هل يسرع الهجوم الإيراني توقيت حرب إقليمية؟
زايد الدخيل-
في ظل تصاعد المخاوف من بدء حرب إقليمية بعد إطلاق إيران مساء أول من أمس، المئات من الصواريخ الباليستية على مدن عدة للاحتلال، أكد الاحتلال أنه سيرد على الهجوم الذي تسبب بخسائر محدودة، في الوقت والمكان اللذين تقررهما، لمعاقبتها على هذا الهجوم.اضافة اعلان
ورجح مراقبون، أن السيناريوهات والاحتمالات المقبلة، وإن كانت ستتوقف على طبيعة رد الاحتلال الذي يتوقع بأن تشارك فيه الولايات المتحدة الأميركية، أن ذلك سيبقى في إطار الرد والرد المقابل، ولن يتوسع ليأخذ شكل حرب إقليمية.
وقال هؤلاء في أحاديث منفصلة لـ"الغد"، إنه برغم الهجوم الصاروخي الإيراني على الكيان، لكن لا يمكن اعتبار ذلك بداية حرب إقليمية شاملة في المنطقة، ذلك أن إيران ما تزال تتبنى إستراتيجية تكتيكية تذهب إلى عدم التصعيد، مؤكدين أنه في حال وجه الكيان ضربة لها فقد تدفع بسورية والعراق للالتحاق فعليا بها، كما ستندفع الولايات المتحدة الأميركية للانخراط الفعلي فيها وبدرجة كبيرة، أما بالنسبة لبريطانيا وفرنسا فاحتمالية دخولهما الحرب تبقى أقل من الولايات المتحدة.
في هذا الإطار، يقول النائب الاسبق د. هايل الودعان الدعجة، "إن النجاحات العسكرية التي حققها الكيان في حربه على إيران ووكلائها، وتحديدا حزب الله، كتفجيرات إجهزة البيجر واللاسلكي واغتيالات قيادات الحزب وآخرها أمينه العام حسن نصر الله، وكذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران، هز صورتها وأفقدها هيبتها، وظهرت كأنها تخلت عن وكلائها، أو تعجز عن حمايتهم".
وأضاف الدعجة، "أن عمليات الكيان في المنطقة قابلتها أجواء من النشوة ومن رئيس وزرائه نتنياهو الذي شعر بأنه يتحرر من الضغوط الداخلية، جراء الإخفاقات والانكسارات التي تعصف بكيانه في غزة، ما جعله يذهب بعيدا فيحول وجهته إلى جنوب لبنان، ليخوض عملية برية في جنوبه، بعد أن باتت الطرق سالكة للتخلص من تهديد حزب الله وفق تصوره".
وأضاف، "ولأن مثل هذه الخطوة إذا نجحت، ستعني لإيران فشل مشروعها الطائفي وتراجع نفوذها الإقليمي، لذا وجدت نفسها مضطرة لاتخاذ خطوة عسكرية، بهجوم بالصواريخ المتطورة والمتنوعة في عقر الكيان مساء أول من أمس، برؤية رممت من صورتها المهشمة، وأعادت بها جزءا من هيبتها، وحققت عبر ما قامت به توازنا رادعا، بخاصة عندما نجحت باختراق المنظومة الأمنية والدفاعية للكيان، عبر ضربة مفاجئة وصادمة، أثبتت فشله الاستخباراتي مرة أخرى، ليخرج نتنياهو الذي قضى معظم وقته في مخبئه تحت الأرض، متوعدا برد قاس، معتبرا بأن إيران ارتكبت خطأ كبيرا وستدفع الثمن".
وبين أن "هذا يعني بأن السيناريوهات والاحتمالات القادمة، وإن كانت ستتوقف على طبيعة رد الكيان الذي يتوقع بأن تشارك معه الولايات المتحدة، لكن ذلك سيبقى في إطار الرد والرد المقابل، ولن يتوسع ليأخذ شكل حرب إقليمية، بخاصة مع مشاركة الولايات المتحدة التي يتوقع بأن تمارس ضغوطا على الكيان لضبط ردود فعل نتنياهو، إذ يعتبر تجنب حرب موسعة هدفاً أميركياً تتمسك به إدارة الرئيس الأميركي بايدن الذي تلقي الحسابات الانتخابية بظلالها على موقفه من هذا الصراع الذي لا يريده بأن يتسع أو يطول، لما له من تداعيات سلبية على فرص نجاح نائبته المترشحة للرئاسة كاميلا هاريس، بخاصة إذا دخلت القوات الأميركية الحرب بصورة مباشرة، وهو ما يرفضه الشارع الأميركي، الغاضب أصلا من حرب الكيان على قطاع غزة، جراء ما يرتكبه من مجازر وإبادة جماعية مروعة ضد الضحايا المدنيين".
