روسيا: نقص البطاطس يحولها إلى سلعة رفاهية

{clean_title}
الشريط الإخباري :  

في روسيا، التي قد تكون الأولى في العالم من حيث مساحة الأراضي الزراعية، تَشحّ محاصيل البطاطس والبصل إلى درجة اعتراف الرئيس فلاديمير بوتين بوجود نقص في البطاطس وكذلك في بنجر السكر وبعض الخضراوات.
وكانت أسعار البطاطس قد شهدت ارتفاعاً بثلاثة أضعاف خلال العام الماضي وفقاً للأرقام الرسمية، بينما زاد سعر البصل بمقدار الضعف. وارتفع سعر الكرنب بأكثر من 50% عن العام الماضي، وفقا لمكتب الإحصاء الروسي «روستات».
وخلال يونيو/حزيران بلغ سعر الكيلوغرام من البطاطس ما يعادل يورو، وهو مبلغ غير قليل في بلدٍ متوسط دخل الفرد فيه أقل عن 1000 يورو قبل احتساب الضرائب ومعاشات تقاعدية تتجاوز 200 يورو، وفقاً لبيانات هيئة الإحصاءات الرسمية «روستات».
ويُعَدّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية أحد العوامل الرئيسية المسببة للتضخم في روسيا والذي يبلغ معدله حالياً 9.6%.
ويحاول البنك المركزي الروسي السيطرة على التضخم من خلال سعر فائدة رئيسي مرتفع – يبلغ حالياً 20%. لكن هذا الإجراء جلب لروسيا المزيد من التعقيدات.
ففي منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي الذي جرى مؤخراً، أصدر وزير الاقتصاد الروسي مكسيم ريشيتنيكوف تحذيراً واضحاً وغير معتاد عن مشكلات الاقتصاد المحلي، قائلاً «وفقاً للأرقام، نشهد تباطؤاً، ووفقاً للشعور الحالي لرجال الأعمال، نحن بالفعل على وشك الدخول في حالة ركود».
وأضاف ريشيتنيكوف أن مستوى سعر الفائدة الحالي يُثني رواد الأعمال عن الاستثمار. ووفقاً لتقديرات الوزير، قد تكون الاستثمارات في الربعين الثالث والرابع لهذا العام أقل من مستوى العام السابق.
في المقابل دافعت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، عن نفسها ضد اتهامات بانتهاج سياسة نقدية غير سليمة، لكنها توقعت أيضاً أن يواجه الاقتصاد الروسي صعوبات.
وذكرت نابيولينا أنه على الرغم من العقوبات حقق الاقتصاد الروسي نمواً على مدار عامين بفضل برامج إحلال الواردات وأموال صندوق الازدهار واحتياطيات رأس المال الموجودة في النظام المصرفي، وقالت «يجب أن ندرك أن العديد من هذه الموارد استنفدت بالفعل، وعلينا التفكير في نموذج جديد للنمو».
في الواقع، صمد الاقتصاد الروسي بشكل مدهش رغم الحُزَم المتتالية من العقوبات الغربية. ويعود ذلك في المقام الأول إلى التحول الجذري في الاقتصاد نحو الإنتاج الحربي. وقد تفاخر سيرجي تشيميزوف، المقرب من بوتين والرائد في قطاع الصناعات الدفاعية، مؤخراً بزيادة في الذخيرة والأسلحة «بعشرات الأضعاف مقارنة بعام 2021».
ومع ذلك يشكو المنتقدون من أن نمو الناتج المحلي الإجمالي لروسيا لا يعكس قدرة الاقتصاد على إنتاج سلع جديدة للمواطنين، ولا يؤدي إلى ارتفاع في مستوى معيشتهم، بل إنه يشير فقط إلى أن قطاع الصناعات الدفاعية – الممول من الميزانية – ينتج المزيد والمزيد من الطائرات المسيرة والصواريخ والدبابات.
في المقابل، تعاني القطاعات المدنية منذ فترة طويلة من ارتفاع التكاليف، وتقلص العمالة، والتخلف التكنولوجي الذي يزداد وضوحاً بسبب العقوبات. فعلى سبيل المثال، يعاني قطاع البناء والعقارات من أزمة حادة، كما شهدت صناعة السيارات ركوداً منذ أن أدار المنتجون ومصنعو قطع الغيار الغربيون ظهورهم لروسيا. ورغم تزايد مبيعات الصين من السيارات في روسيا، فإنها لا تنتجها هناك.
وعجزت شركة «أفتوفاز» – الشركة المُصَنِّعة لسيارات لادا والتابعة لإمبراطورية تشيميزوف الاقتصادية – عن سد الفجوة التي تركها مصنعو السيارات الغربيون.
وفي منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي، قدمت الشركة أحدث طرازاتها «لادا أزيموت» والمقرر أن تدخل مرحلة الإنتاج التسلسلي العام المقبل. ومع ذلك، لا تزال الطرازات السابقة تتراكم في المستودعات بسبب نقص الطلب.
وشهدت مبيعات السيارات الجديدة في روسيا تراجعاً جديداً بعد ذروة مؤقتة في عام 2024. ففي الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام لم تَبِع سوى حوالي 450 ألف سيارة، بانخفاض قدره 26% على أساس سنوي. كما تتوقع شركة «أفتوفاز» انهياراً في المبيعات بنسبة 25% للعام بأكمله.
وتشهد شركة «روستسيلماش» لتصنيع الآلات الزراعية أزمة أيضاً، حيث فرضت الشركة المُصَنِّعة للحَصّادات والجرارات على أكثر من 15 ألف موظف إجازة إجبارية. وبالنسبة للقوى العاملة لا يعني هذا راحة، بل مصيراً مجهولاً. وقد طبق نظام العمل بدوام جزئي في مصنع الشركة بالفعل في مارس/آذار الماضي، وتم تسريح ألفي عامل في أبريل/نيسان الماضي.
ومن المفارقات أن «روستسيلماش» غير قادرة أيضاً على الاستفادة من الانسحاب واسع النطاق لمنافسيها الغربيين. فمبيعات الحَصّادات متعثرة، حيث أعقب تراجع المبيعات بنسبة 20% العام الماضي انخفاض جديد بنسبة تتراوح بين 10% و15% حتى الآن هذا العام. ويتراكم 40% من الإنتاج السنوي في مستودعات «روستسيلماش». ويفتقر المزارعون إلى المال اللازم لشراء معدات جديدة. كما يعاني المزارعون من ارتفاع أسعار الفائدة على القروض وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وكان لهذا تأثيراً على الحصاد. ففي العام الأول من الحرب، 2022، أعلن بوتين بفخر عن حصاد قياسي للحبوب بلغ 157 مليون طن، إلا أن المحاصيل تراجعت في كل من العامين التاليين.
وقد أمر بوتين بالفعل بزيادة حصاد الحبوب إلى 170 مليون طن والصادرات إلى 80 مليون طن بحلول عام 2030، إلا أن نائب رئيس الوزراء دميتري باتروشيف، المسؤول عن القطاع الزراعي، قال مؤخراً «بناءً على الاتجاهات الأخيرة، فإننا نسير في الاتجاه المعاكس»، مؤكداً ضرورة تصحيح هذا الوضع بسرعة.
ولا تزال الحكومة تأمل في حصاد أفضل من العام الماضي. ومن المنتظر حصاد البطاطس خلال الأيام المقبلة. وبسبب زيادة العرض، قد تنخفض الأسعار مؤقتاً مرة أخرى.

© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences