«عنزة ولو طارت»

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
 عمر عليمات - أثناء تولي ونستون تشرشل رئاسة وزراء بريطانيا، ثار خلاف كبير بين حزبي العمال والمحافظين حول أحد المشاريع، فطُلب من تشرشل إبداء الرأي في موضوع الخلاف لحسمه، وعندما انتهى من كتابة الخطاب الذي سيلقيه أمام البرلمان عرضه على سكرتيره الخاص، وسأله عن رأيه: هل الخطاب مقنع أم لا؟، فأجاب السكرتير بأن الخطاب ممتع ومكتوب بشكل جميل، إلا أنه لم يفهم هل تشرشل مع المشروع أم ضده، فأجاب تشرشل: وهذا هو المطلوب تماماً.
بعض القرارات الحكومية التي تصدر أحياناً ينطبق عليها ما ينطبق على خطاب تشرشل، فلم نعُد نفهم ماهية بعض القرارات وكيف يتم اتخاذها، وهل مَن عمل عليها مقتنع أصلاً بها.
عملية دمج المؤسسات التي أُعلن عنها مؤخراً تعزز القناعة بأن الكثير من قراراتنا يحكمها التسرع، خاصة بعد الحديث عن عدم دستورية دمج بعض المؤسسات، ودمج أخرى كان يفضل بقاؤها مستقلة، فيما تركت هيئات ومؤسسات من دون دمج مع أن إلغاءها تماماً لن يسبب أي ضرر، فهل العملية تمت وفقاً لقناعات حكومية مستندة إلى دراسة وتخطيط فعلي، أم مجرد قرار ارتجالي لذر الرماد في العيون؟، وما ينطبق على الهيئات ينطبق على دمج وزارات ثم تفكيكها في أول تعديل وزاري.
ولا يقتصر الأمر على القرارات الإدارية، بل تتعدى ذلك، متسبباً في تأزيم الشارع وزيادة الضغط الاجتماعي نتيجة الإصرار على رفع ضريبة الدخل والمبيعات بحجة تعزيز إيرادات الدولة، إلا أن ما حدث جاء معاكساً تماماً، حيث تراجعت الإيرادات ووجهنا ضربة قاصمة للمستثمرين في مختلف القطاعات.
«العقل البيروقراطي» الأردني كان لفترات طويلة مدرسة خرجت الآلاف من القادة، وصدّرت كفاءات نقلت التجربة الأردنية المتميزة إلى العديد من دول العالم، فما الذي حدث لهذه المدرسة.
ما يحدث في الإدارة العامة الأردنية بحاجة إلى وقفة جادة تعيد هيبة بيروقراطية الدولة عبر ترسيخ مفاهيم العمل المؤسسي، وتعزيز صلاحيات وحدات التخطيط الاستراتيجي، فمن غير المعقول أن يبقى القرار أولاً وأخيراً مرهوناً بقناعات المسؤول الأول عن هذه الجهة أو تلك.
التخطيط القائم على دراسات معمقة للتحديات والفرص لسنوات مقبلة، هو الطريق الذي سيوصلنا إلى تحقيق الأهداف التي نسعى إليها، أما أن نبقى نمارس التجارب من توجه إلى آخر، فلن يزيد ذلك المشهد إلا تعقيداً، وستبقى الصورة الذهنية عن حكوماتنا، ذات الصورة، ولعل أزمة الثقة التي تعانيها حكوماتنا لم تعُد خافية على أحد.
المثل الذي يقول «عنزة ولو طارت» أصبح منهجاً في بعض مؤسساتنا، فبرغم أن الكثير من المتخصصين يحذرون ليلاً ونهاراً من بعض القرارات ونتائجها الكارثية، إلا أن المسؤول يبقى (في أحيان كثيرة) متمسكاً بأن قراره هو الأصوب والأرجح، والمصيبة أنه عندما ينتهي إلى الفشل، يعاود التجريب مرة أخرى، وكأن شيئاً لم يحدث. باختصار، أعطوا «عقلنا الإداري» الصلاحية ومسؤولية اتخاذ القرار.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences