نحن والطيراوي في مناشدة واحدة
الشريط الإخباري :
نادية عصام حرحش
في خضم انشغالنا بأضحيات العيد وتضحيات الأطباء حتى آخر مريض، خرج عضو اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء توفيق الطيراوي بتصريحات، او بالأحرى بتساؤلات داخل بيان أقل ما يقال عنها "مهمة”. وبين انشغالاتنا بالهوامش واستعداداتنا للعيد من جهة، وبين ترك الطيراوي لتصريحاته لتتناثر بين تحليلات وتمحيصات، مر الامر وكأنه لم يكن.
يعني، من المهم الإشارة ان توقيت الطيراوي لبيانه الصحفي لم يكن موفقا، إذا ما كان بالفعل يريد ان يثير هكذا موضوع بالغ الأهمية.
جاء في بيان الطيراوي، أنه نبه الرئيس عن وجود انتهاكات تتضمن عمليات استيلاء من قبل البعض على أراضي الدولة واستخدامها لأغراض شخصية، وعمليات تزوير للأراضي وبيعها لحسابهم الشخصي. وفي نهاية البيان، طلب من الرئيس بإصدار أوامره بنشر نتائج التحقيق بشأن تسريب العقار بالقدس قبل عدة أشهر، الذي تم اتهام خالد العطاري فيه بتسريب العقار الى جمعية استيطانية.
وسكت فيما بعدها الطيراوي عن البوح، كما يسكت شهريار عن الكلام في آخر الليل، ورفض التوضيح أكثر او كشف الأسماء الذي أشار الى تورطها في بيانه.
الحقيقة، ان الانسان العادي يتوقع من توفيق الطيراوي أكثر من بيان يناشد فيه الرئيس، بالنهاية، فلقد ترأس هذا الرجل جهاز المخابرات لسنوات، واشتهر بأساليبه المكاشفة التي أطاحت بالكثير من رؤوس السلطة عن عروشها، وطبعا تدويرها في أماكن سلطة أخرى!
فما الذي أراده عضو اللجنة المركزية بالضبط؟
طبعا، لم يأت اللواء توفيق الطيراوي بمعلومة جديدة، فقبل شهر، تم اعتقال أحد النشطاء في الحراك ضد الفساد لنشره وثيقة تتكلم عن نتائج تحقيق في فساد مسؤول كبير بقضايا مشابهة بالإضافة الى قضايا فساد أخرى، وكان جل ما جرى، هو ادعاء المسؤولين في لجنة (مكافحة) الفساد أن الوثيقة مزيفة.
ما قام به الطيراوي يشبه ما قام به او يقوم به نشطاء الحراك ضد الفساد، فيبدو انه يحاول دق الجرس على أبواب الرئيس قبل انهيار قادم أكبر…ربما.
ولكن الفرق طبعا، بين الاثنين واضح، فأحدهم خارج المنظومة السيادية ويريد اظهار الفساد، والآخر داخل المنظومة السيادية وجزء مهم منها يريد ما لا نفهمه نحن.
في عقلية المؤامرات التي نعيشها، فهناك سبب، واجندات تخدم طرفا ما ضد طرف اخر دائما. فالحراك ضد الفساد يخدم بالنسبة لارباب السيادة اجندات خارجية واعداء الوطن. فماذا عن الزوبعة التي حاول الطيراوي اثارتها؟
في وضع عادي، يجب ان تقوم الدنيا ولا تقعد بعد خروج شخص بالصفة التي يحملها الطيراوي، وبصفته السابقة بهكذا بيان. ولكن هناك هدوء مطلق. يعني، افهم انه عندما يخرج مواطن عادي بمناشدة للرئيس، بأن لا تصل المناشدة للرئيس، وان وصلت ان لا يعبأ بالرد.. ولكن ان يناشد الطيراوي الرئيس ولا نسمع أي ردة فعل او تصريح مقابل من الرئيس فهذا امر عجيب.
أتساءل، ما الذي أستطيع ان افعله او اتوقعه كمواطن عادي، يرى امامه شخصا بهذا الحجم من القوة لا يستطيع ان يوصل صوته للرئيس ولا يستطيع ان يؤثر في تصويب الأفعال والجرائم التي تضيع الوطن والمواطن.
طبعا، نحن كمواطنين لم نعد نهتم. لأننا لا نثق بالمنظومة السيادية بأكملها. فهناك انهيار متلاحق لم نعد نعرف كيف نتوارى من التخبط المتهاوي على رؤوسنا. وكأن هناك كبسة تم الضغط عليها تنهي امرنا كشعب وسلطة.
هدم بيوت متلاحق بمناطق من المفترض تبعيتها للسلطة، اعتقالات تطال الأطفال والبالغين على حد سواء، المواطنون البسطاء يتلطشون مع نصف راتب على أبواب عيد، مدارس لا نعرف ان كانت ستفتح مع بدء موسم الدراسة، نقابة أطباء ترفع شعار البقاء للأقوى امام الحكومة والشعب، مستوطنون على عتبة دخول حاسم ربما للأقصى من اجل تقسيم قادم، وتسريب للعقارات بالعلن، ونهب للأرض والمواطن بلا خجل.
إعلانات رئاسية لا يتعدى أثرها مدة عرضها على الشاشة، فلا الشعب يصدق ولا رئيس يصدق. تهديدات وتنديدات ووعودا فارغة من كل المضامين ولا نية بالتغيير.
بين مواطن كادح، يحترق، يصدح صوته من اجل التعبئة الموجهة، وبين مواطن يعيش في فقاعة محلقة بسماء زرقاء شاسعة، يضيع ما تبقى منا كبشر، في وقت صرنا نحن نستبيح ما تبقى من وطن تحت نفس الشعارات. فكل واحد منا أصبح مواطنا بحجم الوطن. انا وانت والوزير والسفير والنقيب والعضو والرئيس..
فنحن والطيراوي بنفس الخندق من مطالبة واحدة، فهل نحن في صدد التماس بقعة امل؟
كل عام ونحن وطن.
كاتبة فلسطينية
http://nadiaharhash.com