نائب عميد كلية الأمير الحسين بن عبدالله الثاني للعلوم السياسية بالجامعة الأردنية د. أيمن صالح البراسنة، قال "منذ بداية الحرب على غزة، وعد نتنياهو بتغيير المنطقة، بما في ذلك إضعاف نفوذ إيران في المنطقة، ويلاحظ بأن هناك تأخرا إيرانيا في التعامل مع أهداف نتنياهو في الحرب، بل يمكن القول إن ترددها الواضح برد قوي على استهدافها، سيرفع التكاليف عليها وعلى دورها الإقليمي".
وأضاف البراسنة "منذ هجوم الكيان على القنصلية الإيرانية في دمشق في نيسان (إبريل) الماضي ترددت بإظهار الردع القوي، وهو ما شجّع نتنياهو على مواصلة التصعيد باغتيال هنية في طهران نهاية تموز (يوليو) الماضي، ثم اغتيال فؤاد شُكر أحد قادة حزب الله الكبار، وصولًا إلى اغتيال نصر الله الأسبوع الماضي، وتوسيع الحرب على الجبهة اللبنانية".
وأتم، "إن إيران تدفع الآن فاتورة ترددها وحفاظها على سياسة الصبر الإستراتيجي، بمعنى آخر فإن ترددها لم يردع نتنياهو عن الاستمرار بالتصعيد، بل إن الكيان رأى في هذا التردد، فرصة مواتية لتعميق الانكشاف الإستراتيجي لها ولحزب الله".
وتابع "أرادت إيران بهجومها الأخير إيصال رسائل للكيان، مفادها أن اندفاعة نتنياهو تنذر بتوسيع الحرب إقليميا. هذا التحذير يظهر رغبتها الصريحة بتجنب التورط المباشر في الحرب مرة أخرى، وهذا له مبرراته؛ لأنه سيكبد طهران تكاليف باهظة، وقد يُشكل تهديدا وجوديا لنظامها السياسي".
وقال البراسنة "تتضاعف مخاوف إيران من توسيع الحرب على الجبهة اللبنانية، فحزب الله ليس مُجرد حليف لطهران، بل جزءا من عقيدتها الدفاعية. لذلك فإن أي اتساع للحرب قد يؤدي إلى تهديد وجودي للحزب، ما يضعف بالتالي العقيدة الدفاعية الإيرانية في المنطقة، تلك العقيدة التي تركز على الحفاظ على وكيل لبناني يُمثل خط دفاع إيراني في مواجهة الكيان".
وبين البراسنة، أن إيران تجد نفسها حاليا مضطرة لتبني مقاربة جديدة تمزج بين "الصبر الإستراتيجي" و"استعراض مظاهر القوة" في هجوم أول من أمس، لتأكيد الردع الذي قد يمنع نشوب حرب إقليمية، ولتحذير تل أبيب وواشنطن من عواقب إضعاف حزب الله، في حين أن طهران اعتمدت في إستراتيجيتها منذ البداية، على الحد من التكاليف والردود المحسوبة، لكن نتنياهو ينظر للحرب من زاوية مختلفة، تعتمد على ما أوجده كيانه من فرص لإعادة تشكيل عوامل تهديد من حماس في غزة وحزب الله في لبنان، وإعادة تشكيل السلوك الإيراني بإضعاف عقيدته الدفاعية باستهداف حزب الله وقياداته، وهذا ما قلل في المحصلة من تأثير رسائل الردع الإيرانية، وزاد من جرأة الكيان في الحرب.
وختم البراسنة، بأن "الهجوم الإيراني، جاء سياسيا أكثر منه عسكريا، لترميم صورة إيران ولحماية نفوذها الإقليمي، وتحذير الكيان والولايات المتحدة من عواقب سلوك حكومة نتيناهو في لبنان، ولكن هذه التحذيرات من غير المتوقع أن تلقى صدى واسعا لدى تلك الحكومة اليمينية، ما لم تتغير الحسابات لدى مختلف الأطراف ذات العلاقة".
