الغائبون.. الحاضرون

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
 نيفين عبدالهادي - لا يبقى منهم سوى الصور، وجميل الذكريات، هؤلاء الذين يرحلون بهدوء وسلام، لم يكن الأسبوع الماضي سهلا على قلب الأسرتين الصحفية والإعلامية، ولعلّه الأكثر وجعا على قلبي منذ وفاة والدي رحمه الله قبل عشرين عاما، يغادرون لحياة أخرى مليئة برحمة الله وعدله، لكنهم يغادرونا بأجسادهم لتبقى أراوحهم تعيش بيننا، تخلّد لحظات بتفاصيل أوجدت بنا أماكن لهم لن يغادروها بوفاتهم.
لا يمكننا منازلة الذاكرة، ولا تحدّيها، فهي حتما ستهزمنا، فلكل ممن غادرنا مساحات حبّ، لن تلغى أو تزول، أو تمحوها وفاتهم، فنحن نحبّهم، وهذا ما علينا اعلانه والحديث عنه بصوت مرتفع، أن نحبّ بصوت مرتفع، ونعبّر عن وفائنا لمن نحب بأدوات تصله، لا من خلال رسائل إنما من خلال مواقف عملية واضحة، ذلك أنهم عندما يغادرون نندم على أننا لم نمنحهم حبّا يليق بمشاعرنا حيالهم، كم أرى اليوم أني بحاجة لمسامعكما غادة أبو يوسف، وهيا المجالي، لأصرخ بحبّي لكما بمزيد من القرب، ومزيد من المواقف، ومزيد من العطاء الذي ينقل كم أني أحبكما بكل ما أوتيت من مشاعر.
الموت، حالة تضعنا أمام حقيقة تغيّر فينا الكثير، وترتب من عبثية مشاعر وعلاقات تحتاج لحمايتها وترتيبها بين الحين والآخر، وحتى علاقاتنا من الآخر، ويضعنا أمام مسؤوليات جديدة لمن نحبّ، ويجدد فينا البحث عن كل ما من شأنه أن يصل لموتانا من أعمال خير، تجعل من قبورهم روضة من رياض الجنة، «يا رب»، وكثرة الدعاء والصدقات الجارية، ونكثّف من طلب الرحمة لهم، فهو الحقيقة التي تغيّر فينا ولا تغيّرنا.
ليس سهلا أن تتركنا أجساد من نحب، لأن أرواحهم تبقى معنا، وتفاصيلهم، وماذا يحبّون وماذا يكرهون، وما يرضيهم وما يغضبهم، نستحضرهم في الكثير من التفاصيل، ربما بيننا وبين أنفسنا، أو مع من يشاركنا حبّهم، وربما بأصوات مرتفعة أو بنظرات العين، أو بالصمت الذي أكسبه حزننا الذي يجمعنا بلاغة التعبير.
غيابهم لا يعني اختفاءهم من حياتنا، إنهم يتحركون بقلوبنا وأعصابنا، وعواطفنا، إنهم يعيشون فينا، بكل قوة، لن ننساهم، ولن يبتعدوا عن اجزاء حياتنا، فلا أذكر على مدى عشرين عاما من وفاة والدي رحمه الله ابتعد فيها عني أو عن تفاصيل حياتي، أو عن مسيرته التي وضع خطايا عليها بكل صواب، فهو باقي وحاضر أسمع صوته، وأشتم رائحته، وأرى وجهه الذي يعيش بكل ألق في بيتنا وقلوبنا، نعم فهو يعيشوا بي وبأسرتي رغم قدر الموت، رحمك الله «بابا».
وغيابكما غادة وهيا، لن يبعدكما عنّا، سأبقى انتظر لقاء رتبناه كثيرا، وزيارة وعدتك بها هيا، وحوار عميق مثالي معك غادة، وجرعات من النصائح والإرشادات الثريّة، سأبقى أراكما بأسركما بتواصل لن ينقطع بإذن الله، ووفاء لعلاقتين لن ينتصر عليهما الموت بإذن الله، رحمكما الله، سنبقى ندافع عن هشاشة فكرتنا بحضوركم بيننا وأنتم الغائبون بأجسادكم.. بمزيد من الحبّ والوفاء.
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences