هل تفعلها طالبان؟

{clean_title}
الشريط الإخباري :  
لا صور تعلو فوق صور أفغانستان الآن، هذا البلد الذي يفتقد الى التلفزيونات والقنوات الفضائية، صار المغذي الأول للإعلام العالمي ونجم التلفزيونات أيضا.
قنوات غربية تنقل صور الطلقات النارية، وهي تدوي في أنحاء كابول ابتهاجا بخروج المحتلين وهزيمة دولة عظمى أخرى.
الآن بدأت مسيرة الألف ميل لحركة طالبان، والبدايات الخاطئة حتما تقود الى نهايات كارثية والعكس صحيح. ولن يكون هناك أسعد من أعدائها الغربيين قبل القريبين بفشلها في قيادة البلاد الى بر الأمان.
الدول الغربية تقول إنها استطاعت تعليم مئتي ألف فتاة أفغانية، خلال عشرين عاما، وهذا بطبيعة الحال يحسب لها، وعلى رجال الحركة أن يستثمروا بهؤلاء جيل المستقبل للنهوض بهذا البلد المنكوب.
تعليم المرأة وحقوق الإنسان وحرية التعبير لم تكن يوما ضد أسس الدين الإسلامي، إلا حينما جيرت سياسيا وباتت شماعة يغذيها الغرب ويستشهد بها سلبا في كل مكان.
على طالبان، واسمها مشتق من الطلبة والتعليم أن تعلي من شأن التعليم وتخيب ظنون الشامتين والدول الغربية، التي تريد لها الفشل الذريع، ونجاها هو حتما فشل لكل من يراهن على فشلها.
ولو كانت الدول الغربية صادقة تماما لكانت استخدمت ما تقول إنها أنفقته في البلاد طوال عشرين عاما ويبلغ حوالي تريليوني دولار، أي ألفي مليار. هذا المبلغ لو صرف فعلا على النهوض بالمواطنين هناك لكان جعل منهم أغنياء لمدة مئتي عام، ولاكتفت الدول الغربية محنة التشدد والخوف، التي تجأر دائما بها كمسوغ لاحتلال الدول ونهب ثرواتها.
أفغانستان هذه، وكما تصورها الفضائيات الغربية مناجم من الخيرات والموارد، يمكن أن تجعل من البلاد قوة اقتصادية عظمى على تخوم الصين وروسيا والهند، لو أحسن الأفغان صنيعا في بلادهم.
الانتصار في البناء أصعب وأعظم بكثير من الانتصار في الحرب، فقد علمتنا التجارب في البلاد العربية والإسلامية فقط، أن خروج المحتل هو بداية لخراب الدول وليس العكس. والعراق ليس ببعيد أبدا. واعتادت الحركات العسكرية المنتصرة على أسر البلاد والتصرف بها كعصابة وخاطف ومخطوف، ومعظم الدور العربية عينات فاقعة لهذا النتيجة المأساوية المبكية.
عرضت القناة البريطانية الرابعة تقريرا مؤثرا لوصول لاجئين أفغان الى بريطانيا، وكيف سلط الإعلام البريطاني الضوء على طبيعتهم وتصرفاتهم، فقد أدهش هؤلاء، حتى المتشددين اليمينيين، بأخلاقهم وقوة تحملهم وعفة نفوسهم وتوقهم للحياة، على عكس ما يصوره الإعلام الغربي عموما.
في الأزمة السورية، حملت طفلة في مخيم لافتة مكتوب عليها «أعيدوني الى بيتي وأوقفوا مساعداتكم فسوف أزرع أرضي… وأطعمكم»!
أفغانستان ليست في حاجة الى مساعدات على المدى البعيد، فلديها من الخيرات ما يكفيها لمئات السنين ويفيض، فقط بحاجة الى من يحكم العقل والتسامح والتعلم من تجارب الشعوب المتقدمة والاحتكام الى الدين السليم، وليس المسيس والمجتزأ، فقد هلل الكثيرون لمشروع الدولة الإسلامية «داعش» في سوريا والعراق، ليظهر لاحقا أنها صناعة غربية كاملة باعتراف هيلاري كلينتون، وأنها كانت أشد عداوة للإسلام من كل أعدء الإسلام عبر التاريخ، بل كللت حياتها بأسمال من التخلف والقتل والاضطهاد والنهب والسرقة والاضطهاد والسبي والاستعباد، وهذا أبعد من المجرات عن الدين الإسلامي الصحيح!
الأمل الكبير معقود على طالبان أن تشرك مكونات الشعب الأفغاني في إدارة البلاد، وبالتالي إنجاح تجربة التحرر من الإستعمار، ولو على سبيل التغيير.
وسيكون على هؤلاء إنعاش اقتصاد دمرته الحرب دون أن تعول على المساعدات الخارجية فقط، وتقدر بمليارات الدولارات، والتي تدفقت على النخبة الحاكمة السابقة ولم تعصمها، بل أدت لتفشي فساد ممنهج وانهيار قياسي، فهربت قبل طلوع الفجر بجلدها وأموال شعبها.

من سيبقى في سوريا والعراق؟

من يشاهد المحطات الفضائية العراقية والسورية هذه الأيام يخنقه منسوب التشبيح وبيع الصكوك والأغاني الوطنية التي تشيد بمدمري البلاد ومخربيها، بينما لا ترى أو تسمع صوتا وطنيا حقيقيا يظهر فيها! من يتذكر مسلسل «رأفت الهجان» الشهير للكاتب صالح مرسي، مؤلف العمل، الذي ذكر لقطة مهمة وظريفة جدا، أشار فيها للمجموعة التي كانت حول رأفت في إسرائيل، حيث كان منهم ضباط جيش وتجار وسياسيون. هؤلاء كانوا يدافعون عن تصرفات الحكومة ويرقصون ويغنون ويطبلون لأي عمل يقوم به جيش الإحتلال، إلا واحدة هي «سيرينا أهاروني»، التي قامت بدورها الممثلة المصرية تهاني راشد، فكانت الوحيدة التي تنتقد تصرفات حكومة الاحتلال، بل أحيانا تدافع عن مواقف العرب وتهاجم أفعال الجيش، لدرجة أن رأفت نفسه كان يبدي زعله منها.
وحينما عرض رأفت الأسماء والصفات على القيادة في مصر أنذاك كي تختار بعضهم للتجنيد لصالحها، كان يظن أن أول شخص سيقع عليه الاختيار هي تلك المرأة.
لكن العكس هو ما حدث، فقد رشحت المخابرات أسماء المزمرين والمطبلين والمصفقين والشبيحة كي يتم تجنيدهم.
وهنا تعجب رأفت من عدم اختيار سيرينا أهاروني، وهي أشد المنتقدين للحكومة الإسرائيلية والمتعاطفة مع العرب.
لكن الجواب كان أن أهاروني هي أخر شخص تفكر في تجنيده لأنها ببساطة أكثرهم وطنية وإخلاصا لبلدها.
وهذا يعني ببساطة أنك حينما تنتقد السلبيات لا تكون خائنا وعميلا، والعكس هو الصحيح!
النقد دائما يقود الى الحرص على الأوطان والمجتمع، بينما المطبلون هم فئة من المنافقين الباحثين عن مصالحهم الشخصية، وأغلبهم وخاصة الفنانين الذين تحدوا وقالوا إنهم لن يتركوا البلاد، أغلبيتهم العظمى هاجروا وهربوا، بعد أن صموا آذان الجوعى والمقهورين بالأغاني الوطنية والتسحيج!
ولو قدر لكل الدولة في سوريا والعراق الآن أن تهاجر، فلن يبقى في هذه الديار إلا من لا تظهر أصواتهم أبدا على الفضائيات والتلفزيونات والإذاعات الوطنية.
أما بالنسبة لمن يحكمون فقد هربوا أموالهم المنهوبة الى الخارج منذ زمن، لكن نتمنى أن لا يتهنوا أبدا بها، فهي من حق جوعى وأيتام البلاد. وبالمناسة نعيش هنا في بريطانيا منذ 30 عاما لم نسمع محطة واحدة وضعت أغنية وطنية أو خاصة بزعيم، ولديهم من الوطنية الحقة وحب بلادهم ما يزيد عن مساحة الوطن العربي مجتمعة.
انور القاسم
 كاتب من أسرة «القدس العربي»
© جميع الحقوق محفوظة لوكالة الشريط الإخبارية 2024
تصميم و تطوير
Update cookies preferences