رؤية ترامب في الميزان الموضوعي
الشريط الإخباري :
د.حازم قشوع — موضوعيا، لم يقدم الرئيس الامريكي خطة للحل بل قدم رؤية فقط لإطلاق وتحديد مسار التفاوض، فالرئيس الأمريكي لو كان قدم خطة تنفيذية كما كان يروج لما كان بحاجة اصلا لاطلاق مفاوضات يشترط قبول الفلسطنيين بمقرراتةا، وةذا ما يدل دلالة واضحة ان رؤية ترامب لم تكن اكثر من وجهة نظر الادارة الامريكية الحالية تجاه حل عقدة النزاع فى المنطقة بالاستفادة من ضعف النظام العربى وحالة الفوضى التى تجتاح المنطقة حيث ما زالت تقبع المنطقة فى اطار التجاذبات الاقليمية العميقة.
رؤية ترامب التى احتوت على اربعة مفاصل محورية وثلاثة عوامل اجرائية، حيث بينت المفاصل المحورية التى جاءت لصالح الطرف الفلسطيني ارضية حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية مع وجود قنصلية امريكية فيها، كما جاءت المفاصل المحورية منسجمة مع ايقاع يهودية الدولة والقدس عاصمة لها ومؤكدة على السيادة الاسرائيلية على الاماكن الاستراتيجية فى المستوطنات وغور الاردن وهى مفاصل بحاجة الى اعادة تموضع عند بناء الجمل الاستراتيجية فيها لكى تقبلها الشعوب وتصونها واما العوامل الاجرائية الثلاثة التى جاءت لتخدم اطلاق المفاوضات فلقد مثلها وقف الاستيطان طيلة المرحلة الانتقالية التى قد تمتد الى اربع سنوات وتقديم الدعم المالى للطرفين الاسرائيلي والفلسطيني هذا اضافة الى وجود شرط جزائي فى حالة اخلال او تلاعب تل ابيب فى الاتفاقات الموقعة قد تصل لحد وقف عمليات الدعم من واشنطن وهى خطوات اجرائية كان يمكن ان تكون كافية لاطلاق مفاوضات لو لم تات فى سياق المحاور المفصلية الاربعة.
لكن يبدو ان حسابات الرئيس الامريكي وإدارته تجاه القضية المركزية للامة لم تكن دقيقة الى مستوى حالة العمق التاريخى الذى تقف عليه هذه القضية من حيث ميزان المكيال المستخدم، فلقد تم تصميم رؤية الحل المقترح بناء على تقديرات الموقف العام وليس وفق مجريات الاحداث التى مرت على الشعب الفلسطيني والذى تم فيها تشريده من دياره واحلال الشعب الاسرائيلي مكانه حيث نتج عن ذلك تهجير عشرة ملايين فلسطيني نازح ولاجىء فى الشتات، فان قضية حق العودة للاجىء الفلسطيني تعتبر مسألة كرامة كما هي حق انساني وسياسي، كما ان قضية القدس بالنسبة للعربى والمسيحي والمسلم هى عقيدة يصعب التخلى عنها، فان التخلى عن فلسطين القدس هو التخلى عن العقيدة وعن القيم والمبادىء التى هى اسمى فى ميزان حضارة هذه المنطقة من كل اشكال التنمية والنماء معا، لذا كان عمق الحضارة الانسانية ومركزها فى بيت المقدس لا يتم التعامل مع قضاياه بالطرق البسيطة حيث مركز التاريخ الانسانى وهو منطلق الثقافة البشرية..
كان يمكن للرئيس دونالد ترامب ان لا يلزم شخصه والبيت الابيض بقضايا عميقة قد تحمل انعكاسات سلبية على صورة الولايات المتحدة فى المنطقة والعالم، وكما كان يمكن ايضا للرئيس الأمريكى ان لا يقف فى طرحه مناوىء لقرارات الشرعية الدولية فى نيويورك التى لا تبتعد كثيرا عن واشنطن، وكان يمكن ايضا للرئيس الأمريكي ان لا يستخدم قضية مركزية سياسية وعقائدية وانسانية مركزية كبرى من اجل مراد انتخابى لنتياهو او من اجل استدارة تكتيكية من مجلس الشيوخ، وهذا ما يمكنه تصحيحه اذا ما اعاد التاكيد مرة اخرى على احترامه لقرارات الشرعية الدولية لا سيما المتعلقة منها فى مسالة الشرق الاوسط والقضية المركزية فيها، فان مقتضيات حالة المنطقة تلزم الجميع احترام القانون الدولي حتى لا نذهب الى زواية حادة لا نريدها ان تكون، كونها ستزعزع معاني السلم الاقليمي ومناخات السلام الدولي، فان شعوب المنطقة تتطلع الى السلام المبني على العدالة والحق.