في خدمة العهدين
الشريط الإخباري :
لا نستطيع أن ننصف كتاب الدكتور فايز الطراونة حقه في مقالة قصيرة. ولكنني قرأت الكتاب الذي تكرّم علي بنسخة منه مع إهداء دافئ على مرحلتين. الأولى سريعة استغرقت ساعتين. والثانية متمهلة متأنية ساعية للقراءة المعمقة ما بين السطور وتحتها.
كنت جزءا دائما من خدمته العامة. واستمررنا في العمل معا من خلال حكومات الشريف عبدالحميد شرف، وقاسم الريماوي، ومضر بدران الثانية ومن بعدها أحمد عبيدات، وتعمقت صداقتنا في تلك الفترة، وكنا نلتقي في مناسبات كثيرة، ونتزاور. وبعدما تولت حكومة زيد الرفاعي في 1985 الولاية العامة، خرجت من الحكومة وتعرضت شخصيا لهجوم كبير آنذاك بصفتي كنت من المسيئين للاقتصاد الأردني، ومع هذا بقيت صداقتي مع دولة أبو زيد، خصوصا أنني عينت العام 1986 رئيسا للجمعية العلمية الملكية.
خلال فترة وجودي بالجمعية حصلت خلافات مع اجتهادات الحكومة في إدارة الاقتصاد. وأخيرا سقط سعر صرف الدينار تحت وطأة الظروف الصعبة، وبعد استقالة حكومة الرفاعي في أوائل (1989)، فقد عيّن الحسين، أحمد عبيدات رئيسا للجنة من (48) شخصية لوضع الميثاق الوطني، ودعا لانتخابات عامة على أساس الأصوات المتعددة لكل ناخب.
وبهذا الميثاق اعترفت الأحزاب خاصة الشيوعية والقومية بالدستور وبأن الأردن بلد ملكي وراثي دستوري، واعترف الملك بالأحزاب مطلقا لها حرية العمل السياسي.
وفي 1991 اتصل بي جلالة الراحل، وقد كنت موجودا في الأروغواي، حيث حضرت اجتماعات نادي روما الذي كنت عضوا فيه من اجل تعييني عضوا في وفد السلام المفاوض. وتعززت علاقتي ثانية بدولة الدكتور فايز. واستمررنا معا لمدة تسع جولات. وعين هو بعدها سفيرا للأردن في واشنطن وعينت أنا وزيرا في حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء. وسلمني مسؤولية منسق عملية السلام، ثم صرت بعدها بناء على طلب جلالة المغفور له الملك الحسين وزيرا للإعلام.
واستمر التنسيق بيني وبين د. فايز الذي أصبح رئيسا للوفد الأردني بعد الدكتور المجالي. وفي 1995 بعد استقالة حكومة الدكتور المجالي في نهاية 1994 سافرت للولايات المتحدة حيث وضعت المسودة الأولى لكتاب "صنع السلام بين الأردن وإسرائيل”، وقد قضيت وقتا مع الدكتور فايز، وأكرمني أكثر من مرة في المبيت بمنزله.
ولما كُلف الدكتور المجالي ثانية بالحكومة العام 1997، جاء الدكتور فايز وزيرا للخارجية، أما أنا فكنت نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية. ولما عين الدكتور فايز أوائل 1998 رئيسا للديوان الملكي العامر عينت مكانه وزيرا للخارجية، وكنت دائما رئيسا للجنة الوزارية التنموية.
كانت علاقتنا مع الديوان الملكي متينة. وفي أثناء هذا كله سافر الحسين للعلاج. وهنا تغيرت الحكومة، وعُينت أنا رئيسا للديوان. ولم أكن أعلم حتى قراءتي للكتاب أن الدكتور فايز هو الذي رشحني لذلك. وأصبح د. فايز رئيسا للوزراء.
وبعدما انتقلت ولاية العهد إلى سمو الأمير عبدالله بن الحسين، وانتقل الراحل العظيم إلى ربه، قرر جلالة الملك عبدالله الثاني أن يغير رئيس الوزارة والديوان، وحل مكانهما دولة د. عبدالرؤوف الروابدة رئيسا للوزراء، ودولة السيد عبدالكريم الكباريتي رئيسا للديوان. أما أنا فقد عدت إلى مجلس الأعيان لمدة سنة قبل أن أقدم استقالتي للعمل في إمارة دبي لحسابي الخاص رافضا كل الوظائف الاستشارية التي عرضت علي.
ولما استلم د. فايز الحكومة للمرة الثانية طلب مني أن أترأس المجلس الاقتصادي والاجتماعي. ولما عاد بعدها رئيسا للديوان اتصل بي ليخبرني أن جلالته قرر أن اعود عضوا في مجلس الاعيان إلى أن دخلت حكومة الدكتور هاني الملقي لفترة وجيزة ما كان لها أن تنجح.
ما قام به الدكتور الطراونة بتأليف الكتاب يعدّ عملا مبدعا، وفيه تفاصيل كثيرة، واللغة سهلة وسلسة ورصينة. وأحث كل من لم يقرأه على قراءته لأن فيه معلومات كثيرة تفسر أشياء كنا نطالعها على الأخبار دون أن نعرف كيف صيغت ولا مبرراتها. أما الكتاب فيسد فراغات في الوقت الذي تُفتَح فيه فراغات، وتذكروا أن صاحب المذكرات كتبها من الزاوية التي عاشها، ولربما حين أكتب مذكراتي أبرز نفس المحطات والأحداث من زاوية أخرى. وكلاهما لا ينتاقضان ولكنهما مختلفان.
صحيح أن التاريخ لمن يكتبه، وستجدون أن الراحل احمد الطراونة يقبع في حنايا ابنه د. فايز.