «التبعية»، بذريعة أن الأشقاء هناك يتعاملون معنا بناء على هذا المنطق، مما دفع الضيف المحاضر إلى الرد عليه بالاستنكار والرفض، معقول هكذا نرى بلدنا ونفكر فيه، ثم نفتري عليه وعلى الآخرين، معقول نسمع من الشقيق والصديق مدحا للدولة الأردنية التي تجاوز عمرها 100 عام، وأنجزت وفرضت احترامها بهمة الأردنيين وتضحياتهم، فيما يرانا بعض أبناء جلدتنا، ممن يتقاسمون معنا البيت والرغيف، عكس ذلك، أو لا نستحقه؟
 ‏صدّق أو لا تصدّق، اندلعت في وسائل التواصل الاجتماعي معارك وسجالات حامية، حول مشروعية مشاركة فريق (النشامى) بمباريات التصفية لكأس آسيا، كثيرون من أبناء جلدتنا اعتبروا احتفاءنا بالفوز الذي أحرزناه، في ظل الحرب على غزة، تصرفا خارج السياق الوطني، أو ربما جريمة لا تُغتفر، فيما الصامدون الأصلاء، والمقاومون الحقيقيون في غزة، لم يترددوا عن إقامة أعراس زواج احتفلوا بها بالأهازيج، وسجلوها في قائمة الانتصار، مطلوب من الأردن، وحده، أن يلغي كل قضاياه ومشكلاته، وممنوع أن يفرح الأردنيون حتى تنتهي الحرب، وحين يقررون أن يباشروا أعمالهم، كما يفعل غيرهم، يواجهون بالتشكيك والتجريح، ويصنفهم بعض مقاولي النضال في خانة المثبطين والمتخاذلين، يا سادة: نحن نفرح بالأردن وفوزه وإنجازاته، كما نفرح، تماما، بانتصار أهلنا في غزة وفلسطين، وبانتصار روح الإنسانية في العالم كله.
 ‏هذا، بالطبع، جزء من المفارقات التي يواجهها الأردنيون مع كل أزمة تعبر المنطقة، لاحظ أنني بدأت بالهمّ الكبير الذي يقوم به الأردن، والأخطار التي يواجهها، والحفر التي وضعنا أنفسنا، أو وضعنا الآخرون بها، ثم انتهيت إلى النتيجة التي نتعامل بها مع مصالحنا وقضايانا، والصورة التي يرانا فيها بعض الذين يعيشون معنا، لكي أقول فقط : صحيح بلدنا يتعرض للعقوق والنكران والاهمال، من قبل أصحاب الحظوة، ممن فاضت عليهم خيراته وبركاته، صحيح انه يعاني من الخيبة ممن شربوا من بئره، ثم ألقوا حجارتهم فيها، لكنه سيظل «جمل المحامل»، أكبر منا جميعا، وأجمل مما ترسمه خيالات الشامتين، وأنبل مما يتصوره حملة المباخر، الجاهزون للنزول، فورا، من فوق الجبل لاقتسام الغنائم.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences