اشتدي أزمة تنفرجي ..!!
الشريط الإخباري :
بقلم د. محمد الشنطي
اشتدي ازمة تنفرجي..
قد آذن صبحك بالبلج
تكاثفت السحب وتلبّد الجو بضباب كثيف غامت معه الرؤية ، وأقبل ليل بهيم فدخلنا في نفق مظلم لا نستبين آخره ، وبدأنا نتلاوم ونتجادل فبرزت الأسئلة و تكاثرت ، وغابت الأجوبة وتاهت في فضاء الحيرة ومضطرب المرحلة : نخلّى عنّا الأصدقاء وازداد حولنا الأعداء وتوزّعتنا أيدي سبأ : منّا من ولّى وجهه شطر العالم يستثير نخوته و يستفزعه فاتضح له أن الدول عبيد مصالحها وليست جمعيات خيرية(كما يقول صائب عريقات) إلا من عصم ربك و قليل ماهم ، ولكنا نعتقد - و هو معتقد صحيح و رأي حصيف فيما أحسب - أن الفرج آت لا محالة ، مادمنا لم نستسلم ، فلم نر بابا مشرعا إلا وطرقناه ، و لا سبيلا إلا سلكناه ، ولكن ثمة أبوابا أخرى لابدّ أن نفض معاليقها وأن نهوي عليها بقبضة فولاذية لا تلين :
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته و مدمن الطرق للأبواب أن يلجا
ثمة من اسودّت الدنيا في عينيه وهو يرى جناحنا الجنوبي المهيض يمتهن من قبل العدو ، ما بين صلف وغرور ممنّ يزعم أنه الصديق الذي يختال دلالا و عجرفة يطالب بالثمن الفوري ، وعدو لئيم يفتك بشبابنا و أراضينا و مبانينا ؛ بل وبجودنا بأكمله ، وابين العدو و الصديق ضاعت الطاسة التي تلقفها أصحاب الهوى وقذفوا بها في أعماق بحر محيط .
أيّ لغز هذا الذي أعيتنا الحيلة في فك طلاسمه ؟! وأي موجة عاتية هذه التي تجتاح العقول فتعمي بصائرها ؟! و تغتصب التفكير فتسدّ منافذه؛ ولكننا نعلم أن الأيام دول ، و التاريخ لا يتوقف و موازين القوى لا تستقر ؛ علينا أن نعي دورنا في حركة التاريخ و لا نستسلم لواقع يفرض علينا فرضا ، لا بد أن نوقن أنه لا يصحّ إلا الصحيح ، و ما دمنا لم نغادر دائرة الإيمان بحقنا فلن نهزم ، المهم أن يكون الدرس الأول تحديد الأعداء و الأصدقاء و دراستهم وتحديد مواقعهم ثم التعرف على و سائل مواجهتهم :
من هم أعداؤنا ؟ عدو رئيس هو الاحتلال ، ولكن ثمة أعداء آخرون مرئيون وغير مرئيين ، و كما قال المتنبي:
و سوى الروم خلف ظهرك روم فإلى أي جانبيك تميل
لو تحرّفت عن طريق الأعادي ربط السّدر خيلهم و النخيل
فمن هم ؟
الذين انشقّوا وانكشفت أوراقهم منذ أن قال عنهم الراحل أبو عمار مامعناه : إنهم الأحذية التي نخوض بها المستنقع لنصل إلى أهدافنا ؛ أما وقد انتهت صلاحيتهم و افتضح أمرهم فقد آن الأوان لخلعهم من أقدامنا و القذف بهم في قمامة التاريخ وإن لاذوا بحصونهم الورقية واختبأوا خلف جدرانهم الكرتونية فلا عاصم إلا الله ، وهؤلاء أهون شأنا من أن يحسب حسابهم فهم ألعوبة يلهو بها من يرونهم وسيلة من وسائلهم العديدة لتنفيذ مآربهم فإذا فرغوا من العبث بها ألقوها في سلة المهملات ، وقد شهدت المسيرة الوطنية ألوانا متعددة من هذه الصنائع التافهة انتهوا إلى حيث يستحقون .
ولكنّ المعضلة في من نالوا شرعية الوجود و انتصبوا قامة فارهة خرجت من رميم التاريخ زاعمة أنها طائر الفينيق الذي يبعث الأمة من مرقدها ، ويعيد لها أمجاد الماضي و يستوي بها على الجودي ، ولم يكن ذلك ليزعج أحدا لولا أن الأمر استقام ؛ ولكنه تكشّف عن واقع مرير شطر الوطن وأجهض جنين الأمل وعبث بمصائر الخلق ، ما بين شريد من الشباب ابتلعته أمواج المحيطات ، وطريد نجا من العواصف ، ولكنّ منافذ الرجعة سدت أمامه؛ فهو مطلوب لمن تمرّد عليهم ، وآخر قبل بفتات الموائد فداسته أقدام الغربة ينحت لقمته من صخرة صلدة فيما حسبه جنة موعودة في بلاد الترك؛ فإذا بأقدام فيلة عمياء تطؤه وأحقاد التاريخ تدوسه بلا هوادة ، وسجين يتجرّع مرارة الذل في سراديب الإخوة الأعداء، وآخر يستمطر شآبيب الرحمة من قلوب قاسية أعمتها سطوة سلطة مطلقة هي مفسدة مطلقة بلا أدنى ريب ، ونفوس مريضة و جدت نفسها في غفلة من الزمن في موقع الآمر الناهي ، و آخرين رضوا بالكفاف و لم يرض بهم لافاستناموا للعجز و الهوان ، وآخرين نصّبوا أنفسهم قادة مصلحين منقذين فإذا هم عتاة جبارون لا يرعون في الله إلّا و لا ذمة، قساة على أبناء جلدتهم رحماء مع أعدائهم، يتاجرون ببضاعة كاسدة انتهت صلاحيتها منذ زمن فباتوا ما بين مسلوب إرادة يتكفّف العطاء من أيد ملوثة ، و ما بين محترف يدعي بطولات كاذبة وأمجاد سراب غابرة، و آخر راح يصول ويجول و يتهدّد و يتوعّد ويرقص على الأجداث و ينفخ في يرغول صدئ لا يخرج إلا صوتا ناشزافما العمل ؟ دعونا نفكر (للحديث بقية).
بقلم ا. د. محمد الشنطي
28/02/2020م