تشيلسي يتحول من أضحوكة إلى منافس ..
كان الاعتقاد السائد في بداية الموسم، أن فريق تشيلسي سيواصل المضي قدما في طريق “اللا عودة” مع الإدارة الأمريكية الجديدة، على غرار ما حدث في موسمهم الأول في “ستامفورد بريدج” تحت قيادة المدرب غراهام بوتر، وبالمثل مع الأرجنتيني ماوريسيو بوتشيتينو في الموسم الثاني، قبل أن يأتي المدرب الإيطالي إنزو ماريسكا، ليعيد جزء من هيبة وكبرياء أسود عاصمة الضباب، بوضع البلوز في المركز الثاني في جدول ترتيب أندية الدوري الإنكليزي الممتاز قبل أيام من فترة أعياد الميلاد المزدحمة بالمباريات، والفارقة بالنسبة للأندية الطامحة في المنافسة على لقب البريميرليغ في نهاية الموسم، كدليل على نجاح المدرب الأصلع في تجاوز التوقعات، أو على أقل تقدير “يسير بالفريق بخطى ثابتة نحو الطريق الصحيح”، بفضل التحسن الملموس والواضح سواء في أداء المنظومة الجماعية للفريق أو مستوى الأفراد، مقارنة بالنسخة الباهتة التي كان عليها “فخر لندن” في فترة ما بعد رجل الأعمال الروسي رومان آبراهموفيتش، بجانب الطفرة الكبيرة في نتائج الفريق، والتي وصلت لحد تجنب الهزيمة منذ آخر ثاني وآخر سقوط في حملة البريميرليغ أمام ليفربول في الجولة الثامنة للدوري، وسبقها الخسارة أمام حامل اللقب مانشستر سيتي في اللقاء الافتتاحي للموسم، والسؤال الذي يفرض نفسه.. كيف نجح ماريسكا في تحويل تشيلسي من فريق أضحوكة ومادة ساخرة للعديد من النقاد والمتابعين إلى منافس حقيقي على لقب الدوري الأكثر قوة وتنافسية على هذا الكوكب؟ دعونا نستعرض معا الأسباب.
الصلاحيات والشخصية
واحدة من الأشياء، التي مكنت ماريسكا من فرض سيطرته على غرفة خلع الملابس، حصوله على الصلاحيات اللازمة من قبل مجلس الإدارة، كمسؤول أول عن الصفقات التي يوقعها معها النادي منذ يومه الأول في “ستامفورد بريدج”، عكس حالة الفوضى التي كانت مسيطرة على الفريق في فترة بوتر وبوتشيتينو، بتحويل تشيلسي إلى ما هو أشبه بمشاريع “غسيل الأموال”، بضخ مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية، لشراء ما يزيد عن 40 لاعبا في غضون عامين، الأمر الذي جعل قطاع عريض من متابعي الكرة الإنكليزية، يستبعد فكرة عودة تشيلسي إلى سابق عهده على المدى القصير أو المتوسط، لكن على أرض الواقع، عرف المدرب الإيطالي كيفية الخروج من هذه الورطة، من خلال رفع شعار “الشفافية والوضوح” مع هذا الجيش المهيب من اللاعبين، بالجلوس مع كل لاعب على انفراد، لمصارحته بالحقيقة وما سيحدث معه في المستقبل، إما بإخباره بأنه سيكون ضمن خياراته الأساسية أو مع البدلاء أو حتى تقديم النصيحة بالبحث عن مكان آخر، لعدم حاجة الفريق لخدماته، ما ساعد المدرب على فرض شخصيته بالطريقة التي أرادها لنفسه، حتى يتمكن من وضع حجر الأساس كما يخطط في رأسه، وحسنا فعل يتقسيم اللاعبين قبل رحيل الفائضين عن الحاجة، بحصر مجموعة مكونة من 25 لـ 30 لاعبا يتدربون تحت إشرافه، وباقي الأسماء كانت تتدرب تحت إشراف مساعد المدرب، وذلك للاستقرار على قائمة طبيعية مثل أغلب الفرق، تشمل عناصر أساسية في مباريات السبت والأحد في الدوري المحلي، وأخرى بديلة أو جاهزية لمباريات نهاية الأسبوع في بطولة المؤتمر الأوروبي، ليجني ثمار عمله وتخطيطه السليم، ببناء فريق أساسي يُقال عنه بلغة كرة القدم “لا أحد يتمنى مقابلته”، وآخر أساسي لا يقل جودة ولا كفاءة عن رجال الصف الأول، بفضل المنافسة الشرسة في كل المراكز تقريبا، والتي ساهمت بشكل أو بآخر في تقارب عدد لعب الأساسيين والبدلاء، في سابقة نادرة وربما تكون فريدة من نوعها في السنوات القليلة الماضية.
