العمل النقابي بين المهننة و السياسة و الحرب الباردة بين ذئب التيارات السياسية و دب التجمعات النقابية.

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

د محمد العزة 

 محوران لطالما تأرجح العمل النقابي بينهما على الأقل خلال  العشرين سنة الماضية لتطغى كفة المسار  السياسي على المهني، حيث طغت الممارسة السياسية على عمل و نشاطات النقابات على حساب العمل المهني الخدماتي ( الحقوق والواجبات) و ما ما تحتاجه المهن من مواكبه و تطوير، و يعود السبب في ذلك لانقطاع  العمل الحزبي داخل الحياة السياسية الأردنية مابين الفترة الممتدة من أواخر الستينات و حتى نهاية الثمانينات التي عاد فيها العمل الحزبي و البرلماني إلى سيرته و نشاطه الاول لاحقا  . 

خلال تلك الفترة وجدت الأحزاب في النقابات ضالتها و نافذتها لممارسة نشاطها السياسي تحت غطاء المظلة النقابية، التي صارت حديقتهم الخلفية التي أنطلقوا منها إلى واجهة العمل السياسي وبناء  قنوات اتصال مع الشارع  الشعبي لضمان الحفاظ على وجودها و تواجدها و بقاء  لونها السياسي و الفكري، الأمر الذي أوجد حالة من  المنافسة وصلت إلى مستوى النزاع و كسر العظم بين فريق أو تيار اليسار و اليمين ، لتحقيق الأغلبية فيها و وسم نهج الخطابات و البيانات الصادرة عنها بما يشابه تلك التي  تصدر من نفس الفكر و المرجعية السياسية سواء يمينا دينيا أو يسار  قومي شيوعي بعثي تحرر وطني و احيانا تلتقي المصالح الشخصية عند بعض قيادتها وهنا تشكلت بوادر الآزمة و الحالة المرضية التي أصابت النقابات و  العمل النقابي ، حيث صارت حكرا متداولا لتيار  سياسي أو أكثر لا يتعدى الاثنين و غياب البرامجية  المؤسسية عنه .

الأحزاب الأردنية لا ينكر أحد دورها  في بناء البنية التحية الفكرية و التشريعية و دورها  كرافعة معرفية ثقافية أسهمت في بناء دولة الديمقراطية و الإدارة المؤسسية التشريعية ، لكن هي ظروف المنطقة آنذاك منعها من إكمال مسارها الوطني و إنشاء مؤسسة حزبية اردنية وطنية توازي المسار المهني و تتبادل معه الخبرات لكن  العديد من هذا الاحزاب والتيارات السياسية كانت ترتبط بحبل سري خارج الدولة الاردنية ، الأمر الذي أوجد طفرة جينية سياسية  اجهضت تلك الجهود ، خاصة اليسارية الإشتراكية و القومية وحركات التحرر العربية ، مع حفاظ تنظيم الإخوان على تواجده على شكل حرمة و ليس لمتطلبات المرحلة و هذا ما أتاح له حرية الحركة و النشاط الطلابي و النقابي و أعطاه أفضلية و احيانا كثيرة الأغلبية ، الذي قدم نفسه للشارع الشعبي و المستوى الرسمي أنه اليمين الاردني الند و المقابل لتيار اليسار السياسي ، لتظهر منذ ذاك الوقت قائمتين البيضاء و الخضراء و ليبدء عصر الإقصاء و خاصة عند تنظيم الإخوان و انتهت التعددية التشاركية فأصبح كل تيار يريد إسقاط تجربته الحزبية وفكره الأيديولوجي و العقائدي كما هو حسب دولة المنشأ دون معرفة إذا ما كان ملائما و الاطار او المناخ العام لبيئة الحياة السياسية الاردنية.

النقابات المهنية الغراء كانت الضحية ( مع الاعتراف أنها شهدت فترات تحسن)  تراجع أداءها المهني جراء تنافس أو نزاع قطبي الحزبية السياسية.

لما هو دور النقابات في وطنا ؟؟؟؟

تعمل مشاريع تنمية لمنتسبيها ومجتمعها ويخلف عليها 

اين 

المصانع 

المستشفيات

المدارس

الشركات الانتاجية 

وغيرها علما أن ميزانياتها بمالملايين ولو تكاتفت معا وتضامنت لاصبحت احد مصادر التنمية الاقتصادية ورافد اساسي للاقتصاد الوطني ولكن هناك فرق نقابية تعمل على تحجيمها على مقاسها لبقاءها تحت الاضواء واستخدامها لاغراضها الخاصة مما اضاع دورها الاساسي في التمنية البشرية والاقتصادية.

