“حزب الله” قلق من ارتداد نتنياهو إلى لبنان
أسبوع على سقوط رئيس النظام السوري بشار الأسد، الذي ظن الكثيرون أنه قدرٌ حتميّ لسوريا، خصوصاً بعدما بدأ التطبيع معه عربياً، تحت عنوان “إعادة تأهيل النظام”، وكانت دول أوروبية على وشك العودة للتعامل معه. فعل “تسونامي” غزة فعله في المنطقة، فبعد أربعة عشر شهراً، من “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، و”حرب الإسناد” التي أطلقها “حزب الله” في 8 تشرين الأول/أكتوبر، شنَّ بنيامين نتنياهو في أيلول/سبتمبر 2024 الحرب على “حزب الله” وقضى على “محور المحور” – بحسب تعبيره – باغتيال الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله، وهي نقطة التحوُّل الفاصلة في مشروع إيران التوسعي القائم على بناء أذرع عقائدية ولائية عسكرية تابعة لها في المنطقة، والتي خوَّلتها في السنوات الماضية التغنّي بسيطرتها على أربع عواصم عربية هي: بيروت، ودمشق، وبغداد، وصنعاء. كرَّت سبحة تراجع النفوذ الإيراني من غزة إلى لبنان فسوريا، والحبل على الجرار. فالعراق اليوم في عين العاصفة، مع القرار الدولي الكبير بإنهاء دور إيران وميليشياتها في المنطقة.
يكشف حازم الغبرا، وهو مستشار سابق في الخارجية الأمريكية (سوري الأصل)، أن إسرائيل كانت ُتعدُّ للضربات التي قامت بها في سوريا قبل عملية “ردع العدوان” التي قادتها “هيئة تحرير الشام” من إدلب والتي أدت إلى سقوط نظام الأسد. ويضيف في مقابلة مع “تلفزيون سوريا” التابع للمعارضة أن “الخطوة الإسرائيلية التالية هي باتجاه العراق أو اليمن، ولكن ربما تتريث تل أبيب قليلاً، إلى أن تظهر معالم الأمور في سوريا التي لا تريد أمريكا أن تنتشر الفوضى فيها”.
سرعة التحولات، مع إخراج سوريا من “المحور الإيراني” وانقطاع الشريان الحيوي لـ”حزب الله” من طهران إلى بيروت عبر البوابة السورية – العراقية وتوغل الجيش الإسرائيلي داخل المنطقة العازلة في الجولان، تدفع بـ”حزب الله” إلى الاعتقاد بأن بنيامين نتنياهو سيرتد عليه في لبنان من جديد، وهو تالياً يتحضَّر لهذا “السيناريو”، فرغم ما أصابه من خسائر في العتاد والعديد والقيادات، لا يزال يمتلك السلاح والمقاتلين لمواجهة الجيش الإسرائيلي إذا قررت القوات الإسرائيلية استئناف الحرب. هكذا هي الصورة لدى قريبين من “حزب الله”.
على أنّ منظري “المحور”، والذين بات همهم كيفية احتواء ما أصاب الطائفة الشيعية، يعولون على جملة عوامل ومعطيات من شأنها أن تدفع بـ”اتفاق وقف الأعمال العدائية” إلى الصمود والثبات لزمن طويل، إذا ما أخذنا بالاعتبار أن التنفيذ الأول للقرار 1701 الذي صدر سنة 2006 أفضى إلى هدوء تام على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية لـ18 سنة متتالية.
الرهان الأول لهؤلاء على أن التنفيذ الفعلي للقرار 1701 بانسحاب كامل وفعليّ لا صوريّ لـ”حزب الله” من جنوب الليطاني، قد يُجنِّب لبنان عودة اشتعال النيران فيه، خصوصاً أنه بات جاهزاً للتعايش مع التبدلات، أقله في المدى المنظور، وهو يعلم جيداً أن فترة الشهرين لوقف إطلاق النار هي فترة اختبارية لمدى جديته وقدرة الجيش اللبناني والسلطة السياسية على تنفيذ مضمون التعهدات من دون اللجوء إلى المناورات والمحاولات الالتفافية للتهرُّب من التطبيق.
والرهان، ثانياً، على مصلحة واشنطن، مع مجيء دونالد ترامب، بلجم اندفاعة إسرائيل باتجاه “حزب الله” خصوصاً بعد نجاحها في إضعافه عسكرياً وبعد التبدلات في سوريا، بألاّ تعم الفوضى في لبنان وأن يشهد استقراراً، حيث تتمركز السفارة الأمريكية (السفارة الأكبر لها في العالم)، والتي تُشكِّل مركز التحكّم بالمنطقة وميزانه.
والرهان، ثالثاً، يرتكز على ما يُعلنه ترامب عن رغبته بصفقة مع إيران. فضرب “أذرع الأخطبوط” واحداً تلو الآخر جارٍ على قدم وساق، بما يُبقي “الرأس” وحيداً، قبل الجلوس إلى طاولة التفاوض حول الملفات الشائكة، وفي مقدمها الملف النووي، فضلاً عن الصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي. القناعة المتولدة لدى الكثير من المتابعين أن أوان عودة إيران إلى داخل حدودها قد حان، إذا كانت المنطقة ستذهب في المرحلة المقبلة إلى ترتيب جديد وإلى إرساء سلام وتطبيع بين مزيد من الدول العربية وإسرائيل، أي إلى صفقة كبرى، والتي لا بدَّ أن تكون طهران جزءاً منهاً، على أقله بالحصول على مكتسبات حماية نظام الجمهورية الإسلامية ورفع العقوبات الاقتصادية عنه وعودة إيران إلى الاندماج في النظام الدولي بعد العزلة الطويلة التي أنهكت شعبها، وباتت تُشكِّل عوامل انفجار داخلي.
ضرب المشروع النووي الإيراني
لكن هذا التفاؤل قد لا يكون في محله، بحسب مراقبين للتحولات الدراماتيكية التي تحصل، نتيجة لشبق نتنياهو المنتشي بما حققه من انتصارات إلى ضرب المشروع النووي الإيراني، ورغبته الجامحة نحو خلق “شرق أوسط جديد” يكون لإسرائيل اليد الطولى فيه. وقد لا يكون حساب الرهانات صائباً مع الاعتقاد بأن إيران لن تُسلِّم بهذه السهولة، وأنها ستسعى إلى إعادة تشكيل أذرع لها حيث يمكنها، من أجل العودة مجدداً إلى الجغرافيا السورية، عقدة الوصل الأهم في مشروعها والهدف الرئيسي في الصراع الدائر اليوم.
ما بنته الجمهورية الإسلامية على مر عقود أربعة وما استثمرته في ساحات لبنان والعراق وسوريا واليمن وغزة ينهار أمام أعينها، لكن المرشد الإيراني علي خامنئي، في خطابه الأخير لشبابه حول التطورات في المنطقة، اعتبر “أنه يجب على الجميع أن يعلموا بأنّ الأمور لن تبقى على هذا النّحو”. و”سوف ينهض الشباب السوريّون الغيارى حتماً، وسيصمدون، ويضحّون، ويتكبّدون الخسائر أيضاً، ولكنّهم سيتغلّبون على هذا الوضع”، و”قد يستغرق الأمر وقتاً، وقد يطول أيضاً، لكنّ النتيجة مؤكّدة وحتميّة”، و”لن يثبت لأمريكا موطئ قدم في المنطقة”. إنه عود على بدء أو لربما انفصام عن واقع التغييرات الكبرى، لكن “حائك السجّاد” له باع كبير في الصبر الاستراتيجي.