استعادة عبد الرحمن منيف
الشريط الإخباري :
فارس الحباشنة - في رواية «شرق المتوسط» للاديب الراحل عبدالرحمن منيف سرد ما يتعرض اليه المثقف العربي المعارض من انتهاكات واستبداد وعنف وقهر، وقتل نفسي وجسدي، وكيف تحول المثقف تحت ماكينة تعذيب الانظمة العربية الى خائن ومرتد للالتزام في قضيته؟.
شخصية رجب اسماعيل في رواية شرق متوسط شخصت حال المثقف العربي المستبد، والذي قضى اعواما طويلة في اقبية السجون، وخرج مكسورا ومحطما، وبدأ رحلة لملمة هويته وذاته في السفر الى الخارج «الاغتراب».
الرواية صدرت في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وفضحت عورة الدولة الوطنية، وما بعد الاستقلال، والخلل الفادح الذي اصاب السلطة، وحولها من اداة للبناء الوطني الى معاول استبداد وقمع وقهر.
المكان والزمن عربيان، ولا يقصد الراوي بلدا بعينه ولا زمنا بعينه. روايات عبدالرحمن منيف وبعد نصف قرن على صدور بعضها، وما اصاب العالم العربي من هزات سياسية وثقافية الا انها ما زالت منبوذة وممنوعة وموضوعة على قوائم سوداء في بلاد عربية كثيرة.
لربما ان روايات عبد الرحمن منيف بقيت هي الملعونة في العقل السلطوي والرقابي العربي.
الاسئلة كثيرة، وشائكة والاحتجاج الشعبي العربي ما زال قائما على أنقاض قديمة، ولم يؤسس لسؤال سياسي وثقافي عربي جديد في توطين مفاهيم وقيم العدالة الاجتماعية والحريّة والحاكمية الرشيدة.
التغييرات في الهندسة السياسية والاجتماعية لربما افرزت برلمانا منتخبا ورئيس حكومة منتخبا ورئيس جمهورية منتخبا ورئيس بلدية منتخبا، وسمحت باقامة وشرعنة ومباركة الاحتجاج والاعتصام الشعبي.
السياسي والمحتج العربي عليه أن يعود الى روايات عبد الرحمن منيف، خماسية مدن الملح وثلاثية شرق المتوسط، والاشجار واغتيال مرزوق، ووليمة البحر لحيدر حيدر ايضا.
عودة لقراءة التاريخ العربي الحديث، وتاريخ السلطة والقمع والاستبداد العربي. والتحولات العابرة للمجتمعات، وما واجه المدينة الصحراوية من تحولات وصدامات ولكنها عاندت حركة الزمن لتبقى «مدن ملح» تنازع بين صدمة البقاء والانهيار.
عبد الرحمن منيف بدوي عاش في باريس، وفي بدايته كان مناضلا سياسيا. عرف بالكتابة كيف يكشف اسرار المدينة العربية. واروع ما كتب منيف عن عمان في رواياته «سيرة مدينة»!.
بعد هزيمة 67 اتجه منيف الى الكتابة. واستطاع ان يحفر في المستويات العميقة والتحتية للهزيمة.
في الادب غازل جمهوره بالسياسة. يساري كلاسيكي في الكتابة، واختفى منيف وراء الكتابة، وبناء عالم سري مسيج بالتخفي والقهر.
في الزمن العربي الراهن المستباح، فما أحوج العودة لعبد الرحمن منيف! الاوطان تتمزق وتمحى عن الخرائط.
ولم يبق من الاوطان سوى هياكل كرتونية لمؤسسات واجهزة السلطة.
وكم جاءت تلك الاشارات في مدن الملح وشرق المتوسط ترى اللحظة العربية الراهنة دون كليشيهات وزخرفات.
فأكثر ما نحتاجه اليوم انتاج اسئلة عن السلطة والمجتمع والدولة والدين والعقيدة والوطن والمستقبل والاخر.