من النقد إلى الدفاع.. ازدواجية المعايير الحزبية في تقييم مجلس النواب والحكومة

بقلم: . عوني الرجوب
كاتب وباحث سياسي
تعد الأحزاب السياسية حجر الأساس لأي نظام ديمقراطي، حيث تساهم في صياغة السياسات العامة وتمثيل المواطنين في المجالس التشريعية. إلا أن الواقع السياسي الأردني أظهر مفارقة لافتة، وهي أن مواقف بعض الأحزاب من مجلس النواب تتغير وفقاً لنتائج الانتخابات. فالحزب الذي يفشل في تحقيق الفوز يصبح أشد المنتقدين للمجلس، بينما إذا فاز أمينه العام أو حصل على مقاعد نيابية، يصبح من أكبر المدافعين عن أدائه، حتى لو كان المجلس ذاته هو الذي انتقده سابقاً.
هذه الازدواجية تثير تساؤلات جوهرية حول مدى التزام بعض الأحزاب بالمصلحة الوطنية، وهل تسعى فعلاً للإصلاح والتغيير أم أن مواقفها تُبنى فقط على المصالح الشخصية؟ هذه الظاهرة تضعف ثقة المواطن بالعملية الديمقراطية، وتجعل المشهد السياسي يبدو وكأنه ساحة للمصالح الضيقة، وليس ساحة للنقاشات الوطنية الهادفه.
1. من النقيض إلى النقيض: الموقف الحزبي وفقاً لنتائج الانتخابات
* . الأحزاب الخاسرة: الهجوم على المجلس والتشكيك بشرعيته
عند انتهاء الانتخابات وإعلان نتائجها، نجد بعض الأحزاب التي لم تفز بالمقاعد النيابية تبدأ بشن هجوم واسع على مجلس النواب، متهمة إياه بالضعف وعدم الفاعلية، وأحياناً تشكك حتى في نزاهة العملية الانتخابية برمتها. يتخذ هذا الهجوم أشكالاً متعددة، منها:
• التشكيك في شرعية مجلس النواب: تدّعي الأحزاب الخاسرة أن المجلس لا يمثل الشعب، رغم أن الانتخابات تمت وفق قوانين واضحة وإشراف رسمي ودولي.
• انتقاد أداء النواب: يتم وصف المجلس بأنه “ضعيف وهش” وغير قادر على التشريع أو الرقابة، رغم أن نفس الحزب كان سيمتدح أداءه لو فاز فيه.
• ادعاء التزوير: بدلاً من الاعتراف بالإخفاق في كسب تأييد الناخبين، تلجأ بعض الأحزاب إلى ترويج فكرة أن الانتخابات مزورة، على الرغم من أن الجهات الرقابية المحلية والدولية غالبًا ما تؤكد نزاهتها.
* . الأحزاب الفائزة: التطبيل للمجلس والدفاع عنه بكل الوسائل
على الجهة الأخرى، الأحزاب التي تحقق نجاحًا في الانتخابات تتحول فجأة إلى المدافع الأول عن مجلس النواب، معتبرةً أنه مؤسسة ديمقراطية فعالة، ويبدأ نوابها بتمجيد دوره، رغم أنهم قد يكونوا انتقدوه بشدة قبل الانتخابات.
• تبرير كل قرارات المجلس: أي إجراء يتخذه المجلس يصبح مبررًا ومنطقيًا، حتى لو كان هذا الحزب نفسه قد انتقد إجراءات مماثلة في مجالس سابقة.
• شيطنة المنتقدين: كل من ينتقد المجلس بعد الانتخابات يُتهم بمحاولة زعزعة الاستقرار السياسي، رغم أن الحزب نفسه كان ينتقده قبل الانتخابات.
• تحويل المجلس إلى منصة للدفاع عن المصالح الحزبية: بدلاً من العمل على التشريعات والإصلاحات الوطنية، يصبح دور الحزب الفائز الدفاع عن المجلس لمجرد أنه أصبح جزءًا منه.
2. ازدواجية المعايير: من المصلحة الوطنية إلى المصلحة الشخصية
. المصالح الشخصية قبل المبادئ
الحزب الذي لم يحصل على مقاعد نيابية يرى المجلس مؤسسة ضعيفة وغير فاعلة، بينما إذا حصل على مقاعد يصبح المجلس نفسه نموذجاً للعمل الديمقراطي. هذه الازدواجية تكشف أن بعض الأحزاب لا تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة، بل تبحث عن مكاسب شخصية لأمينها العام أو قياداتها.
* . الديمقراطية المشروطة: القبول بالنتائج فقط عند تحقيق المكاسب
المؤسف أن بعض الأحزاب لا تؤمن بالممارسة الديمقراطية إلا إذا كانت النتائج في صالحها. إذا فشلت في الانتخابات، تهاجم النظام الانتخابي وتشوه صورة المجلس، أما إذا نجحت، فتعتبر العملية الانتخابية نزيهة والمجلس في أفضل حالاته. هذا التناقض يضعف ثقة المواطنين في الديمقراطية، حيث يشعر الناخب بأن الأحزاب لا تمثل مواقفه بل تسعى لمصالحها فقط.
. تغييب الأولويات الوطنية لصالح المصالح الضيقة
بدلاً من العمل على تقديم مشاريع قوانين تدعم الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ينشغل بعض النواب من الأحزاب الفائزة بالدفاع عن المجلس لتبرير وجودهم فيه. وبالمقابل، تنشغل الأحزاب الخاسرة بالتشكيك في شرعية المجلس، مما يجعل النقاش الحزبي بعيدًا عن القضايا التي تهم المواطن الأردني.
