المنسق الأممي (أندريا دي دومينيكو) : معاناة أطفال غزة تحرمني من النوم
الشريط الإخباري :
في مقابلة مع الصحافيين المعتمدين بالأمم المتحدة من القدس المحتلة عبر دائرة الفيديو المغلقة، قال أندريا دي دومينيكو، منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، الذي عاد للتو من زيارة لقطاع غزة استغرقت ثلاثة أسابيع، إن بعض الأشياء التي رآها وسمعها خلال زيارته الأخيرة لغزة ستظل محفورة في ذاكرته، مضيفا أن المساحة المتاحة لأهالي غزة للتنقل أصبحت محدودة ومزدحمة أكثر فأكثر.
وأضاف أنه من المستحيل اليوم الانتقال من المواصي – حيث توجد بعض مبانينا – إلى خان يونس أو دير البلح دون المرور حرفيا عبر موجة من الناس في كل مكان. الحركة التي كانت تستغرق عادة من 10 إلى 15 دقيقة، تستغرق الآن ساعة لأن الناس منتشرون في كل مكان.
وقال إن الناس يحملون حياتهم بأكملها إلى مكان أكثر أمانا، إذا كان هناك أي مكان آمن. وقال إنه رأى حشودا كبيرة من الناس على الشاطئ في جنوب غزة، كانوا متواجدين هناك لأن الحرارة في الخيام أثناء النهار لا تطاق ولأن هذه هي الطريقة الوحيدة بالنسبة للكثيرين للاغتسال.
دومينيكو: أنا لا أفهم كيف سيتعافى الأطفال في غزة من هذا الوضع الذي لا يمكن تصوره والذي يصعب وصفه
وقال دومينيكو إن الغارات الجوية التي أصابت خياما للنازحين في 26 أيار/مايو والنيران الناتجة عنها أدت إلى مقتل العديد من المدنيين.
وقال إن مدير أحد المستشفيات الميدانية في منطقة المواصي، حيث نقل الضحايا، وصف له حالة رجل كان لا يزال يحتضن ابنته وقد احترقت وانصهرت جثتيهما بفعل النيران. وأضاف: "لقد حاولوا فصل الجثتين، لكنهم لم يستطيعوا. وكانت الطريقة الوحيدة للقيام بذلك هي كسر عظامهما، وقد رفضوا القيام بذلك. لذلك، قرروا تركهما معا في هذا العناق الأخير والأبدي. هذه بالنسبة لي هي صورة الصدمة الجماعية وصورة العنف التي ستظل في ذاكرة الناس إلى الأبد. وأنا لا أفهم كيف سيتعافى الأطفال من هذا الوضع الذي لا يمكن تصوره والذي يصعب وصفه، والتكلفة، والصدمة التي يتعين عليهم أن يمروا بها”.
وردا على سؤال "القدس العربي” كيف يستطيع أن يتصرف كأب لأطفال وكيف ينام وكيف لا يذرف الدموع مثلما فعل بيتر هانسن (مفوض الأونروا الأسبق) عندما زار أهل محمد الدرة، وكيف انهار كريس غانيس (متحدث الأونروا الأسبق) في حرب 2008-2009 لما شاهد من مآس: قال: "نعم عندي ثلاثة أطفال في نفس أعمار أطفال غزة الذين أشاهدهم. لا أستطيع كأب إلا أفكر في الكوابيس التي يعيشها هؤلاء الأطفال. ولذلك أثرت قضية لم اتقبلها أبدا أن المواد الترفيهية التي نجلبها للأطفال ترفض إدخالها إسرائيل تحت حجة أنها ليست ضمن الاحتياجات الإنسانية. كيف أتعامل مع هذا الوضع، لا أعرف كيف سيكون أثر ذلك عليّ وعلى الكثيرين مثلي على المدى البعيد. رأيت زملائي ينهارون ويطلبون الانتقال والخروج من غزة لأنهم غير قادرين على القيام بمهماتهم كما ينبغي. أعتقد أن نفس المعاناة التي تجعلني أنام بصعوبة شديدة هي نفس المعاناة والظروف الصعبة التي تدفعني أن أستمر في القيام بنفس العمل الذي أقوم به. فبدون وجودنا وبدون الأعمال التي نقوم بها، والجهود التي نبذلها على قلتها، واستمرار قانون حكم القوي ستكون الأمور في غزة في أوضاع أكثر صعوبة. فبالنسبة لنا ما نقوم به، رغم أنه لا يصل إلى المستوى المطلوب، إلا أنه أكثر ما نستطيع تقديمه في الظروف الحالية”.
دومينيكو: لا أستطيع كأب إلا التفكير في الكوابيس التي يعيشها أطفال غزة
وأشار السيد دي دومينيكو إلى أن سكان غزة شعب مضياف للغاية وأن الروابط الأسرية أساسية في مجتمعهم. ومع ذلك، فإن الظروف المعيشية القاسية التي يواجهونها تدمر النسيج الاجتماعي تدريجيا، "وأصبح حكم الأقوى هو القاعدة الوحيدة السائدة” لأن الناس لا يملكون سوى القليل جدا للبقاء على قيد الحياة.
وقال إن أحد أكبر التحديات التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني هو التأكد من وصول المساعدات إلى الأشخاص الأكثر ضعفا في القطاع. وذكر أن خلافا دبّ بين العائلات بسبب علبة حمص نتج عنه انقطاع العلاقات بينهما وفقدان الدعم الذي هم بأمس الحاجة إليه.
وأكد السيد دي دومينيكو أن النزوح مستمر باتجاه المنطقة الوسطى من قطاع غزة، حيث فر من رفح بالفعل ما يقرب من مليون شخص، من بينهم 20 ألف امرأة حامل. وقال إن هؤلاء الناس استغرقوا أشهرا حتى يعتادوا على حياتهم الجديدة في رفح، وليجدوا المكان المناسب للبحث عن الخدمات والغذاء والماء.
وأضاف: "حاولوا العثور على نوع من الحياة الكريمة، رغم كل التحديات والظروف القاسية. والآن بعد أن تم تهجيرهم مرة أخرى، عليهم أن يتعلموا من جديد كيفية التعامل مع أبسط الضروريات اليومية”.
وقال إن 36 موقع نزوح تابعا للأونروا في رفح قد تم فقدانه، مما يعني أن الأشخاص الذين كانوا يحتمون هناك سيغادرون دون أي شيء بأيديهم وستكون هناك ضرورة لإيجاد خيام أو أغطية بلاستيكية وبعض القطع الخشبية لبناء مآويهم الجديدة.
القدس العربي