خسائر فادحة تطال قطاع تربية النحل بسبب حرب الإبادة في غزة
أدت حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة منذ أكثر من عام على قطاع غزة، إلى تدمير كامل القطاعات الاقتصادية والتجارية والصناعية، ومن بين تلك القطاعات التي تشكل مصدر دخل وفير ومهم قطاع تربية النحل، حيث دمر الاحتلال سواء بالقصف الجوي والمدفعي أو العمليات البرية، كافة مزارع النحل في مختلف مناطق القطاع، ولم يعد هناك أي وجود لهذه المزارع، وما زاد الأمر صعوبة في إعادة بناء تلك الخلايا، الدمار الهائل الذي لحق بالأراضي الزراعية وتدمير الأشجار، لاسيما أشجار الحمضيات والزهور التي يتغذى عليها النحل.
وتعتبر مهنة تربية النحل من أقدم المهن في فلسطين وغير مكلفة، حيث تساعد الطبيعة الجغرافية عملية التربية وتنوع مصادر التغذية للنحل، نتيجة اشتهار فلسطين بزراعة أشجار الحمضيات المختلفة والزهور، فيما تعتبر هذه المهنة مدرة للمال ويهتم أصحابها بها. وعلى صعيد قطاع غزة يوجد أنواع من النحل منها، النحل الحارثي الأصفر، وهو صنف شرس إنتاجه قليل ولا يستقر في مكان معين بل يتنقل كثيرا، أما النوع الثاني فيسمي القمري الأسود، ويعتبر هذا الصنف هادئا في طبعه وإنتاجه كثير، ومع تطور تربية النحل أدخلت سلالات أخرى جديدة كالنحل الإيطالي والمهجن.
ويوجد في قطاع غزة حسب إحصائية صادرة عن وزارة الزراعة الفلسطينية 20 ألف خلية نحل، موزعة على مناطق واسعة من القطاع، حيث كانت كل خلية تنتج مع بداية كل فصل ربيع وهي الفترة الموسمية لإنتاج العسل ما بين 8 إلى 10 كيلوات من عسل النحل، بينما في فصل الصيف تنتج 5 كيلوات، بمعدل إجمالي يصل إلى 250 طنا سنويا من الإنتاج، لكن بعد الدمار الكبير الذي أصاب القطاع، لم يعد ينتج عسل النحل، وهذا سيدفع التجار والمزارعين إلى الاستيراد من الخارج لتغطية العجز.
وعلى مدار سنوات الصراع المستمر مع الاحتلال الإسرائيلي، يتعرض قطاع النحل إلى خسائر ودمار متكرر، نتيجة عمليات التجريف التي يقوم بها الجيش عدا عن القصف للأراضي الزراعية، وما يزيد خطورة تدمير تلك الخلايا أن غالبيتها تقام في المناطق الحدودية البعيدة عن الكثافة السكانية، وهي المناطق التي كانت ولا تزال تتعرض لحفريات وتدمير من قبل الجيش الإسرائيلي، حتى في كثير من الأحيان يتعمد الاحتلال تدمير تلك المزارع، بهدف إجبار التجار على استيراد المنتج الإسرائيلي.
وتحدث عدد من أصحاب مزارع تربية النحل لمراسل “القدس العربي” عن حجم الكارثة التي أطاحت بمصدر رزقهم، بعد الدمار الكبير الذي تعرضت له خلايا النحل من تجريف وقصف إسرائيلي بشكل متعمد، وما يعكس ذلك من تدهور لأوضاعهم المعيشية، خاصة وأن مهنة تربية النحل تعتبر من المشاريع الزراعية المهمة والمدرة للمال.
تجريف الأشجار المثمرة
في منطقة أبو العجين شرقي مدينة دير البلح جنوب قطاع غزة، يحاول المزارع علاء حسون تجميع ما يمكن تصليحه من أقفاص الخشب التي تضم خلايا النحل، بعد أن تعرضت مزرعته الكبيرة في ذات المنطقة للتجريف، بعد التوغل الإسرائيلي للمدينة قبل أشهر قليلة، وتدمير جيش الاحتلال المساحات الزراعية والمباني السكنية في المنطقة.
يقول لـ”القدس العربي”: تكبدت خسائر مالية وصلت إلى ما يقرب من 20 ألف دولار، بعد الدمار الذي أصاب مشروعي الخاص بتربية النحل، إلى جانب تجريف الأشجار المثمرة، ولم يعد أي أثر للمزرعة سوى بعض الصناديق الخشبية، التي بدأت في استعمالها لإيقاد النار وطهي الطعام.
يشير إلى أن قطاع تربية النحل دمر كاملا، ولم يعد أي وجود لأسراب النحل في القطاع، بفعل الحرب والقصف وتجريف المساحات الخضراء التي تعتبر مصدرا أساسيا لجذب النحل، وهذا يصعب من إمكانية العمل في المرحلة المقبلة بهذا المشروع، الذي يعتمد بالأساس على الأشجار والزهور.
ولفت إلى أنه نجح في جني آخر قطفة للعسل قبل التوغل الإسرائيلي للمنطقة بأشهر قليلة، حيث يعتبر المزارع حسون واحدا من مئات المزارعين الذين نجحوا في جني العسل، على اعتبار أن باقي مناطق القطاع تعرضت للدمار منذ بدايات الحرب، في حين مدينة دير البلح دخلها الجيش بعد مرور أشهر من الحرب.
أما المزارع محمود قدوحة فقد تعرض هو الآخر لخسائر مادية كبيرة، من جراء الدمار الذي لحق بمزرعته الواقعة في مدينة خزاعة شرقي مدينة خانيونس، حيث جرف الاحتلال المنطقة بأكملها ولم يجد أثرا لخلايا النحل، التي دفنت وتحطمت بفعل الخراب الذي حل بالمدينة .
يوضح لـ”القدس العربي” أن مشروعه الزراعي قد انهار ولم يعد بإمكانه العمل فيه مرة أخرى لأسباب منها عدم توفر سيولة نقدية بسبب الاستنزاف الكبير للمال وخسارة الموسم الذي كان يعد مصدر دخل، السبب الآخر هو عدم وجود مساحات زراعية يمكن من خلالها تشجيع هجرة النحل للقطاع، والاستفادة من اعتبارها مصدر غذاء وبالتالي تنتج كميات وفيرة من العسل.
وبين أن العسل المحلي عليه إقبال كبير جدا من المواطنين، نظرا لجودته وعدم احتوائه إضافات، حيث أن المواطنين لا يرغبون في شراء المستورد لعدم معرفتهم إن كان طبيعيا أو مصنعا مع غزو أصناف كثيرة من العسل الأسواق.
ويأمل المزارع قدوحة أن تنتهي الحرب قريبا على غزة، وأن يحصل على تعويض للخسائر الكبيرة التي تعرض لها بفعل دمار مشروعه، وأن يعيد إحياء المشروع مرة أخرى، وحسب المزارع فإن المردود المالي لمحصوله السنوي من الإنتاج، يصل إلى ما يقرب من 7 آلاف دولار.
إسماعيل عبدالهادي
القدس العربي