وعد مشؤوم لم يغب عن ذاكرة النضال
الشريط الإخباري :
نيفين عبدالهادي -لست من الباحثين عن مفردات أو رموز للحديث عن فلسطين، فهي أكبر من اللغة وأكبر من الوصف ومن العشق، أكبر من رمز المفتاح الذي رافق شعبها وأبلغ من قصائد الشعراء فهي «البلاد» التي منحها من لا يملك ذرّة تراب بها لمن لا يستحق، ظنّا منهم أن فلسطين سهلة والفلسطيني سينسى ويسلّم وطنه بسهولة قرار من سرقها.
(102) عام على «وعد بلفور المشؤوم» أو كما وصفه الفلسطينيون «وعد من لا يملك لمن لا يستحق»، هذا الوعد الذي غيّر مجرى التاريخ، وشكّل منطقة الشرق الأوسط كاملا، وجعل في خاصرة الأمة العربية جرحا يزداد عمقه وألمه عاما بعد عام.؟ وعد جعل من حياة الفلسطينيين كافة بلون الغضب والظلم والقهر، فهم الشعب الذي سرق رغيفه ورمي له الفتات منه منّة.
في الثاني من تشرين الثاني 1917، بعث وزير خارجية بريطانيا في تلك الفترة، جيمس بلفور، برسالة إلى اللورد ليونيل والتر روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك، لتُعرف فيما بعد باسم «وعد بلفور»، حيث قدّم له في مضمونها فلسطين دولة لهذا الكيان، وكان أن أصدرت الحكومة البريطانيّة خلال الحرب العالمية الأولى إعلان دعم تأسيس «وطن قومي لليهود» في فلسطين، فيما كانت هذه الجماعات في ذلك الوقت أقليات لا تصل نسبتها في المنطقة الى أكثر من (5%)، زارعين بذلك لغما موقوتا في المنطقة، وواضعين بلدانها على فوّهة بركان.
هي ذكرى، لم تغب لحظة عن ذاكرة الفلسطيني والأردني بالمطلق، ذكرى أصبحت بها فلسطين الحكاية وفي دروبها ألف ألف وجع، وألف ألف أنين، وكأن أوراق هذا الوعد المشؤوم أعلنت حالة حداد دائمة على وطن سلب دون حق، وتقاسمه المحتلون بظلم وحقد، ولكن الأهم أن فلسطين بقيت صامدة رافضة الوعد وغيره من تبعات حاولت وتحاول إسرائيل أن تهوّد هذه الأرض المقدسة من خلالها، لكنها لم تتمكن بل وباءت بالفشل كله.
لعلّها التواريخ التي تؤكد أن هذه الذكرى وغيرها حياة متجددة، لم تقف عند زمنها ولم تبق مجرد قصائد شعرية في ذهن الأجيال، وانتهى وقتها، ولم تحبس تفاصيل تلك الأيام في خزانات الذاكرة، ولا في صناديق جيل غادرنا معظم أبنائه، هو التاريخ يعود لكن الأرض ما تزال محتلة، وهذا يجعل من مسيرة النضال ماضية إلى حين تحرير فلسطين، ليس هذا فحسب، إنما لمثل هذه التواريخ في ذاكرتنا مفعول المنشطات الوطنية والنضالية، تقوّي من عزيمة المناضلين والمرابطين وتجعل من عهدهم مستمرا حتى يمتلكون القمّة.. قمّة النصر وسيستبدلون يوما سلاسل قيد كفوفهم بحريتهم.
ربما هي الثقة بأن الحق قادم، وربما هو الإصرار الفلسطيني الذي يشبه ذاته فقط، وربما هو الأمل بأن العدالة ستتحقق، من هذا وذاك نستمد العزيمة بأن فلسطين عربية، ولها أسود يبذلون نفوسهم بسخاء لترابها، إلى حين التحرير، وعودة الحق لأصحابه، فهي فلسطين درّة الأرض التي لا يليق بها سوى الفرح.