ثوار المناهج الطارئون
الشريط الإخباري :
يوجد كثيرون يأخذون إجازة من التفكير ومن الضمير كذلك، ويغيبون عن قضايا كبيرة ولا نشعر بوجودهم في الكوكب، وفي الشهر الماضي مثلا تم هدر هيبات كثيرة وحقوق، لا سيما حقوق الأطفال في التعليم، ومضت القصة ولم نقرأ أو نسمع عن هبات ثورية مضرية تنذرنا بالويل الكبير الناجم عن تجهيل أجيال، واليوم ومن عجب ما قرأت الكثير عن ثورة نورانية تتعلق بتعليم الأطفال ..!!.
لم أسمع أو أقرأ رأيا في الشهر الماضي عن حرمان أبنائنا وأطفالنا من التعليم في المدارس الحكومية، واليوم يفيض المناخ العام بأفكار وآراء ومناشدات (فلتتأكدوا من المطبلين والمزمرين وصبابين البنزين..افحصوا بلدانهم وبروفايلاتهم وأية معلومات عنهم) .. المهم؛ كلها آراء تحذرنا من مغبة تجهيل الأطفال باعتماد مناهج مدرسية «مستوردة»!، ويتداخل الاجتماعي بالسياسي بالشرعي والوطني حتى التكنولوجي في خطاب الفلاسفة الكبار، وتطفو على السطح حالات ممجوجة من الخصومات الشخصية والنضالات والثورية..وهي ملامح حديث «السوشيال ميديا» التي نعرفها، كلام بلا معرفة ولا اختصاص ولا تثبت ولا تنمو فيه الا العفونة العقلية والنفسية، ومتحدثون بلا هويات، ويا ويلك إذا قلت للمتحدث أن يتحدث بدقة ومعلومة ومنطق، ويتوقف عن اطلاق التهم ..الخ، وتذكروا بأن «الكلام ع المرتكي هيّن».
الذي يتحدث عن نموذجنا التعليمي باعتباره مميزا وسليما ولا يحتاج الى ثورة من جديد، فهو لا يدرك شيئا، ويتحدث بغير علم، ولا يقرأ أو يفهم معنى الأرقام والاحصائيات الرسمية وغيرها عن عدد خريجي الجامعات المتعطلين عن العمل، ولا يدرك أن أكبر لغم في طريق المسيرة الأردنية نحو المستقبل العادي وليس الواعد، تكمن في التعليم ومخرجاته وتقليديته و»ديناصوريته»، مخرجات تأتي معاكسة تماما لما يدور في العالم، ويصر المتحدثون على أننا يجب أن نحافظ على سمعة التعليم والمدارس والتربية .. حديث خارج سياق الواقع ولا يمت له بصلة.
العلم؛ نعمة عالمية لا تقتصر على شعب أو أمة أو حضارة، فهو ملكية عامة للانسان، وهو ضالة أي مؤمن بالحقيقة والتنوير، تماما كالدواء، فهل سمعتم يوما أن المسكنات أو أنواع منها لا تشفي رأسا موجوعا لأنه من أمة أو شعب ما؟ ..هذا ما يحاول بعضهم أن يقنعنا به حين يتحدث عن أساليب تدريس مادة العلوم العامة مثلا، يقول «مستوردة» ولا تعبر أو تنسجم مع واقعنا، ويبدو أن المتحدث مقتنع تماما بأنه يعيش في كوكب آخر لا علاقة تربطه مع البشرية أو مع العقل الآدمي..هذا أول معنى أفهمه من الهجمة على المناهج الجديدة الخاصة بالصفين الأول والرابع الأساسيين، ويمكنني أن أقول لهؤلاء اختصارا ( أي مناهج ومهما كان مستواها تكون أفضل من جلوس الطفل في بيته لمدة تزيد عن شهر بلا دراسة)، لم أسمع صوتك تتوقد غيرة وهما وكمدا على الأطفال حين تم ابعادهم عن مدارسهم، واليوم تأتي تريد أن تكتب مناهج للأجيال وتحترق أسًى على الأجيال!. العلم هو منتج إنساني عالمي، وهو حصيلة التطور البشري على الكوكب، وهو ليس حصريا على شعب أو أمة بعينها حتى لو حاولت احتكاره، وأسلوب توصيله للمتلقي هو أيضا خبرة بشرية ليست حكرا على جهة ما، فعقول الأطفال هي نفسها عند كل الشعوب، وانظروا الى أطفالكم كيف يتعاملون مع منتجات السوق من التكنولوجيا وأدواتها، فهم يتفاعلون معها كأي طفل امريكي او روسي او صيني او ياباني أو صومالي.. اتركوا المناهج العلمية وتحدثوا فقط عن التاريخ والثقافة واللغة والتربية الاسلامية، لأن واحد زائد واحد يساوي اثنين مهما اختلفت الأمم والشعوب والأزمنة..هكذا تقول الرياضيات يا فلاسفة.