لايف من المركبة .. الموت يتحدث ..! بقلم / إخلاص القاضي
الشريط الإخباري :
إخلاص القاضي-
بينما يقودون سياراتهم، يعمدون لفتح كاميرات للبث المباشر عبر تقنية "اللايف" في وقت تحتاج به قيادة السيارات لتركيز عال منعا لأي تشتيت للانتباه، وسط تحذيرات مديرية الأمن العام من هذا السلوك الذي قد يُعرّض السائق والمركبة وأي من مستخدمي الطريق لما لا تحمد عقباه.
إذ ان عدم تركيز سائق المركبة لـ 30 ثانية يعني فقدانا كليا لسيطرة السائق البصرية على خريطة الطريق، مع كل ما يمكن أن تحمله تلك الثواني من خطورة بالغة وأضرار مادية وجسدية، وفقا لذات المصدر.
" البث الرقمي المباشر" أو ما يعرف بـ "اللايف" أثناء قيادة السيارات، سلوك انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، محولا غرفة المركبة لاستوديو متحرك، أو لـ "عربة نقل خارجي"، لكنها عربة تفتقد لكل شروط السلامة والأمان، في وقت يبتغي الناشطون عبر تلك الخاصية بث فكرة أو مقترح أو معلومة، أو انتقاد، فيما يؤكد اخصائيون في علمي الاجتماع والنفس، أن ذلك التصرف ينم عن تهور في تقدير خطورة الموقف، وعطش قد يكون مرضيّا للفت الانتباه دون التحسب لأي عواقب.
ويؤكد هؤلاء لوكالة الانباء الاردنية (بترا) اهمية استخدام "السوشيال ميديا" لايصال المعلومات والتواصل مع الآخرين، ولكن ضمن ظروف آمنة، إذ يستطيع أي منا اعتماد تقنية "اللايف" أو التسجيل في مكان ثابت، في بيته مثلا، أو على جانب الطريق الآمن، لما لذلك من وقاية وحفظ للأرواح من جهة، وتركيز ينعكس على جودة المنتج والمحتوى الرقمي من جهة ثانية.
واتفق العديد من الناشطين عبر "السوشيال ميديا" على أهمية السلامة العامة على الطرقات، معربين عن استيائهم من هذا السلوك في معرض اجابتهم عن سؤال تمحور حول قيام البعض ببث "لايف" من مركبته اثناء القيادة، إذ يرى المزارع عمر الكساسبة، ان من المؤسف أن يقدّم احدهم نصيحة للعامة عبر بث مباشر، في وقت يقترف هو مخالفة صريحة لقواعد السلامة على الطرقات.
فيما يرى التاجر حاتم البريحي انه لا يمكن ان يُركّز مستخدم المركبة بين الحديث والقيادة بدرجة كافية لتحقيق أمان مطلوب على الطريق، مشيرا الى انه ليس ضد اي تواصل عبر "السوشيال ميديا"، على أن يختار المرء مكانا آمنا حفاظا على سلامته.
وتؤكد لارا حدادين، موظفة قطاع عام، ضرورة مخالفة من يبث "لايف"، اثناء القيادة، حيث يمكن معرفته بسهولة ومعرفة مكانه والوصول اليه من خلال صفحته، ممازحة: "يعني هو مبلغ عن حاله، وعن مكان تواجده".
فيما يصف الاعلامي مازن فراجين ان هذا التصرف ينم عن استهتار بحياة وارواح الناس، وتشاطره الرأي اخلاص ابو حلا، ناشطة من دولة عربية، بقولها: ان ذلك ينم عن لامبالاة وانعدام للمسؤولية، بينما يدعو جميل السوالقة، موظف في القطاع العام، الى تغليظ العقوبات على كل من تسول له نفسه الاستهتار بسلامة الطريق.
بدوره يقول الزميل محمد الجالودي "هذا تصرف يرجح خطورة محتملة في أي وقت، فقد جربت في إحدى المرات تصوير مركبة تجاوزت الاشارة الحمراء لإرسال معلوماتها للأجهزة المختصة، الا أن العناية الالهية انقذتني، فكدت ان اتورط بحادث سير شنيع"، متسائلا: فما بالكم بالذي يفتح الهواء ليبث من مركبته، اين التركيز المطلوب للطريق؟ ليس فقط لمن يستخدم " اللايف"، ولكن ايضا لكل من ينشغل بالهاتف النقال اثناء القيادة فيرسل الصور والرسائل عبر تطبيق (الواتساب) وغيره، ويعلق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكأنه جالس في بيته، دون أي خشية من عواقب تشتت الانتباه.