بدوره، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية د. خالد الشنيكات، "منذ اشتعال جبهة الجنوب اللبناني، تشهد المنطقة تطورات متسارعة تتجه للتدهور، بخاصة وأن الكيان يقصف من دون خطوط حمراء، ويبدو أن إستراتيجية الكيان ستؤدي لخروج المنطقة عن السيطرة، والدليل على ذلك ان إيران قررت الرد على اغتيال هنية ونصر الله".
وتابع الشنيكات "إن احتمالية تصاعد الصراع أصبحت كبيرة، بخاصة وأن الكيان توعد بالرد على إيران، وإذا حدث الرد فيتوقع أيضا وحسب تصريحات مسؤولين إيرانيين، بأن يردوا على الكيان"، مضيفا "هناك شبه إجماع في الأوساط السياسية للكيان بالرد، سواء من المعارضة أو الحكومة، إذ كل طرف يدعو للثأر".
واستكمل "يبقى متغير أخير، وهو الموقف الدولي، لكن الموقف الأميركي الأكثر أهمية، وكذلك بدرجة أقل فرنسا وبريطانيا، إذ تلتزم الولايات المتحده كما هو معلن بأمن الكيان وحمايته، وقد عززت قواتها في قواعدها بالمنطقة وتزويدها بالأسلحة ومد الكيان بما يحتاجه من أسلحة وخدمات لوجستية وتعاون استخباراتي وغيره، ويبدو أن الولايات المتحدة قد تدفع بتوفير مظلة للكيان لتوجيه رد لإيران، بخاصة وأنها تعيش عملية انتخابية، هي محل مزايدة بين حزبيها الديمقراطي والجمهوري، لتأكيد الدعم الأميركي للكيان.
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة اليرموك د. محمد خير الجروان، قال، منذ الحرب على غزة والتحليلات والتقارير تحذر من حرب إقليمية ستلقي بتبعاتها على المنطقة، لكن منطقيا يمكننا القول؛ إنه منذ اليوم الأول للحرب على غزة وتدخل حزب الله، بدأت بوادر هذه الحرب بالوضوح تدريجيا، إلى أن امتدت لتشمل - إلى جانب غزة ولبنان- اليمن وسورية وإيران، واتخذت الدول والمنظمات الدولية مواقف متباينة بين داعم ومؤيد ومتعاطف ورافض، بغض النظر عن المصالح التي حركت او تحرك هذه الأطراف.
وأضاف الجروان "في سياق ذلك، يمكننا القول إن الحرب الإقليمية بدأت منذ زمن، وآخذة بالتوسع مع وجود مؤشرات كبيرة حاليا على تدحرجها ككرة الثلج مع نية الكيان بالتدخل، وفصل الجنوب السوري عن جنوب لبنان، فضلا عن الحدث الأهم المنتظر، وهو حجم وكيفية رد الاحتلال على الهجوم الصاروخي الذي شنته إيران، وما تمتلكه هذه الأخيرة في جعبتها والمستوى الهجومي الذي سترد به على هجوم الكيان المرتقب".
وأتم "إذا كان مفهومنا للحرب الإقليمية محصورا في نطاق الكيان وإيران وحلفائهما في المنطقة، فإن الحرب قد بدأت فعلا، وما حدث أمس عقب الهجوم الصاروخي الإيراني الذي استهدف مقرات وأماكن حيوية في الأراضي المحتلة، ورد الكيان المرتقب ما هو إلا توسع لدائرة المواجهة الإقليمية بين الطرفين، أما إذا كان مفهومنا للحرب الإقليمية هو المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، وهذا الذي تركز عليه اغلب التحليلات ووجهات النظر حول الحرب الإقليمية، فبوادر هذه المواجهة تلوح في الأفق، لكن القيود والتحديات أمام الطرفين لاتخاذ مثل هذا القرار كبيرة ومعقدة، فكل من الإدارة الأميركية والقيادة الإيرانية، ستكون مجبرة في كل الأحوال على اللجوء للحرب المباشرة التي ستعتبر آخر خياراتهم".