إيران وإسرائيل في المشهد السوري: صراع نفوذ أم صدفة؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

ألقت الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا، حزمة ضوء كبيرة على التحديات الأمنية التي يواجهها النظام السياسي الجديد. وهي واحدة من الرهانات الكبيرة التي تقف بوجهه، وربما تحول دون بسط نفوذه على كامل التراب السوري. فالتصعيد الأمني الأخير هو الأعنف منذ الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024. فقد حصلت اشتباكات بين قوات الأمن والفصائل المسلحة الموالية لها، وبعض ممن يوصفون بأنهم موالون للنظام السابق في المنطقة الساحلية في غرب البلاد. ويقينا أن ما حدث لا يمكن حصر أسبابه بأسباب داخلية فقط، بل يعود أيضا إلى ما يحدث في الإقليم بشكل عام.
بداية لا بد من القول إن الحدث لم يكن وليد اللحظة، أو رفسة أخيرة لمن ينازع الموت، بل كان تحركا عسكريا مُنظما يبدو أنه يُقاد من غرفة عمليات واحدة، أدارت المجموعات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن العام، وحاصرت الكثير من مقراته.
على الجهة المقابلة كانت ردة الفعل كبيرة للغاية من قبل الفصائل المتحالفة مع هيئة تحرير الشام. ومن راقب طبيعة العمل العسكري لهذه الفصائل على مدى السنوات الماضية، فإنه كان يقوم على مسألة النفير العام عند وقوع حدث ما، والتوجه بشكل جماعي إلى منطقة الحدث، ثم التعامل مع الحالة، وفق اجتهاد كل فصيل على حدة. وهذه هي طبيعة العمل في كل الفصائل المسلحة، حيث من الصعب حصرها تحت توجيهات غرفة عمل موحدة. وقد انعكس هذا الأمر بشكل واضح في المواجهة الأخيرة، حيث حدثت انتهاكات من قبل الميليشيات المسلحة التي استهدفت قوات الأمن العام، وكذلك المواطنين المدنيين على الطرق العامة، وقابلتها انتهاكات من الطرف الآخر أيضا. فكانت ساعات عصيبة وقاسية جدا واجهها المدنيون السوريون، بحيث غاب الحدث الأساسي الأول وهو الحدث الأمني، وحظر في التفكير حصيلة المواجهة وهم مئات القتلى، ومنهم من الطائفة العلوية. إذن نحن أمام مشهد توقعه الكثير من التحليلات السابقة، التي قالت إن هناك تنسيقا كبيرا بين مجموعات مؤيدة للنظام المخلوع، تعد العُدة للقيام بعمليات أمنية ضد النظام الجديد. ويبدو أن ذلك لم يكن غائبا عن تفكير القيادة السورية الجديدة، فالرئيس أحمد الشرع قالها علنا إن (ما يحصل في البلد هو تحديات متوقعة، لكن يجب أن نحافظ على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي قدر المُستطاع). والحقيقة أن هذه التحديات هي نتاج منظومة سابقة استمرت في سوريا ستة عقود، منها 54 عاما لمنظومة آل الأسد، مُورس فيها العديد من المجازر بشكل مُنظم، سواء مجازر حماه في عام 1982 وصولا إلى كل ما شهدته سوريا منذ عام 2011 حتى سقوط النظام. وهذا أنتج مجتمعا سوريا مُدمّرا، وشخصية وطنية تعرضت لكل أنواع الانقسام. وهنا لا بد من الإشارة إلى حقيقة أساسية وهي أنه كان من المنتظر أن تكون مقاومة النظام السابق في منطقة الساحل السوري، ومع الانهيار الكبير في الجيش السوري، وتساقط المدن بيد هيئة تحرير الشام، بالفعل انسحبت فلول النظام السابق الى هذه المنطقة، وبدأت تعيد تنظيم صفوفها. وبمرور الوقت بدا تأثير التحركات الإقليمية واضحا على ما يجري في غرب سوريا، حيث تم الحديث عن اجتماعات في محافظة النجف العراقية بين مستشارين إيرانيين وميليشيات عراقية وغير عراقية، نتج عنها تشكيل ما يسمى المقاومة الإسلامية في سوريا، حسبما أشارت إليه بعض الوكالات الإخبارية الإيرانية.

