أيّام الجامعة
الشريط الإخباري :
فارس الحباشنة — من ايام الجامعة، كنا نروح على المحاضرات حتى لا نفصل من المادة. وكان دكاترة من الدرجة الثانية والثالثة اكاديميا يركزون على مسألة الحضور والغياب، ولحد ان احيانا تكون اهم في تقرير مصير الطالب اكاديميا من الامتحان.
واذكر ان هناك دكاترة لا يمحون من الذاكرة من شدة الملل الذي كان يصيبنا عند حضور محاضراتهم. واحدهم دون «ذكر اسمه»، ولوتعرفوا كم كان انبطاحيا، بل كان صاحب نظرية بالانبطاح، وكان يفسر الحياة والادب والتاريخ من نظرية الانبطاح، وفي احد المرات قلت له يا دكتور: لو انك تؤلف كتابا وتضع نظرية الانبطاح، انبطاح كلي وجزئي، وانطباح على الظهر والبطن، والانبطاح لولوبي.
كان يقدر ويعرف في سره كم أني احتقر شخصه وخطابه، ولا اثق في مستواه الاكاديمي، ولا اقدر خطابه، ولا اقيم له وزنا كأكاديمي واستاذ يقف امام جمهور من الطلاب ويسدل عليهم من ينابيع علمه وفكره في علوم الانبطاح.
قدر المناهج والمقرر الجامعي اجبرني بان اسجل مادتين دراستين عند الدكتور اياه. المهم، صاحبنا في كلا المادتين كان يحمل نفس الدفتر واذكر أن لونه اسود ومغبر، ويضع مسطرة في قلبه ليستدل كم يقرأ في كل محاضرة من الدفتر.
انتهيت من الجامعة، ورأيت الدكتور اياه بعد اعوام، وهو يحمل نفس الدفتر، وابلغني صديق يكبرني بالعمر عشرة اعوام بان الدكتور كان ايضا يدرس من نفس الدفتر، يعني انه اقضى نصف قرن في التدريس ولم يغير الدفتر ولا افكاره، نفس العناوين والمواضيع والنصوص واسئلة الامتحانات يكررها كل فصل دراسي.
في الجامعة كان هناك دكاترة عباقرة ومؤثرون، وصناع افكار. والدكتور بسام الهلول حثنا على قراءة مالك بن نبي، ومحمد عبدالجابري، وتعرفت من خلاله على محمد شكري وعبدالرحمن منيف، والشاعر القلق والرافض امل دنقل، ولفت انظارنا الى جوانب غير مطروقة في ثقافة الفكر العربي. والى جانبه كان من الاساتذة الأفاضل: محمد الشوابكة وابراهيم البعول، وعلي عباس علوان اكاديمي وناقد عراقي رحل قبل اعوام.
وما كنت ارد على احد. وكنت اعرف ان ثمة بضاعة جامعية هي لاغراض التخرج. وكنت اخاف كثيرا من اساليب التلقين وحشوات البضاعة البائدة، ورميها في العقول، وكنت اكثر خوفا من تحويل العقول الى «مطاعم ديلفيري»، والالسنة الى شرائح فاسدة وفاسقة لا تقيم وزنا للحق والعدل والحرية.
اكتب الان عن الجامعة. والاسئلة كثيرة مركونة عن التعليم في الاردن، واخرى عن النخبة وانهيارها، وعدميتها. واسئلة عن جيوش الخريجين ممن لا حول ولا قوة لهم، ومن يتحولون الى مجرد ارقام في كشوف وسجلات البطالة، وقرار الاتلاف، لولا الواسطات والمحسوبيات لوقع على ذاك الدكتور.