حديث الأربعاء - القادمون الجدد

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
أمجد تادرس

 

في الأيام الأخيرة، تسارعت الأحداث في الولايات المتحدة بعد المناظرة السياسية الكارثية بين المرشحين المحتملين، الرئيس (بايدن) ومنافسه الشرس (دونالد ترامب). ما أعقبها من أحداث أدى في النهاية إلى انسحاب (بايدن) وتزكية نائبته (كاميلا هاريس) لخوض الانتخابات عن الحزب الديمقراطي.
في المقابل ,حسم الحزب الجمهوري أمره واختار (ترامب) كمرشحه للانتخابات، والذي بدوره اختار السيناتور عن ولاية (أوهايو) (جيمس ديفيد فانس) كمرشح لمنصب نائب الرئيس. وإذا بدا أن هذا الاختيار أتى سريعاً، فإنه في الحقيقة كان يُطبخ على نار هادئة منذ زمن.

 

فاليمينيون الجدد - الذين أحكموا سيطرتهم على الحزب الجمهوري وربما قريباً على مفاصل الدولة في الولايات المتحدة - بدأوا منذ سنوات الاستعداد لهذه الانتخابات. هذا الاستعداد جاء بعد فشل الرئيس (ترامب) في ولايته السابقة في تحقيق الحد الأدنى من تطلعاتهم. ويعزون هذا الفشل بالدرجة الأولى لما يطلق عليه منظرونهم بـ "الكاتدرائية" - وهي المؤسسات الأكاديمية والإعلامية النخبوية التي يرون أنها تحدد حدود الخطاب السياسي المقبول.

 

ويجادلون أيضًا بأن النظام الأمريكي للحكم، الذي يعتمد على الديمقراطية، التصويت، والفصل بين السلطات، هو ببساطة نظام غير فعال. وما يريدونه بدلاً من ذلك هو حكومة تدار مثل شركة، أو نظام ملكي بسيطرة زعيم واحد يتمتع بالسلطة المطلقة، وإن كان مسؤولاً أمام مجلس إدارة من نوع ما. ويتماشى هذا مع التفكير السائد في "وادي السيليكون" حول أن المؤسسات القديمة لا تعمل بشكل صحيح، وأنها غير فعالة، وأنه يجب تعطيلها. وهذا يغذي تقليدًا أكبر في اليمين، وهو العداء للتنظيم الحكومي، والبيروقراطيين الحكوميين.

 

وبخلاف ما حصل في ولاية (ترامب) السابقة والذي غلب عليها التخبط في السياسات وتغيرات عشوائية في الشخصيات نتيجة لعدم استعداد (ترامب) للرئاسة حيث أن لا أحد وقتها بما فيهم (ترامب) توقع الفوز، أعد اليمنيون الجدد أنفسهم الآن للولاية الجديد من خلال ما يسمى هو مبادرة نظمتها "مؤسسة التراث" بهدف الترويج لمجموعة من المقترحات السياسية المحافظة واليمينية لإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة وتعزيز السلطة التنفيذية. ويؤكد المشروع أن السلطة التنفيذية بأكملها تخضع لسيطرة الرئيس المباشرة ويقترح استبدال عشرات الآلاف من موظفي الحكومة الفيدرالية بموالين أكثر استعدادًا لتحقيق سياساتهم. ويحدد مشروع ٢٠٢٥ أربعة أهداف رئيسية: استعادة الأسرة باعتبارها محور الحياة الأمريكية؛ تفكيك منظومة الدولة الحالية؛ الدفاع عن سيادة الوطن وحدوده؛ وتأمين الحقوق الفردية التي منحها الله للعيش بحرية

 

ومن أبرز زعماء اليمين الجديد الملياردير (بيتر ثيل)، مؤسس شركة (باي بال) وأحد المستثمرين الأوائل في (فيسبوك). وقد استخدم ملياراته لتمويل حملات عدد كبير من السياسيين مثل (جي دي فانس). (فانس)، البالغ من العمر تسعة وثلاثين عامًا، وأمل هؤلاء اليمينيين في الوصول إلى السلطة وتطبيق أجندتهم الجديدة، يأتي من خلفية متواضعة. ففي عام 2016 نشر سيرته الذاتية في كتاب وصف فيه طفولته البائسة في بلدة "ميد تاون" في أفقر المناطق في الولايات المتحدة حيث يعم الفقر والتفكك الأسري والعنف الاجتماعي. ويقول (فانس) إن تلك الدولة أغفلت عن تلك المناطق حتى أنها لم تجد وقتًا للتفكير باسم مناسب لبلدته سوى "ميد تاون" أي "البلدة التي في الوسط".

