آخر الأخبار
عاجل

العنف والتطرف: الحل في الحفاظ على التعددية (1)

العنف والتطرف: الحل في الحفاظ على التعددية (1)
الشريط الإخباري :  
أ. د. كامل صالح أبو جابر - تعيرنا إنا قليل عديدنا         فقلت لها إن الكرام قليل 
ما جاد به هذا الشاعر الجاهلي يدل أن مسألة الأقليات ليست جديدة بل قديمة. أقول مسألة، لا مشكلة الأقليات لأنها ظاهرة عامة نجدها في معظم مجتمعات المعمورة وحضاراتها وثقافاتها.
والأقلية هي في القلة العددية، لا أبعاد ثقافية أو اجتماعية لها، بل مصطلح يدل على عدد معين من البشر يمثلون أقلية أقل من عدد الغالبية من البشر أو الأكثرية في ذلك المجتمع. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن حضارتنا العربية الإسلامية لم تستعمل مصطلح الأقلية بل مصطلح نظام الملل والنحل، بحيث تشير كلمة الملة إلى مجموعة لها خصوصية دينية معينة بينما تشير كلمة النحله إلى عرق أو قوم. ويشير الأمر في كلتا الحالتين إلى مجموعة من البشر لها هوية مختلفة عن هوية المجتمع الواسع التي تجد نفسها فيه. كما ولا بد من الإشارة إلى أن مصطلح العرق بيولوجي في الأصل، ولكنه ومع تطور الزمن، أخذ أبعاداً ودلالات اثنية أو ثقافية أو اجتماعية.
أما من الناحية التاريخية فقد أصبحت مسألة الأقليات أو المكونات أو المجموعات البشرية مشكلة مع بدايات النهضة الأوروبية الغربية الحديثة على مدى القرون الخمسة الماضية، وقيام الدولة القوم (Nation State) في أعقاب الحروب الدينية الطاحنة التي انتهت مع صلح وستفاليا 1648. ففي اسبانيا وفي إيطاليا مثلاً قامت الدولة بالتأكيد على قوم أو عرق واحد يلغة قومية وتاريخ معين منفرد واحد والانتماء الديني إلى مذهب ديني واحد والقضاء الجسدي أحياناً على تابعي أي مذهب أو ديني آخر حيث قامت محاكم التفتيش في إسبانيا في طرد أو القضاء على الإسلام واليهودية أما في فرنسا فقد تم القضاء على الهوجينوت البروتستانت وهم مسيحيون لكن من مذهب يختلف عن الكاثوليكية في ما أصبح يعرف بمذبحة سان بارسولوميو سنة 1572. وفي بلجيكا مثلاً أخذت كل من الاثنية الوالونية والفلمنكية حيزاً جغرافياً مختلفاً في البلاد رغم أن معظم الاثنيتين تدين بالكاثوليكية، وحيث كان توازن أو شبه توازن ما بين الكاثوليك والبروتستانت كما الحال في ألمانيا فقد انفرد الكاثوليك بالجزء الجنوبي من البلاد بينما يقطن معظم الغالبية من البروتستانت في شمالها.
منذ نشأتها لم تعرف الحضارة الأوروبية التعددية الاثنية والدينية التي هي سمة من أرقى وأهم سمات الحضارة العربية الإسلامية، بل كانت، كما لا زالت اليوم، أحادية الهوية والبعد الإنساني ما يفسر إلى حد كبير حيرة بلدان هذه الحضارة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ف يالتعامل الإنساني مع الوافدين إلى شواطئها في بلدان الشرق الأوسط وافريقيا وعلى الرغم من أن بعض بلدانهم كألمانيا وفرنسا كانت تشجع هجرة العمال إليها في هذه البلدان بعيد الحرب العالمية الثانية. صحيح أنهم طوروا نظاماً سياسياً ديمقراطياً ولكنها ديمقراطية ذات بعد لثقافة ومجموعة إنسانية معينة يصعب عليها حتى اليوم استيعاب أقوام وأديان وثقافات مختلفة.
دعيت مؤخراً للمشاركة في مؤتمر عقد في بيروت بعنوان «لبنان وطن الحوار والحضارات» قامت بالدعوة إليه مؤسسة «اللقاء المشرقي» وحضره ما يقارب المئة مشارك من مختلف قارات العالم ليسلط الضوء على مسألة العيش المشترك بين الثقافات عامة وكيفية الحفاظ على التعددية الدينية والاثنية في بلدان المشرق العربي وبالذات الوجود المسيحي فيه.