3. تأثير هذه الظاهرة على الديمقراطية والعمل الحزبي
. إضعاف الثقة بالمؤسسات الديمقراطية
حين يرى المواطن أن مواقف الأحزاب تتغير وفقاً لمصالحها وليس وفقاً للمصلحة العامة، فإنه يفقد الثقة ليس فقط في الأحزاب، بل في العملية الديمقراطية ككل. وهذا يؤدي إلى عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات، وهو ما يضعف التمثيل الشعبي ويحدّ من تطور العمل البرلماني.
. تراجع الدور الرقابي لمجلس النواب
عندما يصبح دور النواب مجرد دفاع عن المجلس أو مهاجمته بناءً على مصالحهم، فإن دور المجلس الرقابي والتشريعي يتراجع. فبدلاً من محاسبة الحكومة ومراقبة أدائها، يتحول البرلمان إلى ساحة لخلافات حزبية لا تخدم المواطن.
. تحول الأحزاب إلى أدوات للبحث عن المناصب
مع تكرار هذا النمط، تصبح الأحزاب مجرد أدوات للحصول على المناصب وليس لتقديم برامج سياسية حقيقية. وهذا يفسر سبب وجود أحزاب ضعيفة بلا قاعدة جماهيرية حقيقية، بل مجرد تجمعات تستغل النظام الحزبي للحصول على مكاسب خاصة.
4. الحلول الممكنة: نحو إصلاح حقيقي للمشهد الحزبي
. تعزيز ثقافة العمل الحزبي الحقيقي
يجب على الأحزاب أن تدرك أن وجودها لا يجب أن يكون مرتبطاً بالمناصب، بل بخدمة المواطن عبر برامج حقيقية. وهذا يتطلب بناء أحزاب قوية تمتلك رؤية واضحة، وليس مجرد تجمعات تبحث عن مكاسب سياسية آنية.
. تبني مواقف مبدئية وليست متغيرة حسب المصالح
يجب على الأحزاب أن تكون ثابتة في مواقفها من مجلس النواب، بحيث يكون تقييمها للمجلس بناءً على أدائه الفعلي وليس بناءً على نتائج الانتخابات. فالحزب الذي يهاجم المجلس لأنه لم يفز يجب أن يسأل نفسه: “هل كان سينتقد المجلس لو فاز؟”
. تعزيز الشفافية والمساءلة داخل الأحزاب
يجب أن تكون هناك آليات داخلية في الأحزاب لضمان عدم تحولها إلى مؤسسات فردية يتحكم بها شخص واحد. فالأحزاب الحقيقية يجب أن تكون كيانات ديمقراطية تمثل أعضائها وليس مجرد أدوات في يد قيادات تبحث عن مصالحها.
وقد يكون النائب على القائمه الحزبيه تحت رحمة الامين العام فقد يتم فصل النائب الفائز على القوائم الحزبيه باي لحظه من خلال محاسبته على خطأ ليس بالاهميه اوقد يكون غير مقصود
او فصله تعسفيا ليأتي العضو الذي يليه نتيجة العلاقات الشخصيه ليس اكثر
وفي كلا الحالتين يصبح النائب رهينة ميزاجية الحزب او امينه العام وهذا يعبر عن ظعف الحزب وبرامجه وسياساته المنفرده
وفي هذي الظاهره نجد ان النائب عن القوائم الخزبيه مهدد في كل لحظه وذلك عندما يكون الحزب لا يهتم إلا بالمصالح الشخصيه لا تحكمه مبادئ ولا اهداف وطنيه
. توعية الناخبين بأهمية الاختيار الواعي
على المواطنين أن يدركوا أن التصويت للأحزاب التي تتغير مواقفها حسب مصالحها هو أحد أسباب ضعف مجلس النواب. يجب أن يكون الاختيار مبنياً على برامج الأحزاب وليس على وعود فردية آنية.
إن التحولات السريعة في مواقف بعض الأحزاب تجاه مجلس النواب وفقاً لنتائج الانتخابات تعكس مشكلة جوهرية في العمل الحزبي الأردني. فبدلاً من أن تكون الأحزاب أدوات لخدمة الوطن، أصبحت بعض القوى السياسية أدوات لتحقيق مصالح شخصية لأفرادها. هذه الازدواجية تضعف الثقة بالعمل الديمقراطي، وتساهم في تراجع دور البرلمان، مما يستدعي إعادة النظر في مفهوم الأحزاب ودورها الحقيقي في الحياة السياسية. المطلوب اليوم هو أحزاب حقيقية تلتزم بمبادئ ثابتة، لا تتغير وفقاً للمصالح الضيقة، بل تضع مصلحة الوطن والمواطن فوق كل اعتبار.
ولهذا لا نستغرب سخط الشارع على الاحزاب حيث ان المواطن بات على يقين ان مرشحي بعض الاحزاب جاؤوا لمصالح شخصيه وليس لخدمة الصالح العام
فذلك على الاحزاب التي فشلت ولم تنال اي مقعد حزبي ان تعيد حساباتها ولا تستمر بتوجيه النقد للنواب والحكومة معا وهي لم ينتخبها الشعب وغير مخوله باسمه
ومن حق النواب ان ينتقدوا الحكومه كما هو حق الشعب ان ينتقد الحكومة والنواب والأحزاب معا