السيدة موزة التي استقبلت الحجة ثليجة “في رام الله” بفتور
الشريط الإخباري :
د. محمود الحموري
كلما عادت السيدة موزة من رام الله إلى قريتها الوادعة في قضاء إربد، بأواخر الخمسينيات من القرن الماضى تجلس مع قريباتها وذويها من نساء القرية، وتسهب بالحديث عن ميزات مدينة رام الله وتطورها الحضاري والعمراني والاجتماعي، مقارنة بقريتها البدائية التي تفتقر لعناصر الحضارة والأسواق، حيث اغلب بيوتها من حجارة الأرض مبنية بالطين، وأغلب سقوفها من القناطر وجسورة الحديد التي تحمل القصيب المصفوف والمغطى بالتبن والبلان كي يمنع الدلف في أيام الشتاء الممطرة.
ومن المستمعات بانصات لاحاديث السيدة موزة العامر، الحجة صغيرة الحجم بوزن الريشة "الحجة ثليجة” شقيقة زوجها فلاح الذي يعمل برام الله … وكلما أتت موزة لبلدتها تختم حديثها بدعوة ثليجة لزيارة بيتهم ضيفة عليها، وهي تستبعد ان تلبي ثليجة الدعوة وذلك لبعد المسافة بين قريتها باربد ورام الله، ولصعوبة المواصلات، إضافة لقدرات ثليجة المتواضعة التي لم يسبق لها مغادرة قريتها لأي مدينة خارجها …
لكن ثليجة عقدت العزم على الذهاب لرام الله وذلك لزيارة أخيها الموظف البسيط، فلاح وزوجته موزة التي تصنف نفسها من أكابر النساء وتلبس اجود انواع ملابس عصرها مع كندرة لامعة من ذوات الكعب العالي !
وفي إحدى الأيام من بداية الأسبوع الذي تلى زيارة موزة، ركبت الحجة ثليجة الباص الذي يذهب من إربد لنابلس وللقدس ورام الله وبالعكس، ومعها هديتها من خبز الكماج الخامر وفطائر الكشك والمردد بالبصل المعشق بزيت الزيتون والسمسم والقزحة، التي هي حبة البركة، محبوكة بسلة انيقة من القصيب، المفروش والمغطى بقماش قطني ناعم، يحتضن ما تحتويه تلك الزوادة التي يعلوها بعناية وحرص دزينة من البيض البلدي، ليحط بها الركاب في المدينة الجميلة رام الله ومن ثم لمنزل أخيها فلاح المتواضع، والمستأجر في الحي الشعبي هناك. وصلت الحجة ثليجة قبيل العصر وقد تفاجأت السيدة موزة أيما مفاجئة بقدوم ثليجة الذي لم تكن تتوقعه ولا تنتظره، وعندها اخذت موزة بيتوتير الاجواء والصراخ على الأولاد ونهرهم، وتتمتم احيانا بصوت مسموع بكلمات وجمل على مسمع ثليجة مثل، شو جابها هاي، احنا مش فاضيين عندنا مواعيدنا …
وبعد العصر جاء فلاح شقيق ثليجة فنهرته زوجته موزه واعطته تعليمات بأن لا يرحب بشقيقته وقالت له بأن البيت ضيق وليس عندها متسع لمنام ثليجة في بيتها، وهددت وتوعدت موزه فلاح بترك البيت إذا بقيت ثليجة عندهم. ولكن فلاح المغلوب على أمره فكر خارج الصندوق فوجد الحل في أن يذهب لمنزل بيت شقيق زوجته صلاح العامر، وهو مقتدر ماليا ويقيم هناك منذ زمن كموضف حكومي مهم، ليعرض عليه الأمر … وعندها طلب ذلك الموظف الشهم من فلاح المسكين إحضار شقيقته ثليجة لتكون بضيافته وفعلا ذهبت ثليجة لمنزل السيد صلاح العامر، ذلك الموظف المضياف، ونامت في بيته سواد الليل .
وفي اليوم التالي قرر ذلك الموظف المحترم إقامة وليمة غداء على شرف الحجة ثليجة ودعي إليها رجال حكوميون مع زوجاتهم وحضرت الغداء السيدة موزة على مضض بعد أن رفضت الدعوة في أول الأمر.
وبعد أن انفض السامر وبقي في منزل صلاح العامر، كل من فلاح وصلاح وزوجته البشوش، وموزة وثليجة، قامت السيدة موزة يتوتير الاجواء الاحتفالية المقامة على شرف ثليجة، وطلبت من زوجها فلاح تسفير شقيقته ثليجة مع أول باص لأربد، وقد طلبت ذلك كذلك الحجة الطيبة ثليجة من أخيها العودة لبلدتها على عجل لمهام تنتظرها في بيتها، وكان يدور بخلدها ان لا تخرب بيت أخيها بسبب تهديدات امرأته الحيزبون التي تعيش حالة غرور وتعالي على قريباتها من بنات جلدتها وهي تحسب نفسها انها من نسيج آخر …
نجح ابناء الحجة ثليجة بدراستهم ومقاصدهم فاصبحوا يمتلكون البيوت العامرة ومن أصحاب السخاء والإحسان، وعانى ابناء السيدة موزة من شدة الفقر والتهميش بعد أن توفي زوجها فلاح مبكرا لتعيش هي ضمن الإطار المصطنع الكاذب الذي رسمته لنفسها …
قصة موزة العامر مع شقيقة زوجها ثليجة قصة لم تنتهي وتتكرر في كثير من العائلات، ولكن السيدة موزة صاحبة القصة قد ماتت وكذلك الحجة ثليجة منذ حين ولا داعي لكشف المستور من خبايا الخيلاء وتردي حال موزة العامر…
وهنا اعتقد جازما بأن التعايش مع الواقع يثري بعض الجوانب من تفاصيل حياة المجتمع الذي يتعاطف مع أمثال الأم الرشيقة ثليجة كما يتبرأ من كل سلوك متغطرس اقترفته موزة العامر ومن هو على شاكلتها…
وتبقى رام الله وكل مدننا وكثير من القرى تحتاج لسبر اغوار وتفاصيل الحياة فيها لتتواصل قصة الحياة مع الماضي الذي هو منتجاتنا ونحن من ابنائه.