إسرائيل «تتحرش» بالأردن مجدداً ..
الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، خصم الأردن الأبرز، يؤدي شخصياً صلاته التلمودية نكاية بالوصي والوصاية في صحن المسجد الأقصى، وفي الأثناء يقرر الإسرائيلي على حدود الأغوار تنفيذ ما وصفه بمناورة عسكرية تقوم بها الفرقة الجديدة فيما العقدة الدرامية في التدريب العسكري محاكاة هجوم إرهابي على الكيان الإسرائيلي من جهة شرق الأردن.
في الرسالة التالية تسيطر إسرائيل تماماً على منابع المياه في مثلث الجولان ومحيطها، وتزداد حدة اعتماد الأردن على المياه وحصراً في حصته من مياه نهر اليرموك، على الكيان الإسرائيلي.
ثلاث رسائل عدائية جداً تجاه الأردن في ظرف أقل من 3 أسابيع.
وفي مناطق أعمق من منظومات الاتصال بين السيادي الأردني وما تبقى من مؤسسات عميقة في الكيان، المزيد من رسائل طمأنة بدأت أطراف في المؤسسة الأردنية تصنفها بأنها “إبر تخدير” تدعو للارتياب.
اليمين الإسرائيلي يسترسل في اتخاذ خطوات على الأرض وفي الجغرافيا وفي ملف القدس والوصاية الأردنية بصيغة عدائية جداً، والإشكال الذي تواجهه السفارة الأردنية في واشنطن مرة أخرى بعد ظهور ملامح الكسل والخمول على اتصالاتها هو فقدان الاتجاه في بوصلة الشكوى والتذمر، حيث لا مرجعية عند الصديق الأمريكي تدفع الأردن للتمتع ببعض مزايا التدخل الأمريكي.
والسبب مباشر وواضح وصريح، ولخصه البارز الدكتور جواد العناني في حضور “القدس العربي”؛ فالإدارة الأمريكية في مرحلة انتقال سلطة وتسلم وتسليم. وإدارة الرئيس جو بايدن ورغم التعاون معها في سوريا، لا تفعل شيئاً لتبديد مخاوف الأردن أو لكبح جماح خطط اليمين الإسرائيلي ضد مصالح الدولة الأردنية.
أبواب الرئيس الجديد دونالد ترامب في الأثناء، تبدو موصدة على الأردن ضمن المعادلة التي يقترحها على الأشقاء الأردنيين الناشط السياسي الأمريكي الفلسطيني الدكتور سنان شقديح، الذي يقدر بأن المزايا السيكولوجية للرئيس ترامب وطبيعة اختياراته لعناصر طاقمه تدل على أنه لا يهتم بالسياسية الخارجية خلافاً لأنه لن يفعل شيئاً من أجل من يتواصل معه بضعف مسبق.
العناني اقترح مبكراً تعزيز وفرض الذات في مواجهة تحالف قد يؤذي بين اليمين الإسرائيلي والأمريكي.
وقال أن الدول الأخرى التي تتأثر أو ستتأثر، عليها أن لا تبدي مرونة يستغلها الطرف الآخر في حال التفاوض بالملفات الأساسية، لكن الانطباع لا يزال في عمان بأن السياسة الواجب اتباعها حتى اللحظة لتجنب المجازفات مع إدارة ترامب تحديداً تقتضي العمل وبكل الطرق والصياغات على تمرير السنوات الأربع المقبلة.
لكن تلك السنوات المقبلة هي عنوان السيولة الاستراتيجية في المنطقة، وفقاً لتعبير المخضرم طاهر المصري.
وهي مرحلة حساسة وحرجة وخطيرة، كما فهمت “القدس العربي” أيضاً من رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب، الذي يتصور بأن ترسيم الاحتياجات والثوابت خطوة أساسية لقطع نصف المسافة نحو حماية الذات.
مثل هذه الآراء لا تجيب عن السؤال المركزي الذي ينمو ويزحف بوضوح وسط نخب العاصمة الأردنية: ماذا لو قرر ترامب منح اليمين الإسرائيلي ما يريده من الأردن؟
طرح السؤال بصيغة علنية بحثية العالم الأكاديمي المعروف وليد عبد الحي، واقترح ساسة آخرون من بينهم نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، بأن ذلك السيناريو ينبغي افتراضه وبأنه يشكل لحظة اصطدام مع واقع جديد لا بد من الاستعداد له.
تقدير الحلايقة في التركيز على استخدام القوة لدرء المخاطر ولتحقيق ما يمكن تحقيقه من حماية المصالح أو المكاسب فيما ورقة القوة المركزية تتمثل، برأي الحلايقة، بتعزيز صلابة ومتانة الجبهة الداخلية بما يخدم قدرات وهوامش القرار السياسي وسط تراكم الانطباع بأن المواجهة مع أطماع ومشاريع وطموحات اليمين الإسرائيلي حتمي في كل حال أردنياً.
ورغم أن الدولة الأردنية لم تقر بعد تلك الحتمية فإن الدلائل عليها تبرز واحدة تلو الأخرى، فيما الرشد والتعقل وإدارة المشهد بالطرق القديمة أو الكلاسيكية غير منتج حتى برأي السياسيين معتدلين جداً مثل العناني وأبو الراغب وغيرهما.
الإطار العام هنا يقترح الخروج من معلبات إدارة العلاقة مع اليمين الإسرائيلي، لكن بأي اتجاه وكيف؟ تلك تبدو أسئلة شائكة، وجزء من الجواب عليها قد يرتبط بتطورات الحدث السوري تحديداً.
إلى أن تتمكن المؤسسة الأردنية من تفصيل إجابات واقعية ومقنعة على أسئلة اليمين الإسرائيلي المربكة، ثمة معالم طريق أصبحت واضحة حتى برأي التيار الإسلامي، يمكن للدولة أن تسلكها بدون كلف أو فواتير، ولعل أبرزها الانتقال بالمعنى الحرفي الشمولي في المسألة السورية والتركية تحديداً، من موقع الحذر والحيطة والفرضيات إلى موقع الشراكة مع عناوين الدولة السورية الجديدة، حتى أن تطلّب ذلك لاحقاً دوراً أكبر للإسلام السياسي في الداخل الأردني.
اليمين الإسرائيلي يحاصر تماماً ما سبق أن سمي بثوابت الأردن في القدس والوصاية وعلى الأغوار وفي الحدود الأمنية، وفي إنتاج بيئة في الضفة الغربية تسمح بالتهجير.
إمكانات الدولة الأردنية في التصدي والاشتباك أو على الأقل تقليل الخسائر، قد تتطلب إزالة كل مؤشرات الحذر القديمة عن العلاقة والتواصل مع دولة مثل تركيا، وترك بعض الدول العربية الشريكة التي تعتبر الإسلام السياسي خصمها وعدوها الأول منذ برمجت الثورة المضادة على ربيع عام 2011.
بين الخيارات دوماً الانفتاح على الإخوان المسلمين في الداخل، والمقاومة الفلسطينية في الخارج، وبينها العمل بذكاء وعمق دبلوماسي باتجاه حالة ربيع شرق أوسطية لا تقف عند حدود سوريا أو لبنان أو ما كانت عمان تسميه بالهلال الشيعي، بل تشمل اليمين الإسرائيلي أيضاً تحت عناوين استقرار المنطقة.
بسام البدارين
القدس العربي