 

يعزو (فانس) شعبية الرئيس (ترامب) بين الطبقة العاملة من البيض الأمريكيين إلى شعورهم بالإهمال والنسيان من قبل السياسيين. وبالرغم من انتقاداته الجارحة لـ (ترامب) الذي وصفه سابقًا بـ (هتلر)، تراجع (فانس) عنها طالبًا العفو من (ترامب) بحجة أن معلوماته جاءت نتيجة للحملات التي تمارسها المؤسسات الإعلامية التقليدية ضد (ترامب). وكافأه (ترامب) باختياره ليكون نائبًا له في حال فوزه بالانتخابات القادمة. تطلعات اليمين الجديد تتخطى (ترامب) الذي يعتبرونه شخصية عابرة لمشروعهم الجديد، والذي بدأت تتوضح معالمه من خلال اختيار (فانس) وشعورهم بأنه هو الذي سيحمل مشروعهم إلى مرحلة ما بعد (ترامب).

 

تصريحات (فانس) أثارت حفيظة حلفاء الولايات المتحدة، خصوصًا في أوروبا. ففي مؤتمر (ميونيخ) للأمن، قال (فانس) إن (بوتين) لا يشكل تهديدًا وجوديًا لأوروبا، وإن الأمريكيين والأوروبيين لا يستطيعون توفير ما يكفي من الذخائر لهزيمة روسيا في أوكرانيا. وأشار إلى أن الأولويات الاستراتيجية للولايات المتحدة تكمن بشكل أكبر في آسيا والشرق الأوسط.

 

وقال أمام المؤتمر: "هناك الكثير من الأشرار في جميع أنحاء العالم. وأنا مهتم ببعض المشاكل في شرق آسيا الآن أكثر من اهتمامي بأوروبا". وفي حديث آخر عام 2022، قال (فانس): "لا يهمني حقًا ما يحدث في أوكرانيا بطريقة أو بأخرى."

 

أما بالنسبة لنا هنا في الشرق الأوسط، فقد صرح مرارًا أن سياسته تعتمد مبدأ "أمريكا أولاً" إلا عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. إلا أنه قال في وقت سابق إنه يعارض أي ضربات أمريكية مباشرة على إيران، ما لم يهاجم الإيرانيون القوات الأمريكية بشكل مباشر.

 

كما شكك مرارًا وتكرارًا في تورط الولايات المتحدة في صراعات مختلفة في الشرق الأوسط. ويعتقد (فانس) أن العديد من هذه التدخلات لم تفشل في تحقيق أهدافها فحسب، بل استنزفت أيضًا الموارد والأرواح الأمريكية. ويعتقد أنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة بشأن الانخراط في صراعات خارجية ما لم يكن هناك تهديد واضح ومباشر للأمن القومي. يتماشى هذا المنظور مع فكر القادمين الجدد، الذين أصبحوا حذرين بشكل متزايد من سياسات التدخل الخارجي.

 

هذا الفكر الجديد والقادم يضعنا جميعًا أمام تساؤلات عدة، أهمها عدم المراهنة على الولايات المتحدة. فنتيجة الانتخابات الأمريكية ستعتمد في النهاية على عدد محدود من الناخبين في ثلاث أو أربع ولايات. لذا، الأجدر بنا عدم المراهنة على الولايات المتحدة ونقل بعض من بيضاتنا إلى سلة أخرى أكثر ثباتًا.

 

ملاحظة: المقالة هذا الأسبوع طويلة ومملة بعض الشئ ولكنها مهمة.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences