ما الذي أوجع قشوع حتى وصف نفسه بـ”الفلسطيني المرتحل”؟
الشريط الإخباري :
أثناء تجولي بتكاسل في الفضاءات الرقمية لمجلة "نيويورك ريفيو اوف بوكس” بحثاً عن مقال كنت احتاجه، صادفت فجأة الوجه المألوف لكاتب السيناريو سيد قشوع، الذي ظهر لي للوهلة الأولى أنه ليس متفاجئاً أقل مني. أجرت المجلة مقابلة معه وتم إرفاقها بالمقال الذي نشره قشوع قبل أسبوع تحت عنوان "منفاي الفلسطيني”. في الخلفية، في الراديو الذي كان يصدر النغمات داخل المطبخ، أوضح مصدر في حاشية رئيس الحكومة بأنه لا توجد أي عملية سياسية مع الفلسطينيين، وأيضاً لن تكون، حتى، لا سمح الله، تنغرس أفكار في رؤوسنا. قشوع وأنا نظر كل منا إلى الآخر.
في ذلك المقال وتلك المقابلة، استخدم قشوع المصطلحات التي يعترف بها اليهود كجزء من كنز مفرداتهم التاريخية. وبالإضافة إلى إشارة عنوان المقال لمفهوم "يهود الشتات” فإنه يسمي نفسه "الفلسطيني المرتحل” ويتطرق إلى "فكاهة الناجين” له، ليس كوسيلة لنسبتها له، بل كتذكير للتشابه بين مصير الشعبين.
ثمة معلمان بارزان تم اعتبارهما أحداثاً مؤسسة في حياة قشوع، وكانا –بالمقابل- أحداثاً مؤسسة في حياتي: الأول هو عملية "الجرف الصامد” في 2014، التي قرر قشوع في أعقابها مغادرة إسرائيل والذهاب إلى الولايات المتحدة مع عائلته. والثاني هو المواجهة الدموية الأخيرة، عملية "حارس الأسوار”. المكالمة الهاتفية التي أجراها مع شقيقه الذي يعيش في إسرائيل، في الحقيقة الساعات التي اشتعلت فيها النار في المدن المختلطة، هي نقطة الانطلاق للمقال ونقطة الانطلاق لمناقشة المنفى والتهمة. هناك أمر يعذب قشوع، وهو شعوره بوجوب أن يكون في البلاد في هذا الوقت الصعب الذي يواجهه أبناء شعبه. بينما شقيقه يهدئه قائلاً إنه من الجيد أنه غادر.
بعد لحظة سنتحدث عن مفهوم الصمود في روح الشعب الفلسطيني، لكن هاكم خطاً آخر من خطوط التشابه المهمة: في نقاش مع صديقتي التي غادرت البلاد مع عائلتها بغضب وخيبة أمل "مبررة”، كانت صفعتني بالقول إن النجاح الأكبر للمشروع الصهيوني هو أن يشعر الإسرائيليون بأن عيشهم سيكون نوعاً من الخضوع في مكان آخر. ويتحدث قشوع أيضاً في مقاله عن الخجل الذي يعتريه منذ هربه من المكان الذي كان يجب أن يكون بيته الطبيعي. وقد علمته جدته ووالده منذ صغره بأنه محظور عليه مغادرة البيت والوطن مهما كان، فلسطين أو إسرائيل. ولكن "الصمود” الذي يعني الاستمرارية، والذي يعبر عن علاقة الفلاح الفلسطيني بأرضه، يجد صداه أيضاً بتمسك الاستيطان اليهودي بالأرض وبحلمنا الوطني وتجسيده الكولونيالي.
الفرق بين منفى صديقتي ومنفى قشوع واضح، حتى لو كانا ينبعان من نفس الماضي الذي لا يمكن دفنه، ومن نفس حالة اليأس. تغيير الحكم واللقاء بين نفتالي بينيت وجو بايدن يطرح السؤال بشكل ملح أكثر حول الفترة التي تعتقد إسرائيل بأنها ستنجح فيها في قمع رغبة الفلسطينيين بالاستقلال، وبأي ثمن. وإلى متى سيستمر الجمهور، بما في ذلك اليسار – الوسط، بالتثاؤب من الملل عند طرح قضية الاحتلال. الآن، يعيش قشوع في سانت لويس بولاية ميزوري، وتعيش صديقتي في جنوب البرتغال. منفى كل إسرائيلي – فلسطيني سيؤدي في نهاية المطاف إلى تخلي إسرائيليين – يهود. لي أمور مشتركة مع قشوع أكثر مما هو لي مع مستوطنة في مزرعة جلعاد (مع أن لي أموراً مشتركة معها أكثر مما لي مع شخص من حماس). كان قشوع جزءاً من الثقافة في إسرائيل. ووجوده هنا أبقى الوهم بأنه هناك سبيل، إلى أن هزمناها. في المنفى والاغتراب يريد القول بأنه لا سبيل، وأن الفضاء المشترك بيننا لم يعد قائماً. ابنة قشوع التي عرفناها من مقالاته هي ناشطة في منظمة طلاب فلسطينية. وابنه البكر يرفض التحدث مع الصهاينة، والابن الصغير مقتنع بأنه أمريكي. هذه هي وصمة عارنا وهذا ما يمزق قلبي. إن غباء القيادة الوطنية الفلسطينية وبؤس حكومات إسرائيل تذكرني بالسؤال الذي صاغه اليهودي الحكيم، الناجي من الكارثة، جان ايمري، "كم وطناً يحتاج الإنسان؟”.
بقلم: ايريس ليعال
هآرتس 5/9/2021