من جهته يقول عميد كلية العلوم الاجتماعية في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين ان التكنولوجيا تمثل منجزا حضاريا وافدا علينا، وبالتالي ثمة فجوة بين ما هو طارئ على نسيجنا الحضاري، وبين السلوك المتمثل في كيفية تعاملنا معه، مشيرا الى اننا وكأبناء مجتمع آخذ في التحول نحو المدنية، نعيش في موازاة فترة انتقالية، نبحث فيها عن دور للتماهي مع ذلك الانتقال، ولكن على ان لا يعني ذلك اقترافنا لسلوكيات غير المستحبة او غير القانونية لمجرد اننا نريد مجاراة العصر.
ومن ذلك، يردف محادين، استخدام الهاتف النقال في البث المباشر اثناء السياقة، بكل ما يعني ذلك من اتباع قسري لمظاهر مدنية ليست متجذرة، هو تقليد اعمى لما يشاهد عبر ذلك الفضاء دون اي احتساب للعواقب، مستدركا، انه ورغم ارتفاع نسب التعليم في الاردن الا ان حوادث السير ايضا مرتفعة، فلا كابح علميا للسلوك غير المسؤول الا بتعزيز التوعية والتنوير عبر المؤسسات المرجعية في التربية والتنشئة انطلاقا من الاسرة والمؤسسات التعليمية، وليس انتهاء بالمساجد والكنائس والاعلام.
ويشدد محادين وهو عضو مجلس محافظة الكرك للامركزية على ضرورة تعزيز الاجراءات القانونية بحق كل المخالفين لقواعد السلامة على الطريق، كوسيلة متممة للتوعية، مفسرا ان استمرار مثل هذه الممارسات يعكس شكلا من اشكال ما اسماه بـ "العنف التكنولوجي" الذي يخترق ابصارنا وحساباتنا، ويسهم في احايين كثيرة، وجراء غياب المحتوى الهادف، في تبديد الوقت والموروث الفكري والمعلوماتي الرصين.
ويذهب الى أن الفكرة الاساسية في رسائل البث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يجب ان ينطلق من مكان آمن بطبيعة الحال، يجب ان تكون مكثفة وهادفة ومقنعة علميا وعمليا، على ان لا تكوّن تلوثا بصريا، مشددا على اهمية استغلال تلك المنصات كفرصة لتلاقح الافكار تعزيزا للتواصل الانساني والتبادل الحضاري النبيل.
وفي سياق ذي صلة يدعو مستشار علم النفس الطبي والإرشاد في جامعة عجلون الوطنية الدكتور نايف الطعاني إلى أهمية التنبه من ظاهرة الإدمان الرقمي التي تحول البعض الى مهووسين بالتعامل مع منصات التواصل الاجتماعي على مدار الساعة، بما فيها استغلال وقت قيادة المركبات للحديث مع الناس سواء عن طريق "اللايف"، او الانشغال بأي من تطبيقات الهواتف الذكية.
ويحلل ان بعض من تتملكهم الرغبة في الظهور ببث مباشر دون احتساب لعواقب الطريق، يعانون احيانا من عقد نقص يريدون اشباعها ولو على حساب سلامتهم وسلامة الآخرين، مبينا ان البعض ممن لا يحظى بعد ذلك بعدد من (الإعجابات، اللايكات)، قد يكون عرضة للانتحار، جراء خيبته من تحقيق اهدافه بالشهرة التي تغذي نقصه.
ويشدد الطعاني في هذا الصدد على اهمية الرسائل التوعوية عبر البث المباشر من خلال الاشخاص لكن عبر مكان آمن، حتى تصل الافكار بشكل افضل، كما يحبذ فكرة إعداد الفيديوهات التوعوية المسبقة، التي يستطيع المرء فيها القيام بـ "المونتاج" وحذف وإضافة ما يريد، بينما في تقنية "اللايف" فإن الخطأ غير مردود، ناهيك عن كونه مصاحبا لمخالفة قواعد السير.
الناطق الاعلامي باسم مديرية الامن العام يقول ان مخالفة استخدام الهاتف النقال او جزء منه، توجب الضبط اذا تم رصدها من قبل رقباء السير، لكن ما يعني المديرية اكثر من الضبط، تعزيز توعية المواطنين بضرورة عدم مخالفة كل قواعد السلامة على الطريق وأثناء قيادة المركبات، الامر الذي يحمي من فقدان التركيز وتشتيت الانتباه، ويحد من حوادث السير والخسائر البشرية والمادية.
ودعا كل من يريد ان يتحدث الى العامة عبر بث مباشر من مواقع التواصل الاجتماعي اثناء قيادة المركبات، إلى الاصطفاف في مكان آمن الى اقصى الحدود وعلى جانب الطريق، مشيرا الى ان 30 ثانية من عدم الانتباه، تعادل قيادة مركبة وكأن المرء فاقد لبصره تماما، ما يعرضه لحوادث لا تحمد عقباها.