ليس بإمكان الرئيس أحمد الشرع أن يصنع المعجزات في زمن قصير، لكن عليه أن يكون صارما أكثر كي لا يؤثر هذا الأمر على شرعية الإدارة السورية الجديدة

إن مشاريع إيران في المنطقة وفي سوريا على وجه التحديد بعد سقوط نظام الأسد واضحة جدا، وقد تحدث بها كبار المسؤولين الإيرانيين. كما أن هنالك علاقة تاريخية تجمع ما بين إيران وكبار الضباط في النظام السوري السابق، وهذا يعطيها ميزة التواصل المباشر معهم وتحريكهم. كذلك تتوفر إمكانية جيدة لإيصال السلاح لهم، لذلك كان التحرك الأول لقوات الأمن في النظام الجديد هو تمشيط الحدود العراقية السورية، لكن المشكلة أن هناك جزءا خارج سيطرة هذه القوات، وهي المنطقة التي تسيطر عليها قوات قسد، وهناك اتهامات بأن السلاح يأتي من إيران عبر هذه المنطقة. ولا شك أن إيران لديها مصلحة بحالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تحدث في سوريا، وحالة نشوء ما يسمى مقاومة كالتي تم الحديث عنها آنفا، لأنها خسرت كثيرا مع سقوط النظام السابق. لذلك العبث الإيراني بات يتلاقى مع الأطماع الإسرائيلية وتعززها حالة سيولة الدولة التي تشهدها سوريا. وكل هذه الأمور هي وصفة سيئة للغاية. كما إن مشاريع إسرائيل موجودة أيضا فهي لحد الآن تضغط وبشكل كبير على النظام الجديد في سوريا، سواء عبر التوسع والسيطرة وقضم المزيد من الأراضي السورية، أو عبر إثارة حالة من الطائفية، كما جاء على لسان رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو، من أن إسرائيل تحمي الدروز. وهذا يشير الى أن هنالك أيادي إسرائيلية في الجنوب. كما أن هنالك تواصلا مباشرا جرى بين قادة قسد وإسرائيل.
إن حالة الفوضى التي ظهرت خلال أيام الأحداث الدامية تتطلب تحديدا واضحا للمسؤوليات، رغم أن هذا الأمر في غاية الصعوبة. نعم إن مهاجمة المراكز الأمنية وحصارها من قبل الفلول، أدت إلى حالة الفوضى التي رأيناها. لكن عملية النفير العام للفصائل ودخول الكثير من الأطراف غير المنضبطة، لفك الحصار أدت الى الانتهاكات التي حصلت. وعليه فالانتهاكات كانت من جميع الأطراف والسلطة الحالية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عما حدث، ولن يستطيع أحد أن يقول إن كل ممارسات الأجهزة الأمنية الجديدة كانت ممارسات سليمة. كما لا يستطيع أحد أن يقول ليست هنالك أياد خارجية تُحرّك، وليست هنالك عصابات في كل المناطق السورية كانت مستفيدة من الكبتاغون ومن تهريب الآثار، باتت عاطلة عن العمل فأظهرت نقمتها في الحادث الأخير. لكن التحرك بشكل سريع لتقديم كل المنتهكين إلى العدالة ضرورة مُلحة أمام العهد الجديد.
يقينا أن ما حصل مؤخرا، كان أمرا مؤسفا للغاية، خاصة أنه كان من أهم شعارات الثورة السورية هو تحريم الدم المدني السوري. لكن إرث 54 عاما يبدو أنه ظهر اليوم في الحادث الأخير. وأن عكس هذه الحالة يتطلب المزيد من الوقت والعمل، وليس بإمكان الرئيس أحمد الشرع أن يصنع المعجزات في زمن قصير. لكن عليه أن يكون صارما أكثر كي لا يؤثر هذا الأمر على شرعية الإدارة السورية الجديدة، وفي مقدمتها الرئيس نفسه، خاصة أن هذا كان شرطا من شروط المجتمع الدولي للاعتراف بالسلطة الجديدة.
د. مثنى عبدالله

كاتب عراقي

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences