حركة الأساطير في حياتنا
الشريط الإخباري :
حسين الرواشدة
لا نحتاج الى حفريات عميقة داخل الذات العربية في المجالين الديني والسياسي تحديدا لكي نكتشف الاساطير التي نشأت عليها،نظرة واحدة للسطح تكفي لرؤية حركة هذه الاساطير في حياتنا وواقعنا.
الاساطير في المجال الديني كانت صادمة اكثر، لا لانها فقط تستمد شرعيتها من « قداسة « المرجعية التي نتوهم انها تنتسب اليها وانما ايضا لانها شكلت الاساس الذي انبنى عليه وعينا وثقافتنا وانبنت عليه احكامنا التي نصدرها تجاه الذات او الآخر، خذ مثلا «اسطورة الخلافة « التي ما تزال تشكل عقدة نفسية للكثير من المسلمين، كيف يتم توظيفها لتبرير «التوحش» والقتل، وتجاوز القيم التي تمثلها الدولة العادلة المنسجمة مع مبادئ الدين.
خذ ايضا اسطورة السياسة التي تم اختزال الدين فيها، وتوظيفها لخدمته حتى لو كانت منزوعة من اخلاقيات الدين، ثم ماذا كانت النتيجة؟ ان كل هذه الحروب التي عانينا منها على امتداد تاريخنا كانت بسبب تقمصنا لهذه الاسطورة التي افرزت من «التدين « اسوأ ما فيه ومن المسلمين اوحش ما لديهم،وخذ ايضا اسطورة «الانا الناجية « والآخر الهالك،واسطورة «انا المسلم استاذ العالم ومعلم البشرية»، واسطورة «النسخة العربية المعتمدة والوحيدة للاسلام «واسطورة الجهاد الذي اختزل في القتال فقط، واسطورة « تقسيم العالم الى فسطاطين» على مسطرة التكفير والولاء والبراءة، ولا تنس بالطبع اسطورة «الطاعة»،واسطورة «الغنيمة « واسطورة تقديس التاريخ..
ما اكثر الاساطير التي تحتشد في مدوناتنا التاريخية والفقهية لدرجة ان المسلم الذي تصور بان الدين جاء لكي يحرره من الخرافة والاسطورة انتهى للاسف - بفعل بعض الذين تقمصوا دور العلماء واصبحوا رجال دين - الى العيش في واقع حزين سادت فيه الخرافة فقهرته واستلبت منه عقله وانسانيته.
ثمة اساطير سياسية ايضا، خذ مثلا اسطورة «الدولة « الوطنية التي ما تزال مجرد هياكل غامضة مفرغة من المضامين، هذه الدولة التي تأسس عليها وعينا باعتبارها اطارا عاما للوطن وملكا لمواطنيها ومصدرا للقوة نكتشف الان بعد ما جرى في عالمنا العربي ان صورة الدولة في المخيلة الاسطورية ليست كما هي في الواقع..
خذ في المجال السياسي ايضا، اساطير اخرى مثل : «التنمية»، الديمقراطية، العدالة، الشعب الواحد، ستكتشف ايضا بان حركة السياسة ومعها حركة المجتمع في الغالب كانت تسير بعكس اتجاه هذه القيم والمفاهيم، فالتنمية التي افرزت اكثر من 60 مليون امي في العالم العربي واكثر من 100 مليون شاب عاطل عن العمل،، و لم تنتج جامعة عربية واحدة بين اوائل مئة جامعة في العالم ولم تسمح للبحث العلمي ان يحوز على اكثر من اثنين في العشرة من مئة من الناتج الاجمالي للدول العربية، ليست اكثر من «كذبة» واسطورة، اما الديمقراطية والعدالة..الخ، فليست اكثر من نسخ متشابهة للتنمية، ومجرد تطبيقات عملية بائسة لها.
اذا اردنا ان نغادر ازماتنا المزمنة لا بد ان نفتح عيوننا على كل الاساطير التي كرست تخلف الذات العربية المسلمة، والغت عقلها،وجردتها من انسانيتها، وان نتصارح و نتصالح ونكف عن استخدام منطق التكاذب والمجاملة، والاقصاء والتكفير، واستعداء الذات والاخر، لا بد ان نبدأ مرحلة التحرر من الخرافات السياسية والدينية، وبعد ذلك يمكن ان نبحث على وجه اليقين : كيف نعبر الى المستقبل..؟