فرصة للجميع
بعد التخلص من الفائضين عن الحاجة أمثال رحيم سترلينغ، روميلو لوكاكو، وكيبا وباقي الـ18 ضحية، الذين سمح لهم المدرب إما بالخروج النهائي أو على سبيل الإعارة، أصبح تشيلسي في عهد المدرب ماريسكا فرصة للجميع، وهذا يرجع إلى وفاء والتزام المدرب بكلمته ووعوده للجميع، بأنه لن يتردد لحظة واحدة في منح الفرصة لكل من يجتهد ويبذل كل ما في وسعه في التمارين الجماعية، ويتجلى ذلك في تقارب عدد دقائق لعب الجميع، مثل مشاركة جاكسون في ما مجموعه 1062 دقيقة حتى مباراة توتنهام الأخيرة، التي حسمها البلوز بنتيجة 4-3، ونكونكو 822 دقيقة، والمفاجأة أن جواو فيلكس تحصل على 756 دقيقة لعب، بينما على مستوى الأجنحة، فهناك مثلا مادويكي بنحو 1066 دقيقة لعب، وبيدرو نيتو 907 دقيقة، وميخاليو مودريك بـ850 دقيقة، وسانشو القادم في آخر لحظات الميركاتو الصيفي من مانشستر يونايتد على سبيل الإعارة، شارك في أكثر من 500 دقيقة، ومثل هذه الفوارق البسيطة في عدد دقائق لعب المهاجمين ومفاتيح اللعب، لا تعكس سوى نتائج المنافسة الشرسة التي خلقها المدرب، بما فيهم حراسة المرمى، ولنا أن نتخيل أن الحارس سانشيز شارك في 1170 دقيقة، وبديله يورجنسن خاض 810 دقيقة، وبالمثل شارك طاقم الدفاع في ما متوسطه 850 دقيقة، وهذا الأمر في حد ذاته، لا يعتبر بالأمر السهل أو الهين في عالم كرة القدم، بل يحتاج إلى عمل شاق وفترة طويلة من التخطيط، لتكون المحصلة النهائية، ما نشاهده في الأسابيع القليلة الماضية، بعودة النسخة المحفورة في الأذهان عن تشيلسي الذي يهابه الكبار قبل الأندية المتوسطة والصغيرة، وبتشكيل أساسي شبه ثابت ومعروف في مباريات السبت والأحد، ونفس الأمر في مواجهات الخميس الأوروبية، مع بعض الاستثناءات بناء على الحالة الفنية والبدنية للاعبين مع ضغط روزنامة المباريات.
الطريقة والطموح
بخلاف الطرق المفضلة لأستاذ ماريسكا، الفيلسوف بيب غوارديولا، الذي ينوع بين طريقتي 4-3-3 و4-1-4-1، وبدرجة أقل 3-5-2، نجد أن مدرب البلوز، وجد نفسه مع طريقة 4-2-3-1، التي قادته إلى اكتشاف ثنائي ارتكاز يكمل بعضه الآخر، والإشارة إلى مويسيس كايسيدو ورميو لافيا، اللذان يتسابقان في افتكاك الكرة وقطع كل الطرق أمام المنافسين من العمق، وأمامهما بطل العالم إنزو فرنانديز، الذي بدأ يرد على كل من شكك في سعره، الذي تجاوز الـ100 مليون يورو، نظير ضمه من ناديه السابق بنفيكا البرتغالي، بتقديم دور لاعب الوسط “الريجيستا” كما يتمنى أي مدرب في العالم، كحلقة وصل بين الوسط والهجوم، وفي بعض الأوقات يتحول إلى مهاجم وهمي داخل منطقة الجزاء أو في موقف رائع للتسديد على حدود مربع العمليات، وقبل هذا وذاك، يتقمص الشاب الإنكليزي كول بالمر، دور البطولة المطلقة للموسم الثاني على التوالي منذ قدومه من مانشستر سيتي في صفقة تخطت حاجز الـ50 مليون جنيه إسترليني، كلاعب شامل يجمع بين دور صانع الألعاب الحقيقي، والعلامة الفارقة في بعض الأوقات، مثل الفرعون المصري محمد صلاح في ليفربول، وهذه المنظومة شبه المثالية في وسط الملعب، تعتبر كلمة السر وراء تفوق تشيلسي على أغلب خصومه في الدوري المحلي، باستثناء الهزة المتوقعة أمام مانشستر سيتي في لقاء الجولة الأولى، والهزيمة الأخرى أمام ليفربول، وإلا لما كان بصم الفريق على أفضل بداية منذ سنوات، بتسجيل أكثر من 60 هدفا في 24 مباراة منذ بداية الموسم، منهم 35 هدفا على مستوى البريميرليغ، آخرهم خماسية ساوثامبتون خارج القواعد، وتجاوز الغريم اللندني توتنهام بنتيجة 4-3 في عقر داره “توتنهام هوتسبير” في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، ليعزز فريق الأسود مكانه في المركز الثاني في جدول ترتيب أندية الدوري الإنكليزي الممتاز برصيد 31 نقطة، مبتعدا بنقطتين عن وصيف آخر نسختين الغريم اللندني الآخر آرسنال، ومتأخرا بأربع نقاط عن متصدر الدوري ودوري الأبطال ليفربول، وسط توقعات أن ينجح ماريسكا في تحقيق أهدافه الرئيسية في موسمه الأول، بإنهاء موسم البريميرليغ ضمن المراكز الأربعة الأولى، ليعود مرة أخرى إلى دوري أبطال أوروبا بداية من الموسم الجديد، ثم بعد ذلك تأتي خطوة التفكير في العودة إلى منصات التتويج، بالفوز إما بكأس الاتحاد الإنكليزي أو المؤتمر الأوروبي، ولم لا القتال على البريميرليغ حتى الأمتار الأخيرة، في ظل ابتعاد المتمرس الأول على اللقب مانشستر سيتي عن المنافسة، بتواجده في المركز الرابع برصيد 27 نقطة، بفارق ثماني نقاط عن المتصدر، فقط يتبقى أمام تشيلسي ومدربه الحفاظ على هذا الزخم والانسجام بين كل العناصر حتى نهاية الموسم، فهل يا ترى سينجح المدرب الإيطالي في مهمته للنهاية؟ أم سيواجه مصير ضحايا غرفة خلع ملابس تشيلسي المعروف عنها “مزاجها المتقلب”؟ هذا ما ستجيب عنه نتائج وعروض الفريق في الأسابيع القليلة المقبلة.