“عام آخر يرحل … ومؤهلي الاختصاص والبورد الأجنبي بلا حسم”
مع نهاية عام آخر، يظل ملف مؤهلي الاختصاص وحملة البورد الأجنبي في الأردن معلقًا بلا حسم، رغم الجهود الرسمية المتكررة لمراجعته. سنوات طويلة من الدراسة والتدريب والخبرة العملية اكتسب خلالها الأطباء مهارات وكفاءات عالية تُعد قيمة مضافة للنظام الصحي الأردني، إلا أن استمرار الانتظار يعيق استثمار هذه الخبرات ويترك أثرًا مهنيًا وإنسانيًا على أصحابها. هذا الملف لا يعكس مجرد مسألة إدارية، بل هو قضية مرتبطة بالعدالة المهنية وحقوق الأطباء وكفاءة النظام الصحي بأكمله. فالأطباء الذين أمضوا سنوات طويلة في تحصيل المؤهلات العليا يجدون أنفسهم اليوم عالقين بين الوعود المؤجلة والاجتهادات المتناقضة وغياب جدول زمني واضح لإنهاء ملفاتهم، مما يزيد من الضغط النفسي والمادي عليهم وعلى أسرهم.
أبرز ما يواجه حملة البورد الأجنبي ومؤهلي الاختصاص هو ازدواجية القرارات وتباين المعايير. بعض الملفات تُعالج بشكل فردي، بينما حالات أخرى تبقى معلقة بلا تفسير واضح. هذا التفاوت يولّد شعورًا بعدم الإنصاف ويضعف الثقة بالنظام الإداري المعني. كما أن تأخر المعادلة الرسمية لا يضر الأطباء وحدهم، بل يمتد أثره إلى النظام الصحي الذي يعاني نقصًا في الكفاءات المؤهلة وزيادة الضغط على الأقسام والمستشفيات وتأخيرًا في تطوير التخصصات، وإلى المواطنين الذين تتأخر لديهم الخدمات الصحية وتُفقد الاستفادة المثلى من الخبرات الطبية الوطنية.
الحل ليس معقدًا، لكنه يحتاج إلى إرادة واضحة وتصميم على الشفافية والعدالة. من خلال اعتماد معايير واضحة وموحدة لمعادلة الشهادات والتقييم، وإصدار قرارات رسمية ومعلنة تُطبَّق فورًا مع متابعة دقيقة لضمان التنفيذ، وتحديد جدول زمني ملزم لإنهاء جميع الملفات العالقة مع مسؤولية واضحة لكل جهة معنية، ومراجعة الحالات السابقة بأثر رجعي لتصحيح أي إخلال بالإنصاف أو التفاوت، ونشر المعايير والإجراءات للجمهور لضمان الشفافية ووقف أي اجتهادات فردية، يمكن معالجة هذا الملف بشكل عادل وفعّال.
معالجة هذا الملف بجدية ليست مسألة امتياز لأي طرف، بل هي استثمار مباشر في مستقبل القطاع الصحي الأردني. الكفاءات الوطنية المؤهلة تُعد أداة أساسية لتقديم خدمات صحية عالية الجودة، وتعزيز ثقة المواطنين بالنظام الصحي، وتشجيع الأطباء على الالتزام بالبقاء والمساهمة في تطوير القطاع الطبي الوطني.
ملف مؤهلي الاختصاص وحملة البورد الأجنبي هو اليوم اختبار حقيقي لشجاعة وشفافية المؤسسات المسؤولة. القرار المناسب والمعلن سيكون رسالة واضحة بأن النظام الصحي قادر على حماية حقوق كوادره الطبية، وتوفير بيئة عمل عادلة، ومستقبل مهني مشجع للكفاءات الوطنية. عام آخر يرحل، لكن الوقت لا ينتظر، والانتظار الطويل لم يعد مقبولًا. الشفافية، العدالة، والحسم العاجل هي المفاتيح لإعادة الثقة وإنصاف أصحاب الحق، وضمان أن تبقى كفاءة الأطباء جزءًا حيويًا من منظومة الرعاية الصحية الوطنية .