المقدمة اعلاه قد يكون رأيا شخصيا مقتضبا لما سمعناه و عايشناه من حقب هذه الفترات الزمنية سالفة الذكر ولكن ما شأنها في الحياة النقابية  سنجد ان بدايات التأسيس لهذه النقابة العريقة ضمت واستوعبت وصهرت مكونات الطيف الحزبي السياسي الاردني دون اقصاء او ممانعة ونجحت في اظهار تعاون ممثلي هذه الاحزاب انهم شركاء في البناء وحماة للانجاز ونقله للاجيال القادمة فكان النجاح وارث الانجاز حليف هؤلاء الاشخاص على مستوى العمل النقابي الصيدلاني الاردني واصبح للصيدلي الاردني ذاك الوقت نقابة فاعلة قوية تدافع عنه وتسهم في تطوير مهنته والانظمة الضابطة لأيقاعها ولكن ما الذي حصل بعد ذالك وخصوصا في ال 25 سنة الماضية من تغير على مسيرة هذه النقابة المهني واستبدال منهج الشراكة والانسجام بقيض الصراع والتنافس ورفع الرايات البيضاء والخضراء وتراجع او اقصاء المستقلين من ابناء هذه المهنة الذين لا يعرفوا للطرق السياسية عبر قنوات النقابات ولا بريق المناصب عبر الشخصيات العامة .

فما كان ان اصبح تقسيم الادوار و الحصص في هذه النقابة الكريمة الا حسب الولاءات الحزبية و الانتماءات الفكرية والفاعلة على الساحة فانشغلوا بأمور سياستهم والصراع القائم و فرطوا بالإرث الموروث ووضع الانظمة والتعليمات التي تضمن سلطتهم و سلطانهم والعصر الذي هم فيه فما كان الا ان اصبحت هذه المهنة الى تراجع و احتكامها لقوانين اما عفى عنها الزمن نتيجة الاهمال و الاغفال او التجميل لبعض البنود تخدم الصالح الخاص لمن تواجد على سدة ادارة النقابة في سنواتها العشرين الماضية العجاف و أفرغت النقابة من مضمونها الجوهري والتركيز على المهننة ودورها المحوري كمنارة لمنتسبيها في استشراف المستقبل وملاذا من تغيرات الحاضر .

 عام 2015 الذي طرأ فيه كسوف جزئي لمجلس النقابات ليتبعه خسوف كلي لمجالسها فأنقلبت الموازين وبان الوهن والاداء للعناصر التي كانت تدير المشهد النقابي وانكشف عوراتهم و استفاق الجيل الحالي لما يدور في  نقاباتهم الام التي عانت من تصدعات في جدرانها الداخلية ولكن لم يطال اساساتها فأنبثقت العديد من التجمعات  النقابية المستقلة وبدأت تنادي بفصل السياسة عن المهنة لكون مبدأ المشاركة والتشارك مغيب واستلمت زمام المبادرة واستطاعت ان تظهر بكيان واضح للعيان وتشكيل جماعة ضغط نحو احداث تغيرات وجراحة ضرورية لاسعاف المهن بمختلف مجالاتها من علاتها ، وتشكل اكثر من تجمع لتكون فترة التجمعات النقابية بدلا من عهد التيارات السياسية و أقيمت الانتخابات لمجلس النقابات وتكاد لاول مرة على اساس البرامج الانتخابية ونجح هذا النهج بفرز مجلس بعيد عن الوان و الصبغات المعهودة ليحل محلها شعارات التجمعات والبرامج التي وضعت لتلبي احتياجات المهنة و منتسبيها وتحل القضايا المتراكمة نتاج وهن وسوء الادارات السابقة لمجالس التيارات السياسية وتحديدا في العشرين سنة الماضية التي حاولن  ركوب الموجة واستعمال اسلوب التقيا النقابية وتسخيرها في بقاء مصالحها الخاصة تنبض على حساب المصلحة العامة ومن هنا ما نشهده اليوم من انتخابات واستقرار مجالسها وعودة نقاباتهم  لوتيرة الحياة ان صراع او حربا باردة تدور ما بين ذئب التيارات السياسية ودب التجمعات النقابية  والتي لن تنتهي الا بما يصح ويجوز ويتطلع له النقابي المهني المستقل المنحاز لمهنته ووطنه لكونه شريكا في العطاء والبناء.

و صيتنا للجيل الحالي والقادم بأن يعودوا لنقاباتهم والتفاعل معها وليكونوا همزة الوصل مع مجتمعهم.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences